الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


* جدل الثورة * - مدخل فى فقه الثورة -

أحمد جمال يسن

2021 / 8 / 2
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


حسم التاريخ خلال دوراته الكـُـبرى - ظهور الديانات ، إضمحلال الحضارات - ؛ و نهاياته الصـُـغرى - إنهيار المنظومات الفكرية - جدلا ً واسعا ً ، لا على ماهية الثورة و كنهها ؛ و إنما بالأساس على حتمية إنبثاقها و تولـُـدها .

* الـــــثـورة :

لم تأت الحركات الثورية فى العالم العربى بتعريف مـُـغاير للثورة من حيث ُ كونها ... " تغيير شامل و كامل يحدُث عندما تـُـصبح القوى القديمة على إختلاف أنماطها و أشكالها غير قادرة بالفعل على مواجهة مـُـتطلبات المـُـجتمع القائم " (1)
أو هى ... " فورة صاعدة ذات تأثير عميق المدى على حياة المـُـجتمع الإقتصادية و السياسية و الأيديولوجية " (2)
أو أنها ... " تـُـحدث تغييرا ً جذريا ً فى الظروف الإجتماعية ، و فى مؤسسات الناس العقائدية ، و حياتهم الفكرية " (3)
هذا و إن كـُـنا نود أن نتحدث عن نكهة خاصة ، أو سمة مـُـغايرة إنفردت بها الحركات الثورية فى العالم العربى ، فإن ظاهرة تـصـديـر الــــثـورة تظل هى العلامة الفارقة و المـُـميزة ، حتى أننا لا نعرف لها مثيلا ً فى ثورة من الثورات ، أو فى حركة من حركات الإصلاح الإجتماعى ، بل أبعد من ذلك فإننا لا نعلم أن أيا ً من الأديان قد صحبه ُ شئ من عملية التصدير هذه ، فكـُـل الثورات ، و كـُـل حركات الإصلاح الإجتماعى كانت وفق إطار جـُـغرافى مـُـحدد ، و حتى الأديان فإنها لم تتجاوز هذا الإطار الجـُـغرافى إلا بعد عـُـقـُـود من الزمان ؛ بخلاف حالات فردية من التبشير بالثورات و حركات الإصلاح الإجتماعى و الأديان على حد ٍ سواء .

* تـُـونــس ؛ أبو القاسم الشابى ... إذا الشعب ُ يوما ً أراد الحياة :

عـُـنوة ً و إقتدارا ً خطفت تـُـونــس الأضواء ، و سحبت البـُـساط من كـُـل الأحداث الجارية أو حتى المـُـتوقعة منها ، بما فيها إستفتاء السودان ، و حرمته ُ حتى من حـُـظوة أن يكون الحدث الأهم لعام 2011 حسب كـُـل التوقـُـعات .
هـُـنا يجب أن نعترف بأن ... " الثورة الإجتماعية لا تنشب بمـُـجرد مشيئة فرد مـُـعين أو بـُـناءا ً على إرادته ، و لكنها تستلزم لقيامها ظـُـروفا ً موضوعية و أ ُخرى شخصية " (4)

* الـــبــوعــزيــزى ... يقف بهامته المديدة جنبا ً إلى جنب مع أحرار البشرية العـُـظماء ... من أمثال سـبـارتـاكـوس أو بـُـوجـاتـشـيـف ... :

و هذا التقرير من دون شك لا يتنافى مع كون " الـــبــوعــزيــزى " مـُـلهم الثورة التـُـونسية - بل كـُـل الثورات العربية - يقف بهامته المديدة جنبا ً إلى جنب مع أحرار البشرية العـُـظماء ؛ من أمثال سـبـارتـاكـوس ملهم أشهر ثورة عبيد 71 قبل الميلاد ؛ أو بـُـوجـاتـشـيـف الفلاح الروسى الذى قاد فى عام 1772 م ثورة عارمة عبرت الفولجا ... رغم أن الإمبراطورة كاترين الثانية كانت قد أصدرت قرارا ً بمنع المـُـواطنين من التدخـُـل فيما لا يخـُـصهم " خاصة ً شـُـئون الدولة " ؛ أو حتى دانـــتـــون الذى خطب فى الجماهير الفرنسية " الـوطـن فـى خـطـر " ؛ أو تـومـاس جـيـفـرسـون فى دفاعه عن حق الجماهير فى السعادة ، أى الــــثـورة ؛ أو جــنـاح و نــهــرو و غــــــانــدى فى الهند ؛ أو تـــيــتــو و كــارديــل فى يوغسلافيا ؛ أو كـــاســـترو و جــــــيــفــارا فى كوبا ؛ أو هــــوشـى مـــنـه فى فيتنام ؛ مـُــرورا ً بــ لـــومـُـومـبـا ؛ و نـِــكــرومــا ؛ و مــحــمــدوضــيــا ؛ و نـــيــريــرى ؛ و ســيـكـوتــورى ؛ و ســـنــجــور ؛ و مـُـحـمـــد نــجــيـب فى أفريقيا .
و لعلنا نجزم بأن " الـــبــوعــزيــزى " لن يكون أخر مـُـلهمى الثورات ، و أن الثورات العربية لن تكون أخر الثورات ؛ ما دام هـُـناك من يـُـغذى الشر و الظـُـلم على وجه الأرض أو يستبد برأيه .

* الـــبــوعــزيــزى عـبـر بـإنـسـان الـمـنـطـقـة الـعـربـيـة بـــرزخ الخــوف ... :

إننا يجب أن ننحنى أمام هامة " الـــبــوعــزيــزى " الذى عبر بإنسان المنطقة العربية - المـُـروض الداجن - برزخ الخوف ؛ و حلق به بعيدا ً كما لم يفعل ذلك ثائر من الثـُـوار .

* تــُـــونــس ... درسـت حـُـكـومـات و شـُـعــُـوب الـمـنـطـقـة ... الـحـُـكـومـات كـيـفـيـة الـتـشـبـُـث بـالـسـُـلـطـة ؛ و الـشـُـعــُـوب أيـديـولـوجـيـة الـصـُـمــُــود :
لم يكن من الغريب ان يقف العالم مـُـنبهرا ً من ثورة " تــُـــونــس / الـــبــوعــزيــزى " التى درست حـُـكـومـات و شـُـعــُـوب المنطقة ؛ الـحـُـكـومـات كـيـفـيـة الـتـشـبـُـث بـالـسـُـلـطـة ... و الـشـُـعــُـوب أيديولوجية الـصـُـمــُــود ؛ و أوجدت رهانا ً حاسما ً حول من سيـُـنهى الدرس أولا ً ؛ الـحـُـكـومـات أم الـشـُـعــُـوب ؛ ما جعل كـُـل الثورات اللأحقة دفقة ٌ من دفقات الثورة الـتـُـونسية و ومضة ٌ من ومضاتها .

* الـــــثــورة ... و الـــتـأخــُــر فـى إتـــخــاذ الـــــقــرار :

فى الــــــســودان كما فى تــُـــونــس ؛ كان لـِـتأخـُـر القرار السياسى فصل الخطاب فى نجاح الثورات العربية
و إننى أزعـُـم أن التأخـُـر فى إتخاذ القرار قد أفقد - الجبهة الإسلامية القومية / عمر البشير - بوصلة إدارة الأزمة " هى أزمة من وجهة نظر النظام ... و ثورة من وجهة نظر الـثــُـــوار "
و كان كـُـل تأخـُـر لا يعنى سوى مزيد من التنازُلات لصالح الثــُـــوار ؛ يـُـقابله حالة من الإرتباك - و الدهشة - فى صـُـفوف النظام .
إن تلك الحالة الـمـُـتوهمة من الإستقرار ؛ قد أفقدت النظام - أو بالأحرى جميع النـُـظــُـم العربية - المقدرة على الـتـنـبـؤ المـُـسبق بالثورة ؛ من إنبثاقها و حتى نهاياتها .
لقد تـرهـل النظام السودانى - و جميع أنظمة المنطقة - من الــفــسـاد ؛ بل إنـَّـه ُ مــات إكـلـيـنـيـكـيـا ؛ و أصبح أشبه ما يكون بـجــُــثـة النبى ســُــلــيــمــان { فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة ُ الأرض تأكل ُ منسأته ُ فلما خـر تبينت الجن ُ أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المـُـهين } (5)
كان النظام السودانى - نظام الجبهة الإسلامية القومية / عمر البشير - و بإمتداده التاريخى إلى الوراء ؛ هو الأسوأ ؛ و الأكثر قـسـوة ً و فــسـادا ً ؛ إمتد ذلك لنحو من ثلاثين عاما ً ؛ نكل فيها النظام السودانى - نظام الجبهة الإسلامية القومية / عمر البشير - بخيرة و صفوة العـُـقول و الكوادر السودانية ؛ التى هى بالأساس من خيرة و صفوة العقول و الكوادر العربية و الأفريقية ؛ لم يكن الـــســُــودان يستحق ذلك ؛ و لو لم يكن الـــســُــودان عظيما ً أبيا ً لما صمد كـُـل هذه المـُـدة بوجه هذه الهجمة .

* الإلـــتــفــاف عــلـى الــــثـورة ... الــمـُـمــكــن و الــمــُـســــتــحــيــل :

فى بـُـلدان مثل الـــســُــودان و تــُـــونــس ؛ و هى بـُـلدان عرفت و ما تزال تنظيمات سياسية أيديولوجية مـُـتعددة ، و ضاربة بجذورها فى القدم لنحو من مائة عام - كـالــيــســــار الـــسـودانـى - فإنـَّـه ُ من غير المـُـتصور أن يتم الإلتفاف على الثورة بسهولة و كأن شيئا ً لم يكن ؛ على إعتبار أنها - أى الثورات - مـُـجرد إنقلاب أبيض على الـسـُـلطة .

* تـــصـنـيــف الــــــثـورة ... نحن بإزاء ثورات قـيـمـيـة أخـلاقية ... وعى و تحـضـُـر الثـورات العربية تجاوز فكرة عبث الثورة :

ليس بالإمكان التحدُث عن الثورات العربية على إعتبار أنها ثورات إجتماعية أو حتى ثورات طبقية ؛ فالطبقة الوسطى - فرس الرهان فى عملية التغيير الإجتماعى الطبقى - درست ، و إندثرت مـُـنـذ ُ أمد بعيد فى عـُـموم المنطقة العربية ؛ إذن نحن ُ بإزاء ثورات قيمية أخلاقية بالدرجة الأولى .
لقد كانت الثورات العربية على درجة عالية من الـــوعـى و التحضـُـر تجاوزت معها أو بها فكرة عبث الثورة - كـُـل التفلـُـتات التى وقعت كانت من أزيال النظام و مـُـعاونيه و المـُـنتفعين به - ... عملية تنظيف الميادين فى تــُـــونــس و الـــــســُــودان ؛ و تقاسـُـم المأكل و المشرب و المأوى ... كل هذا يجعل منها بالأساس ثـــورة قـيـمـيـة أخــلاقـيـة .

* نــِــــــداء ُ الــــــــــــــــــــثــــورة :

قد آن للثورة أن تولد و أن تحيا
إن لم يكن بأبنائها ؛ فبشعاراتها ... ثـــورة ُ عــدلٍ و نـمـــاء
لا لأجلنا فحسب ؛ و إنما لأجل أجيال ؛ ما من شك قادمة ؛ قدوم هذه الثورة
التى الشك ُ فى أمرها خيانة ؛ و التهاون ُ فيها معصية
إن إرادة الـشـُـعــُـوب لا تــُــقـهر
و أن الــــثـورة لـتـخـتـمـر كـالـبـركـان ... لـتـتـفـجـر نـــــارا ً مــُــحـرقـة
و نـُـورا ً ســـاطــع *

__________________

- الــمـــراجـــع :

- (1) موسوعة الهلال الإشتراكية - الطبعة الأولى - صفحة 166 .
- (2) الموسوعة الإشتراكية - صفحة 166 .
- (3) الموسوعة الإشتراكية - صفحة 166 .
- (4) الموسوعة الإشتراكية - صفحة 167 .
- (5) الـقــُــرآن الكريم - سورة سبأ .

*** كـُـتبت هذه المادة بالتزامـُـن مع إندلاع الــــثـورة فى تــُـــونــس و مــصــر و لـــيـبـيــا مع إسـتـصـحـاب الــــثـورة الـــــســُــودانـــيـة مــُـؤخـــرا ً .


*** أحـــمـد جـــمـال يـسـن 7 أغــُــســطــُـس 2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين في جامعة -أورايا كامبس- بولاية كولوراد


.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي




.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ




.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا