الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية (سالم من الجنوب) الحلقة العاشرة

زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)

2021 / 8 / 3
الادب والفن


كان سالم يذرف الدّمع كعادته, في تلك الغرفة الحقيرة الّتي منحها لأمّه في قبو منزله بعد أن زوّجت أختيه منذ خمس و عشرين عاماً وفي حفل زفاف واحد لرجلين يتقدّم أحدهما الآخر بثلاث سنوات -وقد كانا أخوين أيضاً, إن كان يعني لك معرفة ذلك- ومن ثمّ رحلتا مع الزّوجين بعيداً, حيث اعتادت الأختين هؤلاء الأخّين كما بشّرت به "أمّ سالم" ليلة زفافهنّ, ولكن حبّ رجالهنّ ظلّ بعيد المنال عن قلوبهنّ, فاستبدلنه بحبّ أطفالهنّ, تماماً كما أحبّت " أمّ سالم" أطفالها.
ذرف "سالم" فوق عباءة أمّه الكثير من الدّمع الصّامت, قبل أن يقول لأمّه: (إنّها ابنتي يا أم) فأجابته أمّه بحنان بالغ وهي تمسح رأسه كما كانت تفعل حين كان "سالم" طفلاً يبكي من قرص النّحل لأذنه, وأعادت على مسمعه ما كان "سالم" قد سمعه هذا المساء من أمّه حتى كاد أن يملّ سماعه, "ستعتاد ابنتك عليه وستحبه صدقني يا وليدي" ولكن هذه المرّة كان لقولها وقعٌ مختلف, فأردف "سالم" أن لا يا أمّاه, لقد فات أوان الحب, لأن ابنتي رفضت تجربة الاعتياد, ولكن حبّاً باللّه يا أم قولي لي, هل أحببتِ أبي بعد أن ألفتِه؟ فتبسّمت أمّه ابتسامةً أنبأت سالماً أنّ أمّه لم تفهم مسألة هروب ابنته في ليلة زفافها, ثم أردفت بسمتها بإرخاء جفنيها, لكأنّها غطّت في سبات عميق.
حين انسابت آخر دموع سالم على العباءة الحنون سمع أمّه تقول دون أن تفتح عينيها, أنّها قد فطِنت للحب وقد حسبته طوال سنيّها بجانب "أبي سالم" مجرّد اعتياد, إلّا أنّ الأوان كان قد فات لتخبر زوجها عن الحبّ المتكشّف, لأنّ نعش "أبي سالم" لحظتها تربّع أكتاف رجال القرية.
لم يكن سالماً قد اعتاد خلق ابتسامات كاذبة على شفتيه فلم يمنح أمّه واحدة منها قبل أن يقف لينتعل حذاءه. حين أغلق خلفه الباب بهدوء, كانت أمّه تلعن في سرّها حمقاوات هذه الأيام, لأنّهن يتعجّلن حبّ الرّجل قبل حمله على الأكتاف.
......

كانت الفتاة قد تعثّرت بثوبها حين قفزت من النّافذة دون أن يسمع أحد آهتها الصّامتة, ودون أن تثنيها دماء يديها الدّاميتين عن مسح أطراف الثّوب بالخضاب الأحمر. هناك في فناء بيتهم الخلفيّ تسلّقت "ابنة سالم" السور المنخفض ومن وراءه راحت تركض بين الأشجار الباسقة في الغابة, والّتي تمنح للجبل خضرته نهاراً وتضفي عليه مزيداً من الشّموخ ليلاً.
حين لامست رجلا الابنة فناء منزلهم, كان سالم بصحبة أهل القرية يتشاورون حول ما ينبغي فعله بالمفوّض السابح بلعابهم . أما الآن وهي تذرف الدّمع فوق بساط الغابة العشبي من القهر, ها هو أباها سالم يذرف دموعه عند أمّه حيث اعتاد أن يذرفها, وليس عند زوجته كما لم يعتد. لذا ظلّت "زوجة سالم" مكتفية باعتياد وجود "سالم أبي أولادها" في سريرها كلّ يوم.
.
خرج "سالم" من عند أمّه هائماً على وجهه, ومشى بعيداً لكن ببطء فألفى نفسه يمشي إلى حيث ترك المتسوّل والمفوّض, في الوقت الّذي أرخى أول المساء سدوله, ولم تعكّر صفو اسوداده سوى ضوء أعواد الثقاب الّتي أنارت لسالم دربه, وحين وقف خلف الأجمة الّتي تحتجب خلفها المياه المرّة, سحب لفافة تبغ كانت معلّقة فوق أذنه ووضع مبسمها بين شفتيه, وحين أشعل عود ثقاب لأجلها, لمح في قدح ناره خصيتا رجل مستلقٍ على ظهره, عيناه مغمضتان بما يشبه الاغماء, وخيط دمٍ لا يشبه في لونه دم المفوّض, ينزل من جبينه حتى يلامس منبت لحيته, وعن يمين خصيتا المتسوّل المغمى, كان ثوب زفاف ابنة سالم قد استحال سواداً, وكأنّ هناك من اصطاد أوساخ المستنقع كلّه بثوبها.
.
رابط الحلقة الأولى:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=712551
.
رابط الحلقة الثانية:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=713091
.
رابط الحلقة الثالثة:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=724510

رابط الحلقة الرابعة:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=724789

رابط الحلقة الخامسة:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=725263

رابط الحلقة السادسة:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=725449

رابط الحلقة السابعة:

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=726033

رابط الحلقة الثامنة:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=726181

رابط الحلقة التاسعة:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=726582








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح


.. عرض يضم الفنون الأدائية في قطر من الرقص بالسيف إلى المسرح ال




.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل


.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع




.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو