الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النزعة الغرائبية بين الواقع والمتخيل في رواية تابو للروائي حميد المختار

طالب عمران المعموري

2021 / 8 / 1
الادب والفن


(تابو) هي كلمة غير عربية تطلق على المحرمات وفق أعراف المجتمع او السياسة1 أو ما شابه (taboo) مصطلح يعتبر حديث او مستحدث وهو يعني الشيء الممنوع او المحظور او المحرم في بلدان الشرق وخاصة في البلدان العربية حاملا شارة المنع والحظر في كل ما يتعلق بالسياسة على وجه الخصوص ، دخلت علينا التابو وتدخلت في كل شؤون حياتنا وصارت تتحكم فينا حتى صارت من المقدسات وواجب احترامها تعددت اشكالها قد تكون بصفة الشرعية القانونية للدولة او تخرج من عباءات الاصلاح والمصلحين او من رجال لدين
عنونة الرواية جاءت كمولّد فعلي لتشابكات النّص وأبعاده الفكرية لكونه علامة سيميولوجية كائنة في بداية النّص الأدبي، تجعل القارئ يتقبّله ويتفاعل معه ويتلذّذ به، لما يحتويه من دلالات فنّية وجمالية، حتّى يحلّ به ألغاز الأحداث و إيقاع نسقها الدّرامي وتوتّرها السّردي.
ومن خلال سيميائية العنوان، يجعل القارئ أو المتلقي يدرك الحيثيات من ناحية الموضوع قبل أن يقرأه يثير في ذهنه تساؤلات عديدة لا يستطيع الاجابة عنها حتى يسبر اغوار النص .
(تابو) رواية قد اشبعها النقاد نقدا وتحليلا ، الا اني احاول ان اقتصر على الجانب الغرائبي والفنتازي للرواية الذي يمنح الرواية حيوية وتجدد ويبعدها عن الرتابة ويجعلها تكتسب شيئاً من التشويق والجذب والبهجة، ومن خلال هذا الاسلوب يمرر ويعري الواقع، حيث تميزت بقدرتها على رصد قضايا الواقع الذي نعيشه من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية التي اجتاحت جميع المفاصل بأسلوب سردي بعيد عن التقريرية والمباشرة في غرائبية بين الواقع والمتخيل اشبه بالحكايات الانسانية الاولى كالأسطورة والخرافة واللاشعور تزخر بالمعني والدلالات ، والكشف عما هو مغيب ومضمر وتعرية وفضح لسلوكيات المفسدين بلغة انزياحيه مشوقة تحتل موقعا بؤرويا في بناء النصوص الغرائبية "وهي طريقة مثلى لتكسير القوالب الواقعية الضيقة واللجوء الى الترميز"2 والغموض لتمرير وتعرية وكسر جميع التابوات والخطوط الحمراء ، كما جاء في مقدمته الاولى والثانية التي جاءت بأسلوب يوحي بانه من سيرة ذاتية للروائي نفسه بسبب ضمير المتكلم بطريقة المدونات والسرد الذاتي :
"حين انتهيت من كتابة يومياتي، داهمني خاطر غامض ثمة اشباح في غرفتي تمرح في مساحتها الضيقة رغم انني لم اسمع صوتاً او حتة نفساً او شهيقاً او تحطم شيء في المطبخ .. لكن ثمة احساس يقول ان الاشباح تحيط بي في هذا المكان المعتم "3
" الاشباح هي الاخرى اوحت لي بانها اسيرة قوة اقوى منها شريرة وقاسية بحيث انها استطاعت ان تأسر تلك الاشباح وتحاصرها في مكمنها الضيق ، كل هذا وانا لا اعلم شيئاً مما يحصل حولي ، تعمدت ان اغلق التلفاز ولا افتحه بعد الاخبار السيئة التي يحملها دائماً في وجهي دفعة واحدة، اخبار سوداء مرعبة تسبب لي ارقاً ومرضاً مزمناً وخوفاً من المستقبل ، ثمة مجاعات وعطش قادم وافلاس مدقع وخوف من قوة مجهولة وشريرة كالتي في غرفتي الت حاصرت الاشباح وارعبتها ، ثمة ظاهرة اخرى برزت في المكان الذي اقطنه ، هنالك لصوص خطيرون غزو المدينة ، لصوص من كل مكان يحملون آلات الكسر والفك والفتك والفتح ويعملون فخاخا للحيوانات والطيور السائبة والطيور السابلة والبيوت الآمنة، كل يوم اسمع صرخة طائر او حيوان او امرأة او طفل في منتصف الليل" ص11

الطبيعة الحكائية والعنونة التي وظفها في اشتغاله الروائي الممتع عبر عملية الاسترجاع التي اعتمدها الكاتب وهو تكتيك يرجع اليه ليكشف العالم الداخلي للشخصية وبطريقة الصور الارتدادية من خلال الرجوع الى عالم الطفولة كما في:
: العودة الى عربات الطفولة ،العمى، الهروب الى المشكاة، امي، الصفوة، عصا موسى، اجداد واحفاد، اجنحة الموت البيضاء، البرازخ ، عمات وخالات ، الجذور، لقاء الموتى، الزريبة، سرقات قديمة :
"كانت امي تحمل جردال المياه على رأسها مع مجموعة من النساء الآيبات من الابار العميقة، المياه تخرخر على رأسها وعباءتها وشعرها البني الملتف حول الجبين والرقبة ، امي الان تسكن قبرها لكنها ما زالت تتسمع لأصوات الاطفال في بيوتاتنا وتحكي لهم الحكايات وترطب جفاف الحيوات البائسة، بينما ابي في قبره يظل صامتاً مترقباً يواصل جريان اسئلته الى شفتيه اليابستين، ابي عصبي حتى في موته ويغضب من شد الاكفان ورطوبة التراب وهو يهبط الى اكفانه البيضاء ..4" ص107

لجأ الكاتب الى استخدام المنولوج الداخلي وبأسلوب فنتازي وغرائبي
"فالمنولوج تعبر بواسطتها الشخصية عن اكثر مقاصدها حميمية واقربها الى اللاشعور" 5
"حين قادوا امي الى الحفل وسط النهر قفز شبوط غريب الهيئة في المشحوف ماءت قطتها رعباً وهي تحرك القرط الذهبي في بياض الوبر، كبّر الرجال وهللت النساء وصار المشحوف يشق مياه النهر بانسياب عجيب، امي وضعتني في جعبة رحمها منذ زمن طفولتها حين كانت تسرح بالأبقار والجواميس " 6: ص 143
تتكون الرواية من اربعة اقسام كل قسم يسبقه مقدمة تعددت في القصص
تنوعت فيها الاساليب والتقنيات والوسائل، تقنيات وآليات فنية مستحدثة، تنوع في الاساليب السردية من وصف وسرد وحوار وبناء مشهدي وأسلوب الاعترافات ،منح الرواية حيوية وتجددا وأبعدها عن الرتابة والملل والجمود وجعلها تكتسب شيئا من التشويق والجذب والبهجة واكسبها سمة الحداثة :
"ما يقولونه فلنتركه جانباً وعلينا ايضاً ان نضع فكرة الاله بعيداً عن متناول ايدينا، قد تكون هذه الفكرة قديمة وبالية لكنها مازالت مهيمنة على قلوب الكثير من البشر، وعلينا نحن ان نساعد هؤلاء البشر على التخلي عنها تماماً ، لقد اختطف الاله وامسى اسيراً مسجوناً، اخرجوه من العقول بالطبول كما لو انهم يخرجون الافاعي بالمزامير، نحن الذين اسهمنا برفع الاله الى السماء من بعد ان اهبطنا الى الارض ، من قال ان غضبا الهياً هو الذي انزل ابليس الى الارض ومن بعده آدم وحواء ، لقد كانت هذه رحمة كبيرة تمتع بها ابونا ابليس وهو يهبط فرحاً بعد ان تحرر من عبودية وجوده في الجنة ، وقضائه فترة الالف سنه عبادة وتوحيداً وتنسكاً" 7 : ص20
فمن خلال توظيف البعد الغرائبي والسحري والفنتازي والصوفي يحاول مواجهة حالة القهر الانساني فمن خلال السرد المزدوج الواقعي والغرائبي، تحدى الواقع المؤلم والقهر احيانا بالموقف الساخر ناقدا بطريقة تخييليه ينجذب اليها القارئ وتشده وتشحذ وعيه وتعمقه ،نوع من اللعب الذي يمارسه الروائي، وضرب من مشاكسة
، الرواية مفعمة بالزمن، تنوعت الأزمنة وتداخلت بين الماضي والحاضر
والغور في مـواطن متعددة من الذات الإنسانية ، وخطاب الروح والوجدان ، ويعبر عن الذكريات الأليمة حيـث يطرح المختار أفعاله ومشاعره معروضة للقارئ ليتحمل معه عبء الـذكريات ويتداخــل معها، ويصور هذا الترتيب الزمني أيضا الواقع وصراعاته السياسية والاجتماعية والفكرية:
" حدث كل هذا بعد ليلة ضج فيها الناس في القطاع حين امسكوا بامرأة تخون زوجها مع عشيقها الي قتل الزوج وحين اخبروها بان زوجها قام من موته صاحت بهم : تماماً كمؤخرتي التي تغني.. فظن الناس انها جنت لكن الذي حدث بعد ذلك بادئة الجنون المطبق لان مؤخرة هذه المرأة فعلا اطلقت غناءً عالياً ضجت له جنبات القطاع، كان صوت الغناء الخارج من هذه المؤخرة مستمراً بلا انقطاع طيلة ساعات الليل التي اربكت نوم الاطفال والمرضى مما دعا الشيخ خلف ان يعلو بصوته المتعب محاولاً التغلب على صوت مؤخرة المرأة وهو يؤذن لصلاة الصبح وكان يقهقه بصوت مسموع فانتبه الناس له لأنه كان يؤذن بالمقلوب.." 8 :ص49
بات المظهر الغرائبي والفنطازي في رواية تابو ملمحا مهما حيث ظهر جنبا الى جنب مع المظاهر الواقعية للسرد وبتداخل معها خاصة في طبيعة الاحلام والكوابيس:
" حين غفوت رأيت في المنام انني ارتدي العمامة وفي يدي كتاب .. وكنت ابحث في وجوه الناس كما لو انني افقد شخصا مهما في حياتي ..قال الشيخ انه يبحث عني .. الشيخ يحمل وجهي وانا المفقود الذي يبحث عني ، حلمت داخل الحلم بانني هارب من رجل دين يحمل وجهي ، ليس فقط وجهي انما تاريخ حياتي كلها في سجل كبير، ربما هو الكتاب ذاته الذي يحمله بين يديه " 9 :ص33
انما توظيفه اسلوبه الغرائبي من خلال اشتغاله في التقنيات السردية التي تزخر بها رواية (تابو) من كثرة في تعدد الاصوات السردية والرؤى المتصارعة (الرواية البوليفونية) وتعددية أشكال الوعي ، والطبيعة الحوارية للخطاب الروائي وحضور الآراء الغيرية ، تقنيات وآليات فنية مستحدثة، وبلغة انزياحية ، فالغرائبية بحد ذاتها تعد انزياحا وخروجا عن المألوف نرى ذلك جليا في القسم الثالث (فرناندو ووجوهه الخمسة)
(فريد الدين العطار، محمد الشهواني، جمولي الكوري، سامي البصير ، نهاوند ) وجوه واصوات لجبلات مختلفة استطاع الكاتب التعامل معها والدخول الى عوالمهم من خفايا وخبايا بفضل امكاناته ومرجعياته الثقافية وتجاربه الحياتية ، كل شخصية تختلف عن الاخرى في سلوكها ووعيها الثقافي ، فهو يراقب شخصياته وينتقل بينهم مثلما ينتقل المصور فهو بارع في التقاط اللقطة السردية ، وبنفس الوقت نرى تحرر الشخصية الروائية من رتابة المؤلف ومنحتها حرية واسعة في الحركة داخل العمل الروائي، امكانيته في تغير في مستويات السرد وزاوية النظر وطريقة صياغة بعض المفردات القريبة من لغة الشارع بما لها وقع كبير في نفس المتلقي
.
فقد نجح المختار في خلق تعددية حقيقية في الاصوات والرؤى وذلك يعود الى تجرده من التعصب والتفكير الاحادي والميول مما جعله اكثر موضوعية وهذا ما يميزه في امتلاك الموهبة والخلفية الثقافية العالية.
فغرائبية (سامي البصير) و "هو شخص نادر الوجود، غريب الطباع صاحب نظرات ثاقبة وسحرية.."
"اخفى عينيه بمراهم واشرطة لاصقة ونظارات معتمة وحمل عصاه ليسير على غير هدى بعيداً عن عيون السلطة والثروة والمشايخ واصحاب الاحزاب والكلاب ، نعم صارت الكلاب تخشاه حين يقترب منها ، تكشر انيابها وتتراجع الى الخلف وتطلق عواءً خافتاً يدل على خوف الكلب ومسكنته مما يعني لدى صاحب الكلب ان هذا الشخص يحمل في اعماقه ما يرعب الكلاب " 10 : ص 180
وبهذا الاسلوب الغرائبي الذي وظفه المختار وهو نوع من التجريب الروائي وهو جوهر الابداع ابتكار عوالم متخيلة جديدة لا تعرفها الحياة العادية، ولم تتداولها السرديات السابقة مع تخليق منطقها الداخلي وبلورة جماليتها الخاصة،.والتفاعل بين البعدين الواقعي والغرائبي في فضاء السرد فهي واقعية من حيث التفاصيل وغرائبيتها وسحرها من حيث التحليق في الخيال . كون التجريب تجاوزا للمألوف وتمردا على القيم والتنظيرات والآليات القديمة، التي لا تتلاءم طبيعة الحياة المتجددة..
حيث يقول "صلاح فضل" فيذهب إلى أن» التجريب قرين الإبداع، لأنه يتمثل في ابتكار طرائق وأساليب جديدة، في أنماط التعبير الفني المختلفة، فهو جوهر الإبداع وحقيقته عندما يتجاوز المألوف ويغامر في قلب المستقبل، مما يتطلّب الشجاعة والمغامرة واستهداف المجهول)11
استحداثه آليات إبداعية جديدة يسعى الى تأسيس وعي جمالي أكثر مرونة وملاءمة وهو يرصد تغيرات المجتمع وتقهقره، وهو يرمي إلى جذب القارئ وإمتاعه ، وتكسير أفق توقعاته بتساؤلاتها الجريئة المعرية للواقع الفاسد والمزري..
حيث يفاجئ المختار القراء بالانتقال من ضمير الغائب الى ضمير المتكلم حيث الراوي الخارجي كلي العلم الذي يحرك الاحداث..
و ظهور صوت المؤلف الضمني يجعل الرواية ذات منحى يكشف عن مظهر ميتا –روائي " المؤلف الضمني وهو لا علاقة له بالمؤلف الحقيقي" 12
الرواية ذات نص روائي مفتوح يتطلب بمفهوم رولان بارت قارئا منفتحا يقظا ومتأملا يمتلك القدرة على ملأ الفراغات والفجوات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا