الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دول ثلاث جربت الاشتراكية ثم نبذتها- إسرائيل

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 8 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


إسرائيل حالة فريدة، لأنها الدولة الوحيدة التي نجحت فيها الاشتراكية- إلى حين. وفقاً للبروفيسور الإسرائيلي آفي كاي، حرص المستوطنون الأوائل على "إنشاء اقتصاد تُضبط فيه قوى السوق لفائدة المجتمع ككل". كانت تدفعهم الرغبة لتجاوز تاريخهم الماضي كضحايا للفقر والتحيز، لذلك سعوا لإنشاء مجتمع اشتراكي عادل يعلي من قيمة الجدارة والعمل. ومضى المستوطنون المتجانسون الأوائل بتعداد لا يتعدى 1 مليون نسمة لوضع الخطط المركزية لتحويل الصحراء إلى مراعي خضراء ولبناء شركات كفء تسيرها الدولة.

على حد قول الباحث بمعهد المشروع الأمريكي جوزيف لايت، كان معظم المستوطنون الأوائل يعملون إما في مزارع تعاونية تسمى الكيبوتسات أو في وظائف تضمنها الدولة. كانت الكيبوتسات عبارة عن جمعيات زراعية صغيرة فيها يؤدي الناس واجبات في مقابل الغذاء والمال لتدبير معيشتهم ودفع فواتيرهم. لم توجد ممتلكات خاصة، وتناول الناس طعامهم معاً، وعاش الأطفال دون 18 سنة معاً وليس مع والديهم. كانت أية أموال تكتسب من خارج الكيبوتز تُعطى لها.

ثمة لاعب أساسي في الاشتراكية الإسرائيل كان الهستدروت أو اتحاد العمال العام، حامي العقيدة الاشتراكية أن رأس المال يستغل العمال وأن الطريقة الوحيدة لمنع هذه "اللصوصية" هي بمنح الدولة السيطرة على وسائل الإنتاج. في سعيه لحشد كل العمال تقريباً داخل الاتحاد، كاد الهستدروت يحكم سيطرته على كل قطاعات الاقتصاد والمجتمع، ومن ضمنها المزارع والإسكان والنقل والبنوك والرفاهية الاجتماعية والرعاية الصحية والتعليم. وكانت أداته السياسية لهذه الغاية تتمثل في حزب العمل، الذي حكم فعلياً إسرائيل منذ تأسيسها في 1984 حتى 1973 وحرب يوم الغفران (6 أكتوبر). في تلك الأيام الأول، لم يرى الكثيرون ضرورة حتى لوضع قيود على دور الحكومة.

بدا أن الأداء الاقتصادي الإسرائيلي يصدق صواب عقيدة كينز. إذ حقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نمواً مذهلاً بلغ 12.6 بالمائة طوال عقدين من 1955 إلى 1975، لترتقي إسرائيل إلى مصاف الاقتصادات الأسرع نمواً في العالم، والأدنى من حيث فروق الدخل. بيد أن هذا النمو السريع واكبه تصاعد في الاستهلاك الخاص وبمضي الزمن اتساع الفجوة في الدخل. ومن ثم تزايد الطلب للإصلاح الاقتصادي بغية تحرير الاقتصاد من مركزية صنع القرار من طرف الحكومة. وفي عام 1961 شكل أنصار التحرير الاقتصادي الحزب الليبرالي- أول حركة سياسية التزمت باقتصاد السوق.

تبخرت "المعجزة الاقتصادية" الإسرائيلية في 1965 حين عانت البلاد من أول ركود واسع. توقف النمو الاقتصادي وارتفعت البطالة ثلاثة أضعاف من 1965 حتى 1967. وقبل أن تتمكن الحكومة من اتخاذ الإجراءات التصحيحية، اندلعت حرب الأيام الستة، لتتغير معها الخريطة الاقتصادية والسياسية لإسرائيل. وللمفارقة، خلقت الحرب انتعاشاً قصير الأجل، مدفوعاً بزيادة الإنفاق العسكري والتدفق الواسع للعمال من الأراضي الجديدة. بيد أن النمو الاقتصادي بتوجيه حكومي كان مقترناً بتسارع التضخم، الذي بلغ معدل سنوي قدره 17 بالمائة من 1971 حتى 1973.

لأول مرة، تبلور نقاش عام بين أنصار اقتصاديات السوق الحر وبين أنصار الترتيبات الاشتراكية التقليدية. ومن قاد الطريق نحو السوق الحر كان الحائز المستقبلي لجائزة نوبل ميلتون فريدمان، الذي حث صناع السياسة الإسرائيليين لكي "يحرروا شعبهم" ويحرروا الاقتصاد. ثم عززت حرب 1973 وتبعاتها الاقتصادية من الشعور الغالب وسط الإسرائيليين أن النموذج الاشتراكي المتبع من قبل حزب العمل لن يستطيع معالجة التحديات الاقتصادية المتفاقمة في البلاد. ومن ثم أسفرت انتخابات 1977 عن انتصار حزب الليكود، بفلسفته الجازمة بتبني السوق الحر. وساعتها، اتخذ الليكود من الحزب الليبرالي شريكاً له في الائتلاف الحاكم.

لأن جذور الاشتراكية في إسرائيل كانت موغلة في العمق، مضى الإصلاح الحقيقي متثاقلاً وبطيئاً. طُلب من فريدمان وضع برنامج لنقل إسرائيل من الاشتراكية نحو اقتصاد السوق الحر. وشملت إصلاحاته الرئيسية برامج حكومية أقل وتقليص الإنفاق الحكومي؛ وتدخل حكومي أقل في السياسات المالية والتجارية والعمالية؛ وتخفيضات في ضريبة الدخل؛ والخصخصة. ثم تبع ذلك جدال محتدم بين المسؤولين الحكوميين الساعين للإصلاح وبين المصالح الخاصة التي فضلت الوضع القائم.

في هذه الأثناء، استمرت الحكومة في الاقتراض والإنفاق ومن ثم رفع التضخم، الذي بلغ متوسط 77 بالمائة في 1978-1979 وبلغ ذروة قدرها 450 بالمائة في 1984-1985. وتعاظمت مساهمة الحكومة في الاقتصاد إلى 76 بالمائة، في الوقت الذي بلغت العجوزات المالية والدين العام عنان السماء. أخذت الحكومة تطبع المال عبر قروض من البنك المركزي الإسرائيلي، لتشعل الأموال الجديدة نيران التضخم أكثر.

أخيراً، في يناير 1983، انفجرت الفقاعة ولاح شبح الإفلاس لآلاف المواطنين الأفراد والشركات الخاصة والشركات التابعة للحكومة كذلك. كانت إسرائيل كلها على وشك الانهيار. عند هذه اللحظة الحرجة، تدخل رئيس أمريكي متعاطف، رونالد ريجان، ووزير خارجيته، جورج شولتز، لنجدة إسرائيل. عرضا منحة قدرها 1.5 مليار دولار بشرط أن توافق الحكومة الإسرائيلية على ترك نهجها الاشتراكي وتتبني شكل ما من الرأسمالية على الطراز الأمريكي، بالاستعانة بمتخصصين تدربوا تحت أيدي الأمريكان.

قاوم اتحاد العمال العام بشدة، رافضاً تسليم سلطة دامت له عقوداً والإقرار بتحميل الاشتراكية المسؤولية عن المشاكل الاقتصادية في إسرائيل. لكن الشعب، في المقابل، كان قد نال كفايته من التضخم المتصاعد والنمو غير الموجود ورفض سياسة الاتحاد المقاومة. كذلك، ترددت الحكومة الإسرائيلية، التي لم تكن ترغب في إنفاق رأسمالها السياسي على إصلاح اقتصادي. يومها، أبلغ الوزير شولتز غاضباً إسرائيل أنها إذا لم تبدأ حالاً في تحرير الاقتصاد، فإن الولايات المتحدة ستجمد "كل التحويلات النقدية" إليها. نجح التهديد. وتبنت الحكومة الإسرائيلية رسمياً معظم "توصيات" السوق الحر.

كان أثر التحول الكبير في السياسة الاقتصادية الإسرائيلية فورياً وشاملاً. خلال سنة، هوى التضخم من 450 بالمائة إلى مجرد 20 بالمائة، وانكمش عجز الموازنة من 15 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى صفر، واختفت الإمبراطورية الاقتصادية والتجارية لاتحاد العمال العام ومعها نفوذه السياسي، وانفتح الاقتصاد الإسرائيلي أمام الواردات. كما انفتح الطريق أمام ثورة التكنولوجيا المتقدمة الإسرائيلية، التي أدت إلى زيادة بلغت 600 بالمائة في الاستثمار داخل إسرائيل، وتحويل هذا البلد إلى لاعب رئيسي في عالم التكنولوجيا المتقدمة.

لا شك كانت هناك آثار جانبية مزعجة مثل الفجوات الاجتماعية والفقر والقلق حول العدالة الاجتماعية، لكن الخطاب والأيديولوجيا الاشتراكيين، وفقاً لمراسل الواشنطن بوست في إسرائيل جلين فرانكل، "قد أحيلتا للأبد إلى التقاعد." وتبنى حزب العمل الاشتراكي الخصخصة وتصفية الاستثمار في العديد من شركات الدولة بعد تحولها إلى مرتع للفساد بسبب البطالة المقنعة وقواعد العمل المتزمتة وتزوير الدفاتر والمحسوبية وعدم كفاءة المديرين.

بعد توسع متواضع خلال التسعينات، تصدر النمو الاقتصادي الإسرائيلي الخرائط على اتساع العالم النامي مع بداية الألفية الثانية، مدعوماً بانخفاض التضخم وانكماش حجم القطاع الحكومي. كانت البطالة لا تزال مرتفعة بشدة واستنفدت الضرائب ما وصل إلى 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، معظمها استدعته الحاجة لجيش كبير. من جانب آخر، اتفقت الأحزاب السياسية على عدم النكوص عودة إلى السياسات الاقتصادية المتبعة في السنوات الأولى- أصبح النقاش منصباً حول معدل المزيد من إصلاح السوق. وعلى حد قول لايت، "يبدو أن التجربة الأكثر نجاحاً في الاشتراكية في العالم قد احتضنت الرأسمالية بلا رجعة."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ