الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة التونسية و خديعة لعبة الديمقراطية !

عمرو إمام عمر

2021 / 8 / 5
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


من أكثر الأشياء المحيرة هى فكرة ”الديمقراطية“ ، فلا يوجد نظام سياسى عرفته البشرية خاصة منذ القرن الثامن عشر إلا و وصف نفسه بالديمقراطى ، فأصبحت تلك الكلمة هى الأداة الرئيسية لشرعنة أية سلطة سياسية حاكمة ، و اليوم استطيع القول أن كل دول العالم تصف نفسها بالديمقراطيات إلا أن هشاشة الترتيبات السياسية و تاريخ مؤسساتها تكشف مدى الزيف الذى تروجه تلك الأنظمة الحاكمة ؛ بعد تفكك الكتلة الشرقية الاشتراكية و هزيمة حركات التحرر الوطنى فى دول المستعمرات و إعلان إنتصار الكتلة الغربية الرأسمالية ، أصبح الشغل الشاغل لأجهزة الإعلام هو ترويج لفكرة أن الأنظمة الأستبدادية قد تهاوت و انتصر المعسكر الحر الديمقراطى ، لينتشر إعتقاد لدى العامة إننا نعيش بداية عصر الديمقراطية الكاملة ، ليطرح تساؤل لكن هل صحيح ستعيش البشرية عصر جديد من الديمقراطية الحق ؟ !.

إذا بحثنا عن اصل كلمة ديمقراطية سنجد إنها تتآلف من كلمتى Demos ، و هى تعنى الشعب ، و كلمة Kortos و تعنى الحكم ، أى حكم الشعب أو ”الحكم من قبل الشعب“ ، إلا أن هذا يبدوا فقط على الورق فتاريخ الديمقراطية معقد و فى غاية الغرابة ممتلئ بالتصورات المتضاربة ، فتعريف الديمقراطية كما صاغها الفلاسفة منذ القرن السابع عشر يقول الآتى ”أن الديمقراطية هى ذلك الترتيب المؤسسى الهادف للوصول إلى قرارات سياسية لتحقيق الخير العام و بجعل الشعب نفسه يقرر تلك المسائل عبر انتخاب أفراد يجتمعون لتنفيذ إرادته“ ، إذا فالديمقراطية الغرض منها أن يصل الشعب من خلال ممثليه إلى تحقيق الخير العام له من خلال الإرادة الشعبية و الحجج العقلية …

وهم الليبرالية ؟ !

منذ الثورات الأوروبية فى القرن السابع عشر التهب صراع فكرى ما بين الليبراليين و الاشتراكيين ، و يحلوا دائما لدعاة الليبرالية عندما يوجه لهم سؤال ”ما هى الليبرالية ؟“ بالقول إنها مذهب الحرية ، و للأسف الشديد إننا لا نرى تلك المرواغة العقيمة فقط من خلال الجدل السياسى ، و لكننا نلمسه بشكل واضح فى التنظير الأكاديمى فيقول المؤرخ الفرنسى موريس فلامون فى كتابه تاريخ الليبرالية ”الليبرالية … أكثر المذاهب قدما و شهرة ، و ربما أكثرها ظلما ، بالنظر إلى مآخذ البعض على المدنية الليبرالية و تنظيمها الإقتصادى ، و سبب ذلك راجع إلى أنها مذهب الحرية“1 ؛ لن نجد بين تلك الكلمات سوى ملاعيب زئبقية تخلوا من التحديد تجعلنا غارقين فى مفاهيم ملتبسة ، فلا يوجد بالخصوص تعريف واضح لمعنى الحرية ؛ إن الليبرالية من خلال مسارها التاريخى ترتكز على أولوية الفرد بوصفه كائنا حراً ، فمقولة الحرية هى دائماً المقولة المركزية التى يحرص الليبراليين على إبرازها ، فالليبرالية من الناحية الفكرية تعنى حرية الاعتقاد و التفكير و التعبير ، أما فى الجانب الإقتصادى تعنى حرية الملكية الشخصية و حرية الفعل الأقتصادى وفق قانون السوق ، و على المستوى السياسى تعنى حرية الرأى و تأسيس الأحزاب ، و من هنا نرى إن الحرية ليست مبدأ فى حد ذاته لكنها المرتكز الرئيسى كمعنى شامل لغيرها من المبادئ ، مع الأخذ فى الإعتبار إن لفظ الحرية ”فكرياً“ ليس محدد الدلالة و لا محدد الأبعاد …

نَبعت فكرة الليبرالية مع أنطلاق الثورات البورجوازية فى القرن السابع عشر التى قامت من أجل الدفاع عن طبقة ”صغار الملاك و التجار“ الصاعدة فى تلك الفترة ، و بحثا عن الإعتراف الكامل لها بكامل حقوقها خصوصا فى الملكية الخاصة مقابل الطبقة الارستقراطية الإقطاعية التى كانت مهيمنة على الحياة الأقتصادية و السياسية ، لذا فأصل الليبرالية أرتكز على قواعد تجارية حيث مبدأ الملكية الخاصة ، و ان تكون قواعد السوق ”المنافسة و الصراع“ هو الأساس الذى تتشكل منه سواء كان سياسياً أو أقتصادياً ليظهر المبدأ المعروف بالأقتصاد الحر و الذى تم التعبير عنه بمقولة ”دعه يعمل ، دعه يمر“ ، لذا عنت الليبرالية بألا تتدخل الدولة بأى شكل لتنظيم العملية الاقتصادية سوى بالحفاظ على قواعد السوق ، من هنا نلاحظ إن الليبرالية أعتنت بشكل خاص بمبدأ الحرية الفردية مضحية بمبدأ العدالة المجتمعية و تلك هى أزمة الليبرالية الحقيقية ، مثال على ذلك الأزمات التى تعانى منها أوروبا اليوم ليست إلا إنعكاس لأزمة نظام سياسى بنى للحفاظ على علاقات تربط ما بين رأس المال و المنظومة السياسية من جهة ، و بين المنظومة السياسية و الباقى عناصر المجتمع من جهة أخرى بحيث تبدوا العملية الآلية للمنظومة بأكملها إنها تنبع من اسفل أى من القاعدة الجماهيرية إلا أن الحقيقة مخالفة لذلك ، فالمحرك الأساسى للعملية السياسية هو رأس المال ، و ليس غريبا أننا لا نرى فقيرا واحدا يتم إنتخابه فى تلك المجالس المسماة بالبرلمانات ، بل ستجد أن جميعهم مليونيرات اللذين سيعملون بالتأكيد على رعاية مصالحهم و ليس مصالح الكادحين و المظلومين و المتعطلين فى الشوارع ، لذا فليس من الغريب أن نرى أحد أكبر علماء الأجتماع البريطانيين بول هيرست - Paul Hirst – فى حديث له عن النخب السياسية اليوم قائلاً ”إن مشكلتنا معهم لا تقتصر على التسلط و إسقاطهم المصلحة العامة من الإعتبار ، و لكن هذا القدر الهائل من القوة يدفعهم إلى الإستئثار بقدر هائل من الثروة ...“ ، من هنا ينبهنا هيرست إلى أن أى محاولة لوصف ما يحدث فى المؤسسات البرلمانية السياسية بالديمقراطية لن يكون بالأمر السهل ، لأنها فى تلك النقطة عليها أن تقف تتحدى قوة و ثروة طبقة اصحاب الأعمال ، و المديرين و المستشاريين ، و كبار المهنيين و الفنانيين و الرياضين و غيرهم ، ناهيك عن الشركات العبرة للقوميات و التى باتت أقوى من كل حكومات العالم …

الربيع العربى و الوهم الإعلامى

أما إذا تحدثنا عن ما يحدث فى بلادنا بعد عاصفة الربيع العربى ، يحاول دائماً الإعلام الغربى تصوير التجربة التونسية إنها التجربة الأمثل و التى يجب أن ننظر إليها ، لكن السؤال الأهم ماذا قدمت التجربة اللامعة للمواطن التونسى الفقير ، هل وفرت له الحياة الكريمة ، هل تغيرت أحوال المواطن عما كانت من قبل ، للاسف الشديد الحال أصبح أسواء بكثير ، فالمؤشرات تنبئ بأزمة كبيرة تهدد بتراجع الإنتاج و الخدمات و مزيد من البطالة و التدهور فى مستويات المعيشة ، كأننا نشاهد تكرار لنفس الأزمة اللبنانية ، فأزمة الديون وصلت إلى حد العجز عن سداد الأقساط و الفوائد ، و فالحكومة مطالبة بتسديد 4䀳 مليار دولار فقط لخدمة الدين ، و حتى تستطيع الحكومة تسديهم يجب عليها الحصول على قرض يقترب أو ييزيد قليلا عن ستة مليارات دولار لتمويل عجز الموازنة ، فالدين الخارجى وصل إلى مايزيد عن 100% من الناتج المحلى ، و أحتياطى البلاد من العملة الصعبة فى أدنى مستوياته يقدر بحوالى 7 مليار يورو فقط ، زد على ذلك الأزمة السياسية المشتعلة بين رئيس الجمهورية من جهة ، و حركة النهضة من جهة أخرى و هو أكبر حزب فى البرلمان و التى دأبت على تعجيز الحكومة و شل يدها فى إتخاذ القرارات على الرغم من عدم وجود خلاف حقيقى بين توجهات الحكومة الحالية و حركة النهضة فى الجانب الاقتصادى لكنه صراع سياسى ساذج يدفع ثمنه المواطن البسيط ، فلا الحكومة الممثلة فى رئيس الوزراء هشام المشيشى لديها رؤية اقتصادية تنموية شاملة ، و لا حتى حركة النهضة تمتلك برنامجا بديلا يخرج الدولة من أزمتها ...

إن الأوضاع الاقتصادية فى الشقيقة تونس ما كان يجب أن يصل إلى هذا الحد من التدنى و السوء لولا تلك الصراعات الساذجة بين نخب سياسية عاجزة ، فالسياحة متدهورة للغاية و نسبة الإشغال العامة فى الفنادق لا تزيد عن 36% خلال العام المنصرم ، بالإضافة إلى تراجع الإنتاج الزراعى و الصناعى و بالتالى تراجع الإيرادات الضريبية ، مما أدى إلى زيادة كبيرة فى الأسعار و عجز ضخم فى الموازنة العامة للدولة و إنخفاض فى إحتياطى العملة الصعبة ، مما يجعلنا نتسائل هذا الصراع السياسى المحتدم على ماذا ؟ !
ليطرح تساؤل هام … ماذا قدمت الديمقراطية للمواطن الفقير ؟



____________________________

1) Maurice Flamant - Histoire du libéralisme Page 3








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟