الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في رحيل المسرحي الرائد..عزيز الكعبي

جاسم العايف

2006 / 8 / 14
الادب والفن


رحل عن حاضرنا ولحظاته المريرة الساخنة الراهنة، الفنان المسرحي الرائد "عزيز الكعبي" بعد مرض طويل واهمال معتاد معروف. يشكل "عزيز الكعبي" وجيله ، صفحة مضيئة في تاريخ المسرح في البصرة ، فهو لم يتخرج من مدارس فنية تُعلّم المهارة في الصوت والانسيابية في الحركة وتنظّم طريقة الالقاء المسرحي، ولم يتعلم تاريخه او مدارسه عبر الدروس الأكاديمية . دخل الراحل عزيز الكعبي في اوائل الخمسينيات المسرح عن عشق فطري شعبي، ووله ذاتي لازمه طوال حياته، بعيداً عن المثاقفة والمدارس المسرحية وصرعات التجديد فيها. توجه لهذه الخشبة التي يرى أنها أقدس أقداس الحياة مقدماً خدماته التي لا تقف عند حدود الصعود على المسرح ممثلاً ، بل تجاوز ذلك الى المساهمات الاخرى في أروقته، عاملاً على تثبيت تلك الخشبة او قالعاً ذلك المسمار أو منضداً هذا الصف من الكراسي أو معيداً تلك الإكسسوارات الى حالتها الأولى، مستغلا خلو القاعة بعد نهاية العرض و إكسابها لحظة التألق عند دخول المشاهدين (البطرين) حاملين معهم ما لا يرمونه خارج القاعة ، تاركينه بين اقدامهم ، متكفلا بكل ما يبعث على احترام مكان العرض المسرحي واهميته الأجتماعية ، ولم يكن وهو العامل البسيط في حياته المهنية، موزع بريد في بريد العشار، يتصرف على وفق معنى شيء أسمه (الاستنكاف) إزاء قاعة المسرح وطقوسها قبل وبعد انفضاض المشاهدين. ولقد عمل مالا يمكن لأي "مثقف" أو "متمرد" أو "متمنطق" أو "أستاذ" في المسرح أن يقوم به. إذ نقل تقاليد المسرح على وفق معرفته وبساطته وولعه به، ومسؤوليته تجاهه، الى أسرته فبدأ بها وباصراره البطولي قاد عائلته كلها الى المسرح فعمل على تلقين ابنته(أحلام)تقاليد المسرح وارثه الذي تشبع به ابّان الخمسينيات المسرحية، مذ يفاعتها واصبحت في بداية شبابها محط اهتمام المسرحيين البصريين، لقدراتها الواعدة حتى اصيبت بمرض اجهز عليها شابة في الاتحاد السوفيتي السابق ، عندما أرسلت للعلاج هناك في اوائل السبعينيات . كما امسك عزيز الكعبي بيديّ ربة البيت أم "الأولاد" و "البنات" زوجته السيدة "سميرة الكعبي" واخذ يلقنها فن التمثيل واحترام تقاليد المسرح واخلاقه المترفعة شيئاً فشيئاً ، دافعاً إياها من مطبخ الاسرة الفقيرة ومكابداتها البيتية وعناء تربية الصغار وعبودية العمل المنزلي، نحو المشاركة والإحساس الإنساني- الاجتماعي بأهمية العمل الفني- المسرحي على بساطتها وعفويتها الحياتية وانضج خبرتها على نار الرفقة اليومية في التجاوز الاجتماعي ، في مجتمع معروف بنظرته المملؤة شكوكاً تجاه العاملات في الوسط الفني ، وبقي يعمل بدأب على تحفيظها أدوارها المسرحية كلمة كلمة ونبرة نبرة طوال عملها المسرحي الذي تحولت فيه الى ممثلة مسرحية مرموقة ، و من أهم الممثلات التي انتجتها الخشبة المسرحية في البصرة، كما زرع روح المسرح وتقاليده في مكونات باقي افراد اسرته ، وقام بكتابة بعض المسرحيات واخرجها وقدمها بدعم بعض المنظمات الجماهيرية و النقابات العمالية ، بعد ثورة 14 تموز 1958 ، معتمدا على افراد اسرته في التمثيل وبذا يكون قد عمل على المسرح "الاسري" وكان يقدم في تلك المسرحيات معاناة شرائح اجتماعية مقهورة مسحوقة. ظل عزيز الكعبي يعمل خلال عقدي الخمسينيات والستينيات، مرافقاً لاهم العاملين في المسرح البصري و برفقه نخبة من الناشطين المسرحيين البصريين وفي مقدمتهم الفنان الراحل "توفيق البصري" وفنانين آخرين. وبحكم عفويته وشعبيته بقيّ على مفهوميته المسرحية التي تقودها الذائقة الفردية والاحساس الشعبي في ذلك الزمن ، الذي ربما وسم اغلب الاعمال المسرحية بهذه السمة ، حيث لم تتحول تلك الرؤى و الاحاسيس الشعبية الى نوع من التنظيم الممنهج خلال تلك الفترة بسبب محبطات وعوامل متعددة ، في مقدمتها عدم استقرار الاضاع الاجتماعية وتبلور قيمها المدنية نتيجة الاحداث العاصفة التي ميزت سنوات مابعد تموز 1958 و العقد الستيني في العراق. وانعدام المعاهد والمدارس المتخصصة بالمسرح والفنون الاخرى في المحافظات. كما ألف الراحل واخرج ايضا بعض المسرحيات ذات الشخصيات المغمورة اجتماعيا معالجاً ثيماتها الكبيرة بعفوية و ببساطة ولم يستطع التنقيب في تلك الثيمات عن الاسباب الكامنة خلف سطح العلاقات الاجتماعية المعقدة . ولقد لقي من الاهمال الحياتي خلال مرضه وبما لا ينسجم وابسط حقوق الوفاء الانساني في زمن النظام السابق. وبعد السقوط تم التنادي على عجل لاقامة مهرجان مسرحي حمل اسمه ، وسريعا ما التبست الرؤى وبات المسرح في حالة دفاع يائس مرير واصبح المسرح ونشاطه طريقاً تحف به التابوّات والمخاطر والتهديدات. في رحيل عزيز الكعبي ، تكون الحركة المسرحية في البصرة قد فقدت رائدا و فنانا مسرحيا، عمل بأخلاص نادر على قدر معرفته وامكاناته ، وذاكرة كان يمكن استثمارها وأرشفتها، لألقاء الضوء على حقبة مسرحية تنويرية، يجري حاليا التعتيم والاهمال عليها بإصرار، ونوايا واضحة، من اجل ديمومة عتمة الحياة الراهنة على وفق الرؤى الظلامية ونظرتها لكل الفنون ، والمسرح العراقي بالذات ، وتقاليده العراقية الباهرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتظروا حلقة خاصة من #ON_Set عن فيلم عصابة الماكس ولقاءات حص


.. الموسيقار العراقي نصير شمة يتحدث عن تاريخ آلة العود




.. تأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على آلة العود.. الموسيقا


.. الموسيقار نصير شمة: كل إنسان قادر على أن يدافع عن إنسانيته ب




.. فيلم ولاد رزق 3 يحصد 202 مليون جنيه خلال 3 أسابيع