الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


للمسرح قيادة حكيمة ... [ أمارة الشارقة أنموذجا ]

فاضل خليل

2021 / 8 / 2
الادب والفن


لأن فيك خصال الأكرمين في ، النقاء ، والتقوى ، وصفاء النية ، والطهر ، والورع ، ولأن فيك من سمات الأولياء التواضع المقتدر ، إلى جانب الكرم ، والغيرة ، والفروسية ، والشهامة ، صار المسرح - " بوصفه يشكل عامل توحد إنساني يستطيع من خلاله الإنسان أن يغلف العالم بالمحبة والسلام ، ويفتح آفاق حوارات بين مختلف الأجناس والأعراق والألوان على اختلاف معتقداتهم الإيمانية "(1) - واحدا من اهتماماتك الكبيرة التي شكلت عاملا مضافا دفعت بك إلى " تقبل الآخر على ماهو عليه "(2) يوم أدركت " أن الخير يوحد البشر ، وأن الشر يفرقهم "(3) تلك الثوابت التي اختزلت معها يا صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ، دهرا من التأرجح بين الممنوع والمسموح في مزاولة العرب للمسرح . لقد صنفوه يوما من المحرمات !!.. وكان الاقتراب منه جريمة ، لأنه وفق ثوابتهم : ضرب من ضروب الغيبة ، وفي ممارسته ارتكاب لمعصية الكذب والتدليس ، وهو بدعة مضلله ، وما تعاطيه إلا منكر فظيع .
باختصار ومنذ البدايات الأولى وضع المسرح في قائمة الإشراك والوثنية بسبب سوء التفسير في اجراءآت تقضي بمنعه ، وفعلا مارسوا القمع عليه ، فأصدروا الأمر بغلق أقسام المسرح والموسيقى في بعض البلدان . وما أشبه اليوم بالبارحة ، يوم أهملوه ومنعوا اقتباسه عن اليونان لأنه كان بسبب ما كانت تتضمنه الميثولوجيا اليونانية التي روجت بالسماح في تعدد الآلهة ، وأنصاف الآلهة ، والأبطال . وحين اطلع العرب على الأدب اليوناني بعد الحضارة ، كان الأدب في تلك الفترة مهجورا بسبب موقف الكنيسة من التمثيل عند ظهور المسيحية . وكان في عدم ترجمة العرب للدراما اليونانية في العصر العباسي ، إنما بسبب كونها لاتوفر النفع العام وإنها ستكون لمجرد الاطلاع أو الفضول . ولأسباب لغوية قضى المهتمون ، في أن الشعر ليس بحاجة إلى فن كالمسرح ينافسه ليحقق بواسطته التطهير وغسل النفس من أدرانها . وعليه فلم يكن التمثيل المسرح يوما بديلا عن الشعر كي يشبع الرغبات بقصائد المديح .
آه ... لو أنك اقتربت من المسرح قبل الآن .
أن ازدهار الثقافات، يفسره ازدهار الكيان الاجتماعي ـ الحاضنة لها ـ وما ازدهار البنى إلا ازدهار المكونات ، من قوتها يستمد المجتمع مقدار فاعليته التي ينطلق منها في النهوض بالواقع ، وبعكسه ستكون الثقافات كسيحة . ومن منطلق أن الفن يرى المستقبل قبل الآخرين ، انطلق سمو الشيخ القاسمي من رفع المعوقات التي حجمت حركة المسرح ، فجعل من [ أمارة الشارقة ] دعامة للثقافات جميعا وفي المقدمة منها المسرح . ولعل الشارقة ، عربيا المكان الأول الذي اعتمد المسرح مادة علمية تدرس من ضمن مناهجها الدراسية في المراحل المختلفة . وما السعي إلى تأسيس المعاهد الأولية والعليا للمسرح إلا دليلا على صدق النهج والمنهج الذي أرسى دعائمها صاحب السمو الشيخ القاسمي ـ بالرغم من أنها لم تمارس عملها الفعلي في الدراسة وتخريج الدفعات ، لكنها أقامت الدورات والورش التطويرية باستمرار . هذا الحرص على وجود الناس في الثقافة والفنون إنما يبعدها عن العديد من الأزمات التي تعطل لغة التفاعل مع الخطأ والصواب التي تعج بها الحياة ، وأزمات أخرى لا تقل خطورة .
أذن فالتوجه إلى الناس والبحث عما ينهض بهم هي واحدة من مهمات الحياة الثقافية الملحة في عمل الدولة . وما الذهاب "إلى الفئات الشعبية على اختلافها إلا لكي يؤمن لهم قدرا من الشرط الموضوعي للحياة ، لاسيما عندما يكون الجمهور بموقعه في حالة الانسجام المعقول مع إطار البناء الذي يؤهل بالمشاركة الفاعلة مع المنجز الثقافي المتمثلة بحركة المسرح ـ وهو الذي عززته السياسة الثقافية لحكومة الشارقة ـ
آراء جمة إلى جانب ادعاءآت تقول بأن الإسلام كان يؤمن بالتوافق التام مع القدر ، الأمر الذي ينفى فكرة الصراع بين الإنسان والقدر . ولما كان العرب لايتمتعون بالعقلية التحليلية كالتي يتحلى بها اليونانيين ، تولعوا بل ابتلوا بالثرثرة بديلا عن الجدل والحكمة ! وهذا أيضا ادعاء باطل فالآية الكريمة أكدت غير ذلك :
بسم الله الرحمن الرحيم
[ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن * إن ربك أعلم بمن ظل عن سبيله * وهو أعلم بالمهتدين *]
ونعود ثانية إلى أنك حين توشح المسرح بشرف اهتمامك به ، حين دخلته كاتبا يا صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ، فاختلف الرأي فيه ولما يزال الجدل حاضرا .
لقد اختصر وجودك النادر فيه وضع الأسس في الانقلاب على الواقع .. صورة طبق الأصل بما سبق من قناعات التنظير ، والتطبيق ، والقراءات الفاحصة للتراث ، والتأريخ العربي . تلك الوقائع التي ترجمها الباحثون بصيغة أطروحات مثيرة ، مفادها إن للمسرح العربي أشكالا ، شأنه شأن المسارح المهمة كالمسرح الصيني ، والمسرح الياباني ، والمسرح الهندي ، والمسرح الغيني ، والمسرح بمختلف انتماءآته واتجاهاته . فكانت موضوعاتكم كتابا تتركز اهتماماتها بالحسابات الجديدة التي تحمل سرمدية الهموم العربية . بما يخبئه لهم القادم من الأيام في مستقبلهم المجهول ، المتخم بالمخاطر ، وفي كيفية الخلاص من تلك المخاوف – كلما أمكن ذلك - كما في المسرحيات : عودة هولاكو ، القضية ، الواقع .. صورة طبق الأصل ، النمرود ، الاسكندر الأكبر ، شمشون الجبار ، وما تلاها .
وبغية التقويم لما وصلت إليه تجربة الكتابة عند القاسمي سنلمس ذلك من نزوع الأهداف والتوجهات إلى إحياء وتطوير وتأطير الأشكال التراثية بمضامين فكرية معاصرة تتناسب ومعطيات المرحلة الحاضرة التي يعيشها الوطن العربي . وانطلاقا من الإيمان بأن الفن يرى المستقبل قبل الآخرين ، لا بد من الوقوف على الأصول التاريخية للمسرح الشعبي العربي المتمثلة بمسرحيات القاسمي ، باعتباره من اشد المتحمسين حضوراً وجدلاً و- قائدا عربيا - في هذا الواقع وفي سعيه المتواصل للنهوض به ، جاءت استلهاماته للمضامين والأشكال المتميزة من التاريخ والتراث منسجمة مع تطلعاته في التغير للواقعين ـ العربي ، والمسرحي بما يتفق مع تطلعاته الموازية لأهم التجارب المعاصرة . وتأسيساً على ما تقدم فإنما يصح اعتبار تجربة الكتابة للمسرح اليوم هي امتداد لتجارب المسرح الشعبي التي تتناول شعبا وهموم ذلك الشعب .
لقد عرف العرب ومن البدايات الأولى ألوانا من الفعاليات الشعبية مثل الحكواتي ، والمقلدين ، والقرادين ، والمداحين ، والأراجوز ، وخيال الظل ، وفن المقامة ، وما رافقها من بعض الطقوس الدينية كأشكال متفردة مضمونا وشكلا في الحياة العربية ، تصلح أن تكون قاعدة انطلاق لترسيخ سمات المسرح العربي الحديث في نواحي شتى منها استثمار الشكل الفني التي تمثلت بتجارب المحدثين [ مسرح الفوانيس ، ومسرح القهوة ، والسامر ، ومسرح الحلقة ، والمسرح الاحتفالي ، والارتجال الشعبي ، ومسرح السرادق ] . وكأنما اتفق الجميع على جوهر [ الاحتفال ] فكرة ومعنى ، باعتماد فكرة الترشيق والزهد في المستلزمات والمسعى ، وفي عدم المبالغة في استخدام المكملات المسرحية .
ومثلما عالجت غياب التأليف بدخول المعترك ، عالجت بقية المشكلات باعتماد التخطيط بأن خلقت جيلا يعوض النقص في بعض الكفاءآت . عندما اعتمدت العمل والتعليم لخلق البدائل المحلية .وكان نظام للريبورتوار الذي تشكو من غيابه كامل التجربة العربية باستثناءآت لا تذكر ، عندها استبدلت المتلقي السلبي بالمتلقي الذكي ، مثلما حضر الناقد المتخصص القادم من منطقة المسرح ، وغادر الانطباعي من النقاد الطارئين على المسرح . وتميزت مسارح الشارقة الضاجة بالإمكانات والجمهور والتقنيات التي يتمناها المسرحيون . وآخر ما تحقق بحضورنا التفرغ للمسرح قبل كل مهرجان للأيام ، وكلما اقتضت الضرورة وتطلب الحال ذلك . لم يبق غير ان نقول نحن مواطني أمارة المسرح من الشارقة وخارجها غير شكرا للقيادة الحكيمة والعظيمة لحادي ركبها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ، الذي يتماهى في الأعالي حين يقول " نحن كبشر زائلون ، ويبقى المسرح ما بقيت الحياة "(5) .
سأعلن انحيازي الكامل للقائد فأقول .
[ المطر متواضع ، والدخان مغرور ](5).

الهوامش:
1،2،3،4) أجزاء من نص الرسالة التي كتبها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ، لليوم العالمي للمسرح ، والقاها سموه من مقر هيئة اليونسكو في باريس في 27/3/2007م .
5) مريد البرغوثي : منطق الكائنات [شعر] ، إصدارات دار المدى ، عمان – الأردن 1996 ، ص 76 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل


.. الطفل آدم أبهرنا بصوته في الفرنساوي?? شاطر في التمثيل والدرا




.. سر تطور سلمى أبو ضيف في التمثيل?? #معكم_منى_الشاذلي