الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراجيديا مابعد السقوط .. جردة حساب قومية ؟

داود البصري

2003 / 5 / 11
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


                                                      
 

السقوط المدوي لنظام صدام في العراق لم يكن مجرد حدث نمطي وعادي في مسيرة وتاريخ بلد ترعرع في رحمه عبر التاريخ سلسلة من العتاة والطغاة والجبابرة والدكتاتوريين ، ولم يكن مجرد إنقلاب سياسي تقليدي يحدث دوريا لنظام سياسي تقليدي ! ، بل أنه يمثل ( أي السقوط ) حالة فريدة من التحولات التاريخية والسياسية لنمط محدد ومعين من الأنظمة السياسية والإجتماعية المعشعشة بشكل إستثنائي وفريد في عالمنا العربي وبما يتناقض وروح العصر وكل السياقات الطبيعية لحالات التطور الإنساني؟! ، إن الطريقة التي سقط وتلاشى معها وإلى الأبد نظام البعث الصدامي ستظل عنوانا مميزا لمرحلة تاريخية ولآفاق تغييرية عرفت بداياتها وليست معروفة ولامضمونة نهاياتها ولا الكيفيات التي ستسفر عنها ؟ ولا التداعيات التي ستتمخض عنها ؟.. إنها لعبة روليت روسي مميتة جعلت حالات الكآبة والإحباط لاتصيب الشعوب المدهوشة مما يحدث حولها وعليها ، بل أصابت النظام السياسي الإقليمي والعربي وحركت كل المواجع ، وفتحت كل الملفات ، وأدارت رؤوس الأنظمة التي كانت منيعة في يوم ما .. أو هكذا كانت تظن قبل تفتت وهروب قطعان البعث والحرس الجمهوري وإختفاء جيوش القدس والقادسية واليرموك وحطين ، وتفتت جبال الأكاذيب والأوهام وإنجلاء حالة التخدير القومية الشاملة .. فلا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ؟ .. وتاريخ البشرية يسير حثيثا نحو مرحلة جديدة وتطورات مثيرة لاتستطيع العديد من الأنظمة القائمة إستيعابها ولاحتى التفاعل معها ! .. فالصدمة قد شلت الجميع ، والإحباط قد أناخ بكلكله على الكل ؟ ، والتحسب من عوادي الأيام ومفاجآتها بات هما عربيا مشتركا؟ ، وسيكون دون شك أحد أهم المواضيع المطروحة على جامعة الباشا عمرو موسى الذي يرفض القبول بواقع الهزيمة لفظيا رغم أنه يعرف جليا من أن جامعته قد دخلت متحف المتحجرات التاريخية ! ولكنه سيكتشف الحقيقة لاحقا لامحالة؟ .

عربيا ... كان منظر إسقاط صدام بالصورة التي حدثت بمثابة تفجير نووي لكل حزامات ونطاقات الرعب الهستيرية التي عاشها النظام السياسي العربي ، ولامستها حد الجزع الأنظمة العربية ، ملكية كانت أم جمهورية إستنساخية ؟ محافظة كانت أم ثورية ؟ رجعية كانت أم تقدمية ؟ وفقا للقياسات والتطبيقات السياسية العربية! ، ولاشك أن حالة الرعب الشاملة قد لفت العالم العربي من طنجة وحتى المنامة؟ ومن دهوك وحتى مصوع ؟ .. ليس من سقوط صدام والذي هو حدث سعيد بالنسبة للعديد من العرب حكاما ومحكومين ؟ بل من الكيفية والطريقة التي تهاوت بها هيبة وهيلمان السلطة وتهشمت صورتها وإجترأ الناس عليها بعد فورة ( النعال ) العراقي التاريخية! وهي فورة سيظل التاريخ العربي يقف صامتا وخاشعا أمام دلالاتها الإيحائية والنفسية التي تثير مواجع الأنظمة وتقض مضاجعها ؟ فهل حقيقة أن ( النعال ) قد أطاح ب ( قائد وبطل البوابة الشرقية والقادسية وأم المعارك )؟ وهل حقيقة أن من كان إسمه يثير الرعب والخوف والرهبة قد تحول لفئر يتخفى في مجاري العراق ليحافظ على رأس قطع ملايين الرؤوس العراقية والعربية والمسلمة ؟ والأهم من هذا وذاك .. هل تطمئن الأنظمة لمشاعر الجماهير العربية العاملة بسياسة ( التقية ) وحيث تحولت وبسرعة صاروخية من رفع شعار ( بالروح والدم نفديك ياصدام )!! إلى ( الموت لصدام ) ونهب كل آثاره ومخلفاته وقصوره لتكون ( القلعة الحصينة ) مجرد ( الكذبة السمينة )!! وليتحول النظام وبعد أكثر من ثلاثة عقود سوداء وعجفاء لدمعة في عيون المحبطين والمراهنين على الوهم ؟ .. إنها متغيرات سريعة لم يتصورها أحد ولو في الأحلام؟ ولكنها حدثت على أية حال رغم كل جبال اليأس والإحباط التي كانت تهيمن على العراقيين والذين لم تزل أعداد منهم حتى اليوم لايصدقون أن صداما ونظامه قد رحلا وإلى الأبد في غياهب سجلات التاريخ بجانبه الشرير والمتوحش!؟ إنه الرعب الشعبي الذي تتخوف منه الأنظمة العربية جمعاء وتتعوذ منه وتتحوقل وتختلق الأطر والمقومات التي تمنع من الوصول إليه أو تكرار المشهد العراقي .. إنه الخوف من الهوان الذي يتحصن أبناء يعرب اليوم من ظلاله الكئيبة؟ .. فكان مسلسل الإصلاحات والتنازلات السياسية العربية وإعادة ترتيب الأولويات وإصلاح مايمكن إصلاحه وبأسرع وقت ؟ فبعض العرب من ثوريي أيام زمان فهم المغزى جيدا وتراجع لدرجة كارثية لامست الإنبطاح بكل دقة وتعهد بكل أريحية بدفع جميع فواتير ( لوكربي ) المليارية متعهدا أمام الله والتاريخ والبيت الأبيض بعدم تكرار ( حماقات ) الماضي ؟ وبأن يقطع جميع إرتباطاته بالهنود الحمر والسمر وبثوار الدرب المضيء وبجمعية فئران الكاوكاو! ، أما دمشق وحيث كانت وإلى فترة قريبة تعد العدة الإعلامية وتسير التظاهرات الشعبية ويشرب قادتها حليب السباع تضامنا مع البعث الآخر إلا أنها اليوم تغيرت وأستدارت للخلف بعد أن أفاقت من سكرة الشعارات ونشوتها التخديرية لتلملم أوراقها ، وتغلق دكاكين الثورية القديمة وتستعد لإستحقاقات المفاوضات ومتطلباتها ، مكتفية من الغنيمة بالأياب والحفاظ على الرأس ومستعوذة بالحكمة من عذاب يوم كان شره مستطيرا ، وخوفا من أن تتجول دبابات الإبرام وطائرات الأباتشي في سوق الحميدية وساحة المرجة وتحتل جامع يلبغا! وتتخذ من ( الشيراتون ) ومقابل المكتبة وتمثالها الشهير قاعدة ومستقرا!! وهو إحتمال مرعب وحقيقي وليس مجرد خيال ؟ { وربنا يستر }!

أما الأنظمة المحافظة وهي الصديق التقليدي للغرب فلم تعد بأمان هي الأخرى لذلك كان ربيع الدوحة وكانت هبة العطر النسائية التي أضفت النعومة على خشونة مجلس الوزراء؟ و( الإحتياط واجب ) .. فيما تفكر المملكة السعودية ذاتها بكيفية الحد من ثقافة التكفير السلفية بعد نهاية الظروف التاريخية والسياسية التي أملت التحالف الديني / السياسي المشهور ؟ فالزمن غير الزمن ؟ والإستحقاقات غير الإستحقاقات ؟ ولاعاصم اليوم من أمر الله ! وتبديل المناهج سيكون أول الغيث في جزيرة عربية ظلت عصية على التغيير لقرون طويلة .. ولكنها ستتغير بطبيعة الحال والمآل وحتمية التاريخ ومخاوف الإستراتيجية والتاريخ وضرورة الجغرافية ؟

وحالة الدفاع عن النفس للنظام السياسي العربي ستفرض متغيرات كبيرة بعضها فات أوانه ؟ ولكن .. هل سيصلح النجار ماأفسد الدهر ؟.

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غموض يلف أسباب تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟ • فرانس 24


.. التغير المناخي في الشرق الأوسط: إلى أي مدى مرتبط باستثمارات




.. كيف يسمح لمروحية الرئيس الإيراني بالإقلاع ضمن ظروف مناخية صع


.. تحقيق لـCNN يكشف هوية أشخاص هاجموا مخيما داعما للفلسطينيين ف




.. ردود الفعل تتوالى.. تعازى إقليمية ودولية على وفاة الرئيس الإ