الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رقصة الخائن الجريح

أحمد عمر زعبار
شاعر وإعلامي

(Ahmed Zaabar)

2021 / 8 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


أحمد عمر زعبار شاعر وإعلامي تونسي مقيم في لندن

كان المسلمون الاوائل المؤمنون الصادقون إذا اشتد بهم بلاء لا يتوجهون إلى أحد غير الله يطلبون منه العون والأزْرَ لم يطلبوا مثلا تَدَخُّل فارس أو بيزنطة وتخبرنا قصص عهد النبي والصحابة أن الله كثيرا ما يستجيب لدعائهم, ينصرهم فينتصرون (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها)..(وأيّده بجنود لم تروها) سورة التوبة. هكذا كان حال المسلمين الأوائل الذين يسعى بعض مسلمي اليوم لاستنساخ تجربتهم في العيش باعتبارهم المثل الأعلى للحياة. إلا أنّ تجربة استعادة الماضي واستنساخه غير ممكنة وتناقض طبيعة الزمن السائر إلى الأمام وطبيعة الحياة المتجددة فكل جمود موت وما الحياة إلا حركة إلى الأمام تتجدد وتتطور. ما دفعني إلى البداية بهذه المقدمة في موضوع يتعلّق بالوضع التونسي هو ما قام به راشد الغنوشي من دعوة للاستقواء بالأجنبي ضد بلده وأبناء بلده فمنذ اتخاذ الرئيس التونسي قراره بتجميد البرلمان ورَفْعِ الحصانة عن أعضائه وحلِّ الحكومة اعتمادا على الفصل 80 من الدستور التونسي, لم يعرف راشد الغنوشي السكينة ولا نَفَعَهُ ما يدعيه من إيمان, ينتقل من قناة تلفزيونية إلى أخرى ومن صحيفة إلى أخرى وكلها أجنبية طبعا (ليس بينها وسيلة إعلامية تونسية واحدة) يهذر ويهدد بكلام مُكرّر غير مقنع بِحُكمِ أنّ ما يطرحه من مفاهيم وحسابات لم يعد صالحا ولا مطروحا في الحسابات السياسية الأوروبية.
آخر صَرعات الغنوشي الايمانية تحريضه بلغة انجليزية ركيكة ومقرفة ضد تونس إذ طالب في مقطع فيديو قصير (وفي وسائل إعلامية غربية أخرى) طالب الأوروبيين بفتح البرلمان التونسي لكي يعود هو إليه مُعزّزا مُكرّما تحت راياتهم مُوحِيا في كلامه أنّ الجيش التونسي هو المهيمن على الحياة السياسية في البلاد وأن العسكر يسيطرون على البرلمان, وكأن أوروبا القريبة جدا من تونس (137 كلم هي المسافة التي تفصل بين أقرب نقطتي حدود) بعيدة عما يجري في بلادنا وهي المتغلغلة فيها سياسيا واقتصاديا وثقافيا عبر التأثير الفرنسي الواضح للعيان.
الغنوشي لم ينس أن يمرر عبر طلبه التهديد المبطن بأن أوروبا ستكون في خطر حسب قوله حرفيا إن لم تتدخل لإعادته إلى برلمان أصبح برئاسته فضيحة وفرجة ومسخرة ومكانا لممارسة العنف الجسدي واللفظي وإهانة المرأة التونسية, ولم ينس أن يوزع تهديداته على ليبيا والجزائر ودول البحر الأبيض المتوسط.
الغنوشي الذي يعتبره أنصاره مرجعية في التكتيك السياسي وخبيرا في المناورة أدّي بهم تكتيكه ومناوراته السياسية إلى أن أصبحوا أكثر حزب مكروه ومنبوذ في تونس وقد تجلى ذلك واضحا ليلة 26 جويلية حيث امتلأت شوارع المدن والقرى والبلدات التونسية بأصوات مزامير السيارات والزغاريد والرقص الذي تواصل إلى ساعات الفجر الأولى رغم حظر التجول ورغم الانتشار القاتل لفيروس كورونا حيث تحتل تونس المرتبة الأولى عالميا في عدد الإصابات والضحايا (بحسب عدد السكان)
كما أدت بهم مناوراته السياسية إلى خسارتهم أكبر وأهم فرصة في تاريخهم لإدارة شؤون البلاد خصوصا بعد إصراره وعناده القاتل على معاداة القوى الوطنية التي وعد بالتحالف معها قبل أن ينقلب عليها لأنها تؤمن بالمبادئ أكثر مما تؤمن بالمناورات في حين كان واضحا أن كل غرضه الوصول بحزبه إلى موقع يجعله قادرا على إدارة شؤون البلاد مهما كانت الخسائر والنتائج التي تكبدتها تونس على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها حيث وصلت البلاد إلى حافة الإفلاس, تحالَفَ الغنوشي وحركته مع الفساد أحزابا وأفرادا وسنّوا القوانين من أجل حماية المافيات المالية ولوبيات السرقة وعمل مع حزبه من أجل تمكين جماعته من مفاصل الدولة وزَرْعِهم في كل المؤسسات فانتشروا فيها كالسرطان. أصبح للفساد مؤسسات ولم يعد مقتصرا على الأفراد وتمّت حمايته بتنصيب موالين للنهضة على المؤسسات القضائية وبعض المؤسسات الأمنية للتغطية على الفساد وحمايته (بعضهم موقوف قيد التحقيق الآن) ومن هنا نفهم إصرار النهضة المميت على أن تكون وزارتي العدل والداخلية من نصيبها في كل الحكومات وكان لها ذلك فتمّ إخفاء وثائق وتمييع التحقيقات في قضايا الفساد كما تمّ معاقبة من حاول التبليغ على المفسدين بالترهيب والطرد من العمل والمتابعة القضائية حتى لا يتجرأ أحد على الفاسدين ولم يستطع رئيس الدولة ولا غيره إيقاف المد الجارف والعاصف للفاسدين نظرا لأن نظام الحكم في تونس هجين وصُمِّم خصيصا للتعطيل وليس للتشريع أو البناء, نظام موزع بين ثلاث رئاسات غير قادرة على التصرف ولا اتخاذ القرارات نظرا لتشابك الصلاحيات (النهضة التي انتخبها أقل من 6% من التونسيين تتحكم في البرلمان والحكومة.. رئيس الدولة الذي انتخبه 25% من التونسيين لا سلطة فعلية له والمشيشي الذي لم ينتخبه أحد رئيس حكومة ويدير دواليب الدولة).
الغنوشي لم يدرك أن الخطاب الذي توجه به إلى أوروبا تجاوزته الحسابات السياسية الاوروبية منذ 10 سنوات على الاقل وأنه إضافة إلى أنّه يلعب خارج الملعب فانه في التسلل ولن يسجل أيّة أهداف وأنه لم يعد مُهِمًّا لأوروبا وأنّ دوره قد انتهى وتجاوزته الإستراتيجيات فلا هو مُؤثر في تونس ولا هو ورقة هامة في حسابات المؤثرين خارج تونس رغم نعيق المحللين والخبراء الذين حوّلوا النقاش من نقاش حول مصير شعبٍ ودولةٍ إلى سؤال ممجوج,:انقلاب على الدستور أم ليس انقلابا على الدستور؟ متناسين أو متجاهلين عن عمد أن الشعب فوق الدستور وأن مطالب الشعب وإرادته تتجاوز نصّا مكتوبا ومليئا بالثغرات حتى وإن كان ذلك النص دستورا, وأن الدستور ليس مقدسا وأن المقدس هو حق الشعب فالدستور في خدمة الشعب وليس العكس
والغنوشي نتيجة لهيمنته المطلقة على حركة النهضة وتصرفه فيها كملكية شخصية, تجاهل ما تعيشه الحركة من مخاضات وتجاهل نداء معارضيه داخل الحركة من الشيوخ ومن الشباب المطالبين بتطعيم القيادة بوجوه شابة ودماء جديدة, الغنوشي الذي هيمن على حركة الاخوان في تونس وكان زعيما لها لما يقارب الخمسين سنة رفض أن يتنحى جانبا ومازال مصرا على البقاء على رأس حركة النهضة ومازال يرفض الاعتراف بما يحدث داخل حزبه من خلافات واختلافات وصراعات أصبحت الآن انشقاقات وانقسامات تجلت واضحة في تصريحات العديد منهم ليس بمعارضته ومعارضة توجهاته فقط بل بقبولهم ما قام به الرئيس سعيد وحتى وقوف بعضهم إلى جانب مواقف الرئيس ضد الغنوشي خصوصا بعد استقواء الأخير بالأجنبي ضد أبناء بلده
ليس هذا المقال دفاعا عن الحركة وإدانة لزعيمها فهما وجهان لعملة واحدة والإسلام السياسي لا يمكن أن يفهم الديمقراطية ولا أُسُسَها إذ أن نقطة انطلاقه هي ايمانه الراسخ بامتلاك الحقيقة وأن غيره في ضلال وليس من المنطقي أن يتنازل مالك الحقيقة عن الحقيقة ليستبدلها بالضلال مع ما يتبع ذلك من عقاب الهي.
أعود الآن الى ما بدأتُ به هذا المقال فالغنوشي ومن ورائه حركته لم يستوعبا أن الشعب التونسي لم يرفضه فقط بل بصقه وبصق نهضته وأن مُرُّ طعم حكمهم ما زال في أفواه التونسيين وفي أرواحهم أيضا وأن عقلية الانحناء وتقبيل الايادي لا تليق بتونس والتونسيين وأن زمن العبيد قد انتهى رغم أن عقلية العبودية لا زالت معششة في عقول بعض مُقَبِّلي الأيادي.
لجوء راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة للاستقواء بالأجنبي (الذي يعتبره الإسلام السياسي في كل أدبياته عدوا) ليس استثناء في ممارسات الإسلامويين فقد فعلها قبله شيخه القرضاوي حين قاد وترأس 400 (عالم من علماء المسلمين) لإصدار فتوى تبيح الاستعانة بالكافر لمحاربة المسلمين في حرب الخليج الأولى كما بارك هو وغيره من علماء السلطان قصف الناتو لليبيا وتدمير سوريا والعراق. ولعل السؤال الصارخ الذي يطرح نفسه عليهم هو هل يمكن الاستعانة بالكافر لتطبيق شرع الله؟ ربما يكمن جزء من الإجابة في كل أنواع الدمار التي تعيشها ليبيا وسوريا والعراق. ألم يقل الله تعالى في قرآنه (إن ينصركم الله فلا غالب لكم) سورة ال عمران (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم) سورة محمّد, لكن الواضح أنّ الغنوشي وأمثاله ليسوا هم الذي عناهم الله بقوله (يا أيها الذين آمنوا) فالله لم ينصره ولم يمكنه من أعدائه بل كانت الغلبة لمنافسي الغنوشي الذي وجَّهَ وجهه إلى أوروبا (الكافرة) طلبا للنصرة وتحريضا ضد أبناء بلده لان ما يريده هو السلطة وليس مصلحة تونس إذ لا يوجد إنسان وطني يؤمن بشعبه ويؤمن بوطنه ثم يحرض ضد شعبه وضد وطنه.. الغنوشي لم ينصر الله ولم يتوجه إليه عندما لفظه الشعب بل نصر الفساد واستنجد بالغرب, إنه في تخبطه يرقص رقصة الخائن الجريح.
(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) سورة النساء
(أولمّا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مِثلَيْها قلتم أنّى هذا قل هو ن عند أنفسكم) آل عمران
هو من عند أنفسكم وما جنت أيديكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أجواء من البهجة والفرح بين الفلسطينيين بعد موافقة حماس على م


.. ما رد إسرائيل على قبول حماس مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار؟




.. الرئيس الصيني شي جينبينغ يدعم مقترحا فرنسيا بإرساء هدنة أولم


.. واشنطن ستبحث رد حماس حول وقف إطلاق النار مع الحلفاء




.. شاهد| جيش الاحتلال الا?سراي?يلي ينشر مشاهد لاقتحام معبر رفح