الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هتلر، بين هوس الأفلام و أدلجة السينما.

علي الشمري

2021 / 8 / 2
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


هتلر – بين هوس الأفلام وأدلجة السينما.
مراجعة لكتاب (هتلر و السينما - بيل نيفين )

مبكرًا أدرك هتلر أن كل الأفكار التي يؤمن بها يمكنه أن يُوصلها بسهولةٍ الى الناس ويرسِّخها في أذهانهم عبر السينما، فالمشهد الواحد يمكنه أن يُوصل فكرة تحتاج الى عشرات الصفحات في الكتب والتي سيعجز عن فهمها عامة الناس، كما صرح هو في كتابه كفاحي قائلًا " ان المشاهد يدرك بوقت قليل وبدفعة واحدة بمشهد قصير فكرة ما قد يتطلب استيعابها مجهودا وتعبا من القراءة "

هوسه بالأفلام.
في كتابه الصادر عن دار المدى و المعنون ب " هتلر والسينما " يقول بيل نيفن إن هتلر شاهد الافلام بإفراط، حتى افلام الكارتون، و أنه يمكننا التأكد من إن هتلر شاهد أفلام ميكي ماوس الاثني عشر التي قدمها له جوبلز في ديسمبر عام 1937. لكن كيف؟ لا يهم ذلك رغم أنها تبدو موضع شكٍ، المهم أنه كان يشاهد أفلام المغامرات، الجرائم المشوقة، الدراما، الملاحم التاريخية، العروض الموسيقية، السينما الترفيهية، الكوميديا، الأفلام الرومانسية، وأفلام الغرب الأمريكي، و في سياق الاستشهادات يذكر المؤلف شهادات عن العديد من مرافقي هتلر حول شغفه بالسينما و الموسيقى، حيث كتب يوليوس شاوب معاون هتلر و القائم بأعماله أن هتلر كان يشاهد الأفلام بصورة يومية متكررة، خصوصا بعد العشاء اذ انه ربما يشاهد أكثر من ثلاثة أفلام متتالية، حتى أنه أسر ذات مرةٍ للمخرج السينمائي فايت هارلان بأنه اضطر الى مشاهدة ثلاثة أفلام في الليل، وفلم رابع في الصباح التالي، كل هذا على معدة فارغة، لدى الفوهرر قدرة استثنائية لكل ما يتعلق بالافلام، وذكر أن حياته على هذه الشاكلة لا تبدو مليئة بالمرح، واصفًا نفسه بأنه يعيش في قفص من ذهب ولن ينعم ابدًا بالحرية.
ويأتي التساؤل هنا، هل ان هتلر كان متفرغا قبل الحرب لهذا الحد الذي لا يشغله شيء من أمور الدولة وتسييرها حتى يشاهد الأفلام بشكل متواصل ويستقبل الضيوف ويقيم الولائم؟
أذكر هنا طرفة أخرى ذكرها نيفين، وربما يبدو أنه صدّقها لذلك أوردها في الكتاب، يقول: تذكر سكرتيرة شخصية لدى هتلر أن في احدى العروض المسرحية كانوا كل الأشخاص المحيطين بهتلر قد استسلموا للنوم، وعندما بدأ مصور هتلر (هينريك هوفمان) بالانحدار صوب حاجز مقدمة المسرح، اضطر هتلر الى ايقاظ شاوب كي يوقظ هوفمان بدوره، بينما واصل المعاون أول بروكنر غطيطه في الخلف.
تبدو نكته ساخرة، هذا يعني ان هتلر كان يعرف أنهم نائمون، وهو يشاهد العرض المسرحي لوحده، ويسمع غطيط معاونه في الخلف. هل يعقل!!

أدلجة السينما.
من أجل أن تكون السينما المحقنة التي سيحقن بها هتلر أذهان الناس بأفكاره ومبادئه، اشتغل على الإنتاج واهتم بأن تكون الأفلام ذات إنتاجية متقنة وحرفية عالية، لذلك كان يتدخل وبشكل كبير في اختيار بعض المخرجين والسماح بعرض بعض الأفلام من عدمها والعناية بالممثلين أيضًا.
أسس هتلر بذكاء لأفلامٍ سينمائيةٍ لن تنساها الذاكرة، واراد منها أن تكون توثيقًا أبديًا لانتصارات النازية وقوتها، وهذا ما حدث فعلًا، فحتى اليوم لاتزال الأفلام التي صنعت من أجل هتلر والنازية ومتوفرة ويمكن مشاهدتها بنقرة زرٍ على الانترنت.
أكثر الأفلام الوثائقية القصيرة التي انتجت في الأعوام 1933 الى 1939 كانت بغاية املاء الايمان بالنازية او تقويته، كانت تلك الأفلام تبرز مظاهر الإنجازات السياسية والثقافية والاقتصادية للقومية الاشتراكية منذ أن تبوّأ هتلر السلطة.
خلال الحرب ظلّ هتلر يتابع شخصيًا كل الأفلام الإخبارية التي تنتج اسبوعيًا قبل وصولها الى شاشات السينما، في سعيه للتأكد من أن كل ما يرغب به ويريده يندرج ضمن الفيلم.
مثلما روّجت الأفلام لأفكار هتلر وتطلعاته، روجت كذلك لقانون منع تناسل المرضى وراثيًا، هذا القانون أعد في 14 يوليو، 1937، وكان يسمح بتعقيم المواطنين الالمان الذين يعانون افتراضًا من خلل وراثي برأي هيئة كانت تملك الاسم الطنان (محاكم الصحة الوراثية).
بعد القانون بفترة بدأ المكتب العرقي – السياسي في الحزب النازي تصوير أفلام تساند ذلك القانون، مثل ( خطايا الآباء – 1935 ) (الميراث – 1935 ) و ( الخلل الوراثي – 1936 ) ، اما الأشهر في هذه السلسلة التي روجت لدعم هذا القانون فهو فيلم ( ضحايا الماضي ) هذا الفيلم تم اعداده بناء على طلب من هتلر بعد مشاهدته ( الخلل الوراثي ) الذي وجده جيدا، وكان هتلر هو الذي خطر له تناول الموضوع تناولا سينمائيا محترفا، هكذا تعاونت وزارة الدعاية مع المكتب العرقي – السياسي ضمانًا لتحقيق ذلك، لقد زعموا فيه أن أصحاب الاحتياجات الخاصة كانوا عبئًا ماليا يستنزف المجتمع، انهم كانوا يعيشون في بيوت رعاية فاخرة، بينما يعيش كثير من الالمان في الفقر وانهم اذا استمروا في الانجاب اكثر من الاصحاء فسرعان ما سيصبح الالمان أمة من البلهاء.
بعد أن شاهد هتلر الفيلم، كرر هو وجوبلز على أن ينشر الفيلم بالسرعة الممكنة في كل ألمانيا، وكانت تعليماته تشدد على أن يشاهد الفيلم كل رفيق للشعب.
كان الفلم قد قدم ترجمة لواحدة من تصريحات هتلر في كتابه كفاحي " من ليس في كامل صحته واهليته البدنية والعقلية يجب الا يسمح له ان يديم عذابه في جسد ولده " ومثل سابقاته من أفلام قطع النسل وكان بنبرة اقل.
لقد واجه هتلر استياء الالمان تجاه قوانين النسل بإنتاج أفلام تتناول الترويج لقوانين النسل.
استخدمت وزارة جوبلز للدعاية السياسية صالات السينما كي تغمر الجماهير بصوت هتلر، ليس فقط لتعزيز سيطرة الأفكار النازية بشكل عام، انما خصوصا لمصلحة الدعاية الانتخابية، حيث كانت تفتح صالات السينما مساءً بخطابات هتلر قبل عرض الفيلم كي يتنسى للجميع الاستماع اليه.

التمهيد بالأفلام لطرد اليهود.
أشرف جوبلز، وزير دعاية و إعلان هتلر على حملة دعائية ضخمة اتهم فيها اليهود بانهم سبب العنف النازي، وانتجت أفلام دعائية لعبت دورها في تلك الحملة، منها فيلم ( كشف القناع عن اليهود ) و فيلم ( اليهودي الخالد ) حيث تعمدت هذه الأفلام إظهار وحشية اليهود وبث الكراهية بكل السبل.
كذلك تم عرض فيلم ضد اليهود اسمه (اليهودي سوس) والذي شاهده عشرات الآلاف من الألمان والذي عقب انتهاء عرضه كتب جوبلز الى هتلر : لا شيء سوى الحماسة، لقد هاجت الصالة هذا ما اردته. حيث عملت ماكينة الدعاية النازية على ان يعرض الفيلم في الأراضي التي احتلها النازيون أيضا حيث عرض في الدنمارك وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ وبودابست وحقق نجاحا هائلا، وحقق غايته في تحشيد العدائية ضد اليهود، حيث ارتفعت المناشدات بتعليق اليهود، بينما رفع أعضاء من (شباب هتلر) نموذج مشنقة حيث يوجد كنيس لليهود قبل أن يتم حرقه كليا. وحدثت أشياء مماثلة في مناطق أخرى في انحاء الرايخ حيث اثبت الفيلم فعاليته في التحضير لقبول خطة طرد اليهود الالمان التي وضعها هتلر وجوبلز.
هكذا ظلّت ماكنة جوبلز و باشراف مباشر من هتلر على انتاج الدعايات والأفلام التي كانت تظهر حرب هتلر كعمل ضروري للدفاع عن النفس، وتصرفات من هتلر لحماية مصالح الالمان المهددين.
في الخاتمة، حقق هتلر بذكاء عن طريق السينما هدفه في الترويج لكل المبادئ و الأفكار التي آمن بها، و حصل على دعم الناس عبر أفلامها، وصنع إضافة الى تاريخه صورةُ سينمائية لا يمكن إغفالها، فهو الذي لا يزال يرفع يده أمام الآف من جنوده في الماضي، بينما نشاهده عبر الأفلام ذاتها، وبيننا زمنٌ طويل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما مع مواصلة محادثات التهدئة في


.. إيران في أفريقيا.. تدخلات وسط شبه صمت دولي | #الظهيرة




.. قادة حماس.. خلافات بشأن المحادثات


.. سوليفان: واشنطن تشترط تطبيع السعودية مع إسرائيل مقابل توقيع




.. سوليفان: لا اتفاقية مع السعودية إذا لم تتفق الرياض وإسرائيل