الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجربة التركية ومحاولات بناء دولة الحداثة

حامد محمد طه السويداني

2021 / 7 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


قبل مدة طلب مني اخي وصديقي المفكر الدكتور فارس تركي الجبوري الاستاذ في قسم السياسات العامة في مركز الدراسات الاقليمية ان اكتب مقالة عن (التجربة التركية) مالها وما عليها واين مواطن تقدمها وتأخرها، يقول الدكتور فارس تركي في كتابه (الدولة المستحيلة) ان الجغرافية هي احد اسباب تشكل الحضارة فالبلدان الخضراء تكون اقرب الى الحداثة والمدنية على عكس البلدان الصحراوية والتي يتشكل فيها المجتمع الصحراوي بعدة سمات تجعله بعيداً عن تقبل الحداثة والحضارة. وهنا اود ان اضيف شيئاً ان العامل الايدلوجي (وخاصة الديني) يساهم كثيراً في تشكل المجتمع وممكن يحول المناطق الخضراء الى شبه صحراء والعكس صحيح.
للأتراك تاريخ طويل موغل في القدم فالشعوب التركية Altaic Peoples وهي مجموعة عرقية واحدة كانت تستقر قديماً في منغوليا وسيبريا وخاصة حول جبال Altai وهم قبائل رعوية تجوب منطقة جبال التاي الى الشرق من سهول اوراسيا والى الجنوب من نهر ينبى وبحيرة بيكال التي تعد حالياً جزء من سهول منغوليا والاتراك عرق ابيض عريض الحجمة ويطلق عليهم في الكتب الادبية لفظ طورانى ومن الجدير بالذكر بان الاتراك عبر تاريخهم الطويل مروا بالعديد من المحطات التاريخية ابتداءاً من اعتناقهم الديانات الشرقية الوضعية (الشامانية- البوذية- والمانوية) ومروراً بالديات السماوية (اليهودية والمسيحية ولاحقاً الاسلامية) فالأمة التركية اعتنقت الدين الاسلامي في مرحلة مبكرة حين وصل العرب المسلمون الى تركستان وقد ادى هذا الامر الى توجه ثقافي جديد للأتراك ساعدهم على الانطلاق في مختلف مجالات الحياة والعلوم والمعرفة، وفي العام 1299 اسس الاتراك دولتهم العثمانية القائمة على مبدأ (الجهاد ضد الكفار) حسب وصفهم ولا غرابة في ذلك لان كل الدول في هذه المدة تأسست دولهم على مبادئ دينية فأوروبا المسيحية والعثمانيين المسلمين وكذلك الفرس ودولتهم الصفوية... الخ.
واهم ما يميز تلك المرحلة هي الحروب والصراعات القائمة على اساس ديني وبما الدول الاوربية اسست دولة الحداثة وغادرت سلطة الكنيسة والاخذ بأسباب التطور الصناعي والثقافي وحدثت الثورة الفرنسية عام 1789م والثورة الصناعية في بريطانيا عام... وقد انعكس هذا التغير في الدول الاوربية على الدولة العثمانية والتي ابدت رغبتها في تقليد مظاهر التقدم الاوربي لذا فقد سارع العثمانيون في استقدام الخبراء الاجانب لتحديث مؤسسات الدولة العثمانية العسكرية والسياسية والثقافية وقد تعددت الآراء حول تقليد العثمانيين للحداثة الاوربية يرجع الى تأثر الدولة العثمانية بالفكر الاوربي الذي ادى الى ظهور الثورة الفرنسية 1789م ويعد السلطان سليم الثالث اول سلطان عثماني يطلق عليه لقب (مصلح) في فترة ما قبل التنظيمات. وقد سار السلاطين العثمانيين على خطى اوروبا في الاصلاح وقد توجب هذه الاصلاحات بإصدار الدستور المدني العلماني للدولة العثمانية في العام... ومن الجدير بالذكر كان للدول الاوربية دوراً كبيراً في تحديث الدولة العثمانية وخاصة الدور الفرنسي والاسباب كثيرة لا مجال لذكرها الان ولكن الذي يهمنا في هذا المقال هو التحليل والاستنباط وليس السرد التاريخي وباعتقادي وبحسب رأي الدكتور فارس تركي ان اهم عال هو الجغرافيا سبباً في تقبل التغير فتركيا بلاد خضراء لا توجد فيها صحراء فالبنية الجغرافية القريبة من اوروبا والتي تشبه الى حد ما جغرافية اوروبا وخاصة استانبول التي تقع جزء منها في اوروبا ساعدت في انتقال المؤثرات الاوربية الى تركيا وكذلك النخبة الحاكمة العثمانية سارعت بالتغير لأن كان لديها استعداد ذهني للإصلاح وذلك بسبب بان معظم السلاطين في هذه الفترة هم من اصول اوربية يحكم زواج السلاطين من الاوربيات فعندما يتزوج السلطان من فرنسية مثلاً يكون ابنه هجين من فرنسي وعثماني وهذا الابن يتزوج ايضاً من اوربية ويكون الحفيد اوربياً من جهة الاب والام فضلاً ان هؤلاء السلاطين كانت تربطهم علاقات وثيقة جداً مع قادة الدول الاوربية بحكم صلة القرابة ورغبة النساء في تنشئة السلاطين على حب اوروبا والمسيحية وان لم يحدث هذا فأنها تتضمن بان يكون السلطان لا يكره الاوربيين.
وهناك نقطة مهمة ساعدت في نقل الثقافة الاوربية هو اقصاء التوجه الديني القديم (الجهاد ضد الكفار) واستبداله بالدستور المدني القائم على التعايش والتبادل الحضاري فتراجع المنظومة الدينية العثمانية ساعدت على الاخذ بوسائل التقدم الاوربي وتقليد مظاهره.
اما المنعطف الجديد في حياة الاتراك فهي (التجربة التركية الجديدة) التي قام بها مصطفى كمال اتاتورك وهي تأسيس جمهورية تركيا الحديثة القائمة على العلمانية والحداثة الحقيقية وهي التجربة هي الوحيدة في تركيا التي اسهمت بتأسيس دولة الحداثة الحقيقية فقد انتجت مؤسسات حقيقية وصحافة حقيقة فضلاً عن انتاج ارث ثقافي وادبي حر، صحيح ان اتاتورك طبق هذه المفاهيم بالقوة لكنه اراد جيل بعد جيل ان يضع الاتراك على الطريق الصحيح وظلت هذه التجربة قائمة باعتقادي الى العام 1983 لأن هذا العام هو تولي توركوت اوزال رئاسة الوزراء وكان هذا الشخص قد ادخل بعض المفاهيم الدينية الاسلامية في تركيا وذهب الى اداء مناسك الحج وانتشرت الطرق الصرفية في عهده والاهم من ذلك هو الوحيد الذي بدا بانتقاد ميراث اتاتورك والجدير بالذكر ان وقوع تركيا بين اوروبا والاتحاد السوفييتي والدول العربية والاسلامية ساهم في نمو التيارات اليسارية والشيوعية متأثرة بالاتحاد السوفيتي وكذلك التيارات الدينية الاسلامية وحدث الصراع الاسلامي اليساري فضلاً عن تجذر التيار القومي والطواراني لدى النخب التركية وبعد زوال الخطر السوفيتي ينمو في عهد اوزال حتى انتج لنا في عام 2002 تجربة جديدة الا وهي (تجربة حزب العدالة والتنمية) وهي وريثة للإسلام السياسي الذي تم اقصاؤه من قبل المؤسسة العسكرية التركية.
وقد قام هذا الحزب بتحقيق انجازات اقتصادية وسطى جاهداً بالقيام بإصلاحات دستورية للانضمام الى الاتحاد الاوربي وكذلك اعطاء الاقليات العرقية مثل الاكراد بعض الحقوق وعرض نفسه على انه حزب تركي خدمي وليس حزباً دينياً ولكن بمرور الوقت فشل في كل ذلك فالاقتصاد التركي اليوم يعاني والليرة التركية شبه محطمة والديون الخارجية كبيرة فضلاً عن ان حقوق الاقليات في خطر لما تتعرض له من الاقصاء والتهميش وممارسة العنف ضدهم والتضييق على الحريات والصحافة.
بدا اردوغان في هذه المرحلة باستخدام الدين في خطاباته وبدأ يوجه الشباب والشعب التركي بالالتزام بالتوجهات الدينية ليخلق جيل لا يؤمن بالعلمانية حتى اطلق عليه من قبل بعض الكتاب بأنه (محطم الصنم الاتاتوركي) وهو يحاول اسلحة تركيا من جديد وارجاعها الى الوراء.
ان التجربة التركية التي بناها مصطفى كمال كدولة حديثة برغماتية تشبه الدول الاوربية في السياسة والاقتصاد والاجتماع بدأ اردوغان يحطم اركانها امام هذه الممارسات تراجعت الديمقراطية في تركيا واصبحت نظاماً رئاسياً شمولياً برئاسة اردوغان الذي جمع كل السطات بيده وهذا ما جعل الشعب التركي والمعارضة السياسية ترفض هذه الممارسات فأصبحت لدى تركيا علاقات غير ودية مع الدول الاوربية وكذلك الدول العربية بسبب سياسات حزب العدالة والتنمية فباعتقادي وكما قلت سابقاً في مقالات عن تركيا ان تجربة الاسلام السياسي في تركيا الى زوال وستكون الحكومة التركية القادمة هي حكومة ائتلافية من عدة احزاب كما كانت في السابق فهذه التجربة التركية كلما تتقدم خطوة الى الامام ترجع خطوات الى الوراء بفعل استغلال الدين والعقيدة والايدلوجية القائمة على رفض الآخر ومعاداته بمجرد اختلافه في الدين او المذهب باعتقادي اذا ارادت تركيا ان تصبح دولة ديمقراطية حقيقية لابد لها من الرجوع الى ميراث اتاتورك وكذلك القيام بما لم تعم به اتاتورك وهو اعطاء الاقليات العرقية في تركيا وخاصة الاكراد في تركيا البالغ تعدادهم اكثر من (20) مليون حقوقهم الثقافية والسياسية وان الحرب على الاكراد ومحاولة صهرهم في بونقة المجتمع التركي كأتراك لا تجدي نفعاً.
واخيراً باعتقادي ان الاتراك فشلوا في بناء دولة الحداثة الحقيقة لكنهم مارسوا نوعاً من الحداثة ولكن سرعان ما يقفز الى سدة الحكم اشخاص لهم موروثهم الديني او العرقي المتطرف ليجر تركيا الى الوراء باعتقادي ان الحداثة في تركيا اليوم هي حداثة قادية (قطارات النفاق، مطارات، جسور عملاقة مرافق سياحية عظمى، صناعة... الخ) من هذه المظاهر لكن على المستوى الفكري يظل الاتراك يفكرون بطريقة شرقية ولهذا فان تركيا دولة غير مستقرة حدثت فيها خمسة انقلابات عسكرية وانتهاكات خطيرة لحقوق الانسان وصراعات ايدلوجية بين اليمين واليسار واقتصاد ممكن يتهاوى في اي لحظة وهذا ما تشهده الليرة التركية الان حيث وصلت 100-$- الى 830 ليرة تركية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل