الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منع الرؤية و مباركة الجنود.. العمى المرغوب فيه لإسرائيل

نائل الطوخي

2006 / 8 / 14
الصحافة والاعلام


يصدر رئيس مصلحة البث التليفزيوني الإسرائيلي، موتي شكلار، أمرا للقناة الأولي الإسرائيلية بعدم عرض صور حسن نصر الله في بث مباشر، لأنها تخدم، حسب كلماته، أغراض نصر الله و ليس أغراض دولة إسرائيل. هكذا يتم علي مهل تخليق مجتمع إسرائيلي نموذجي، مجتمع بلا أعداء ولا أسئلة مقلقة، مجتمع يذيع كل نشراته العسكرية باسم “قتلانا” و”جنودنا”، راسما في ذلك صورة شائعة للغاية عن داود الصغير الذي يحارب جوليات، الشيعي هذه المرة، كما يكتب الشاعر يتسحاك لائور في صحيفة هاآرتس، قائلا: “ليس هناك إلا “نحن، لنا، يخصنا.” أما العدو فليس له وجه أو اسم، باستثناء نصر الله طبعا. هكذا نصبح نحن الضحايا ونحن الأبطال.” و الآن، حتي حسن نصر الله قد تم منع وجهه عن الجمهور، هكذا لا يري الجمهور الإسرائيلي إلا نفسه، لا يري عدوه، و لو حتي لأجل التندر عليه، كما اعتاد دوما.
عمي مرغوب فيه. هكذا يمكننا أن نعرف ثمالة القوة التي اجتاحت إسرائيل هذه الأيام، و التي تستتبعها ارتجاجات عنيفة في المخ تدفع من كانوا يوما معارضين صلبين إلي الارتماء في أحضان المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. الشاعر الإسرائيلي إيلان شاينفيلد الذي كتب يوما ضد الحرب في لبنان عام 1982، لم يستمر نضاله “المبهر” طويلا. ينشر شاينفيلد قصيدة في يديعوت أحرونوت بعنوان “كونوا أقوياء”، يشد فيها من أزر الجنود في حربهم ضد “الذين يريدون أن يدمروننا”، قائلا: “إن لم تدمروا الأفاريز
فدمروا القاعدة إذن
الله يبارككم يا إخواني
لن يذهب جهدكم سدي
سيروا في لبنان وغزة بالملح و المحاريث
خربوهما حتي لا يعود فيهما أحد
اجعلوا منهما صحراء جرداء
أنقاض خرائب، أودية عكرة
غير مسكونة، لأننا تطلعنا الي السلام و رغبناه
ثم دمروا بيوتنا
كانت هدية لم نتوقعها
في عيني هؤلاء القتلة
الملتفعين باللحي و بالأفلام عن الجهاد
الذين ينادون “لنذبح الآن”
و لا يملكون لا حبا و لا سلاما
ليس لهم أب و لا رب .

أمطروا القري بالقنابل

و بينما تغمر قصائد الاحتجاج علي الحرب الملاحق الثقافية في الصحف الإسرائيلية يتباهي شاينفيلد في حوار أجرته يديعوت احرونوت معه بأنه قرر كتابة شيء يختلف عن القصائد التي لم تتفهم كون الحرب الإسرائيلية اليوم هي أكبر كثيرا من الحرب مع حزب الله، و إنما هي جزء من الحرب بين الإسلام الراديكالي و الغرب. يضيف: “كل هذا كان صعبا بالنسبة لي، لأنني دوما كنت يساريا. كتابة قصيدة تؤيد الحرب و تدعو للدخول في منطقة سيادية لدولة أخري و تدميرها ليس سهلا بالنسبة لي.
يقارن الشاعر بين موقفه من الحرب و الأولي و الثانية: “ حرب لبنان الأولي كانت حربا لعينة. كتبت و تحدثت ضدها في كل مناسبة أتيحت لي. الآن، هانحن ثانية في لبنان في حرب أخري. لا يجب علينا، نحن الشعراء، أن نستنسخ أصواتنا في الحرب الأولي علي هذه الحرب. علي خلاف الحرب الملعونة تلك، فهذه حرب عادلة. بكل بشاعاتها، هي عادلة. لو كنا انتظرنا أكثر كان مصيرنا سيصبح أكثر بؤسا بكثير”. و جريا علي العادة الإسرائيلية، يقترح الشاعر الطيب، بعد التلويح بنهاية مرعبة لا يمكن تخيلها تحل باليهود المساكين علي يد جيرانهم الوحوش، يقترح مصيرا أقل سريالية، يصبح هو بالطبع الوحيد المتاح، فيختتم قصيدته بكلماته المرعبة: “ ثبتوا شعبكم و اصنعوا القنابل
أمطروا بها القري و المدن حتي تنهدم
اقتلوههم، فصدوا دمهم
أخيفوهم
فلا يحاولوا تدميرنا
حتي نسمع من قمم الجبال المنفجرة
المسحوقة وراءهم
أصوات التوسل و النحيب
و لتغطيهم آبارهم عندئذ”.
كان شاينفيلد، و هو العضو في جماعة مثلية، قد حاز منذ شهور مع بعض القانونيين الأعضاء علي لقب “أعزاء الجماعة”، و لكن هؤلاء القانونيين قرروا كتابة رسالة تعبر عن اشمئزازهم من هذه القصيدة واصفين إياها بالتحريضية و المتضاربة. قالوا: “كقانونيين نعمل علي الحفاظ علي الطابع الديمقراطي لدولة إسرائيل و من أجل حقوق الإنسان. كلنا، مثليين و طبيعيين، يهودا و عربا علي حد سواء، نشعر بالخجل و العار لحقيقة أن شخصا حاز مثلنا علي لقب “أعزاء الجماعة” بل و ك”بطل ثقافي” يخرج من تحت يديه ركام عنصري و متضارب يشمل أبياتا مخيفة مكانها قصائد الحرب الأسوأ في العالم.” أما الشاعر فقد رد عليهم بأن: “الواقع المركب يلزمنا بأن نشعر بمشاعر مركبة. بالمرونة و القدرة علي مراكمة المواقف، إذا كان زملائي في الرأي و المعسكر يعتقدون حقا و صدقا أن من يربط نفسه طول حياته بمواقف إنسانية يتحول بين يوم و ليلة إلي شخص يساند التطهير العرقي فمعني الأمر أن البلادة ليست نصيب طرف واحد في الخريطة السياسية”. يبدو شاينفيلد هنا مزايدا من النوع الرخيص، متاجرا بتاريخه الذي لم يكن ناصع البياض، أو علي الأقل، راغبا في تحويله إلي كارت يخوله قول ما يشاء و وقت ما يشاء، فببراءة يضيف، بعد أن طالب رجال جيشه بتحويل لبنان وغزة إلي خرائب، أن المستهدف في هذه القصيدة كان رجال حزب الله و ليس المدنيين، و أن هذا كان مفهوما للجميع، ماعدا من كانت البلادة من نصيبهم، بطبيعة الحال!!

لوحة سريالية

إلي جانب هذا، يظهر بصيص أمل هنا و هناك. يوقع بعض الكتاب، الشعراء، النقاد و الناشرون الشباب بيانا ذا لهجة قاسية للغاية عن الحرب في لبنان. يقولون فيه أنه: “لدينا إحساس ثقيل بأن هذه الحرب تم التخطيط لها علي عجل، و المجتمع المدني من الجانبين هو من يدفع ثمنا باهظا بسبب إهمال الجنرالات الذين يثرثرون عن القدرة علي الردع و يدفعون بلدا عربيا أساسيا آخر _ بالضبط مثل حالة العراق _ إلي كارثة سوف تنمي من القوي المتطرفة في العالم الإسلامي”. البيان صاغه الكاتب نير برعام و وقع عليه الأدباء جافي نيتسان، دودو بوسي، هاجار يناي، درور فويد، أورنا كازين، درور بورشتاين، سامي بردوجو، آلون هادار، سيد قشوع، كليل زيسافل و الشعراء ياكير بن موشيه , تامير جرينبرج، آنا هرمان و رامي سعري. يضيف الموقعون أن ممارسة القوة غير المفهومة ضد المدنيين ليست دليلا علي القوة و القدرة علي الردع “بالعكس، هي تعبير عن الهستريا، علي عدم القدرة علي التمييز بين التهديد المحدد و بين الخطر الوجودي، بين الرد الموزون و بين الجهد المبالغ فيه لإظهار القوة. و لكن الدمار الذي يزرعه جيش الدفاع الإسرائيلي في لبنان سوف يحتاج لسنوات حتي يصلحوه.” ثم يتساءلون: “هل تحويل كل الشعب اللبناني إلي لاجئين، سوف يزيد من فرص التطبيع؟”
دودي مانور، و هو أحد الموقعين علي البيان و رئيس تحرير دورية “هو” الأدبية، يقول ساخرا كبار الأدباء الإسرائيليين الذين صوروا أنفسهم دوما مدافعين عن القضايا العادلة أن: “بعض مثقفي اليسار و منهم يهوشواع سوفول، يورام كانيوك، و أ. ب. يهوشواع، أصبحوا يمينيين بدون أن يخبروننا، تغيير المواقف ليس أمرا جديدا، فحتي عجنون و الترمان تحركوا يمينا منذ أربعين عاما، غير أن هذا يبدو الآن كلوحة سريالية. “

الثلاثة الكبار

وفي وضع ملتهب كالذي تعيشه إسرائيل الآن لا يتأخر رد رموز المؤسسة الأدبية الإسرائيلية علي التلميح المبطن ضدهم. يوقع الثلاثة الكبار، عاموس عوز، دافيد جروسمان و أ. ب. يهوشواع، علي مقال بعنوان “صوت ينادي” بصحيفة هاآرتس يطالبون فيه بإنهاء الحرب، لأسباب تخصهم علي ما يبدو، قائلين:
“العملية العسكرية كانت مبررة من وجهة نظرنا من الناحية الأخلاقية، و كانت متوائمة مع الشرعية الدولية التي تقر بالدفاع عن النفس ضد هجمات دولة العدو. لم يكن هدفها أبدا قتل المدنيين من حيث هم مدنيين، علي عكس منظمة حزب الله.” و بعد هذه المقدمة، التي رأي فيها الثلاثة الكبار أنهم قادرون علي تحليل أفعال جيشهم و الجزم بنواياه الطيبة، يضيفون: “ندعو حكومة إسرائيل إلي الموافقة علي وقف إطلاق النار المتبادل.. ليس هناك مبرر في التسبب في المزيد من المعاناة و سفك الدماء.”
و بخصوص بيان الأدباء الشباب تجري صحيفة يديعوت احرونوت حوارا مع أ. ب. يهوشواع علي الهاتف يقول فيه، بعد أن انقطع الحوار بسبب دوي صفارات الإنذار في مدينة حيفا: “للأدباء الشباب صيغتهم الخاصة ولنا صيغتنا. الاختلاف هو في أننا قلنا أن أساس الحرب كان عادلا.”
هذا ما يقوله يهوشواع و الذي تقول يديعوت أنه معروف بأرائه الحادة و الصارمة ضد سياسة إسرائيل. لا يكتفي “المعارض الصارم” بممالئة سياسة إسرائيل عند هذا الحد بل إنه يضيف بكثير من الشماتة: “افترضنا أن الحرب، و التي كانت عادلة في أساسها، حققت أهدافها. فهم لبنان بالضبط الثمن الرهيب الذي سيدفعه لأنه سمح لحزب الله أن يفعل ما يريده داخل لبنان و أن يكون دولة داخل دولة. و الهدف الثاني الذي حققته كان إبعاد حزب الله عن الحدود الدولية.” هكذا يوافق الأديب الكبير و نشط السلام بسهولة علي أن هدف الحرب هو تأديب لبنان وليس حزب الله، و هو نفس ما يصرح به الساسة الإسرائيليون الذين يفترض أنه يعارضهم. في واقع كهذا، تختفي فيه الحدود بين الحرب و السلام و يصبح الاثنان لوحة سريالية متداخلة، يختتم الشاعر الشاب رامي سعري قصيدة ساخرة له بعنوان”علي الحدود” بالقول:
عندما بدا أن كل شيء علي مايرام
بدون أي قرار ساخن
قلنا مرة أخري
يا مرحبا بالسلام
ثم اندفعنا في الحرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا لست إنترنت.. لن أستطيع الإجابة عن كل أسئلتكم-.. #بوتين


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضغطه العسكري على جباليا في شمال القطاع




.. البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يزور السعودية


.. غانتس: من يعرقل مفاوضات التهدئة هو السنوار| #عاجل




.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح