الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار التركي: هل يعود لحكم تركيا مجدداً

حامد محمد طه السويداني

2021 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


قد يخطأ البعض ويعتقد بأن سقوط الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991 هو سقوط للمنظومة اليسارية (الاشتراكية والشيوعية) إذ أن تراجع المنظومة الاشتراكية كان بسبب سوء التطبيق من قبل القائمين على حكم الاتحاد السوفيتي فضلاً عن تداعيات الحرب الباردة 1945-1991 بين المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي واوروبا الشرقية وبين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية واوروبا الغربية, فليس الخلل في بينة النظام الاشتراكي ولكن الخلل بالأفراد فالمنظومة الاشتراكية تنتظر من يطبقها بصورة صحيحة لتعود الى الحكم مجدداً وتحقق الانجازات العظيمة كما حققتها في السابق, وفي هذه المقالة نسلط الضوء على (اليسار التركي) ودوره التاريخي في بناء تركيا الحديثة وتسائل وفق المستجدات والمعطيات على الساحة السياسية التركية وهل سيعود اليسار لحكم تركيا مجدداً؟
يعود تاريخ الحركات اليسارية والاشتراكية في الدولة العثمانية الى سنة 1833-1835 إذ أن (سان سيمون) وهو احد المفكرين الفرنسيين الاشتراكيين الاوائل ارسل في هذه المدة بعثة دعاية الى الاستانة ومصر, كما حظر رجل عثماني الى لندن بمناسبة (عيد الام) الذي نظمه اليسار الاوربي ذو التوجه الاشتراكي, وقد تسربت الافكار الاشتراكية الى تركيا في سبعينات القرن التاسع عشر عن طريق الاتراك الدارسين في اوربا حتى ان جريدة (حقائق الوقائع) نشرت بعض المعلومات نقلاً عن صحيفة (الديلي نيوز) حول الاشتراكية وشكل العمال في الدولة 1871م وتحت تأثير(كمونة باريس) جمعية عرفت بـ (عملية بروز جمعيتي) وفي عام 1889م تأسست جمعية الاتحاد والترقي وهي منظمة سرية قامت في 23 تموز 1908 بانقلاب عسكري على السلطان العثماني عبد الحميد الثاني, كما ان الحركات اليسارية والاشتراكية بعد الثورة الدستورية 1908 اصبحت علنية وقد بدأ (محمد مجيد) وجماعة صغيرة من الاشتراكيين في ازمير بتأسيس صحيفة باسم (العمال) وقد اندمجت جماعات اشتراكية من يهود الدونمة مع مجموعة من الاشتراكيين البلغاريين في سلانيك مكونة (نادي اشتراكي).
وبعد قيام ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا عام1917 انتقلت المفاهيم والافكار الاشتراكية والشيوعية السوفيتية سريعاً الى تركيا وقامت على اثر هذه الثورة العديد من الاحزاب السرية الشيوعية وقد ساعدت عوامل داخلية وخارجية احاطت بتركيا على تنامي اليسار التركي بفعل موقع تركيا الاستراتيجي وقربها من الاتحاد السوفيتي.
وبعد تأسيس تركيا الحديثة عام 1923 شعر مصطفى كمال اتاتورك بتنامي اليسار في تركيا وقد فكر بتأسيس حزب شيوعي يتحكم به شخصياً فقد ولدت الشيوعية التركية مجهضة بسبب النجاح الذي حققه مصطفى كمال في حرب الاستقلال التركية 1919-1922 ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ظهرت التعددية الحزبية في تركيا في العام 1946 وتأسست العديد من الاحزاب ذو التوجه اليساري ومن الجديد بالذكر ان تركيا دولة علمانية قومية ارتبطت بالرأسمالية الغربية وتوثقت علاقاتها مع الغرب واندماجها بالأحلاف العسكرية الغربية وكذلك المؤسسات الاقتصادية وكانت ذراع امريكا للحرب على الاحزاب اليسارية المدعومة من الاتحاد السوفيتي السابق وقد استطاع بولند اجويد الشخصية اليسارية المعروفة في تركيا وبعد انقلاب عام 1960 وسن دستور 1961 استطاع اجويد ان يقر نظام العمل في الدستور ومنح حق التعبير والتظاهر للعمال وقد حوربت الحركات اليسارية في عقد السبعينات وحدثت تصادمات عنيفة مع اليمن التركي المتطرف (الذئاب الرمادية) ولاحقاً ظهرت الحركات الاسلامية واصبحت تركيا في وضع حرج مما استدعى ان يقوم كنعان ايفرن بانقلاب عسكري 12 ايلول 1980 ويحكم البلاد حكما عسكريا وبدأ منعطفاً كبيرا في العام 1985 عندما قامت زوجة بولند اجويد(رهشان ارال) بتأسيس حزب اليسار الديمقراطي DSP وقبله حزب العمال الكردستاني ذي العقيدة الماركسية بزعامة عبدالله اوجلان واستطاع حزب اليسار الديمقراطي ان يقدم بدور كبير في توجيه سياسة تركيا وترأس الحكم بمفرده من العام 1999-2002 علماً بأن بولندا جويد شكل حكومات منذ عهد السبعينات الى العام2002.
ولسنا بصدد الاسهاب في تاريخ الحركات اليسارية في تركيا ولكن لابد من الاجابة على التساؤل الذي يقول هل يعود اليسار لحكم تركيا مجدداً؟ والجواب حسب اعتقادي نعم للأسباب التالية,
قد يخطى البعض بأنت الانجازات التي حققها حزب العدالة والتنمية في تركيا هي فقط هو من قام بها ولكن الاحزاب التركية بما فيها اليسارية هي التي صنعت المؤسسات التركية العسكرية والسياسية والمنظومة الثقافية نعم قام حزب العدالة والتنمية بتحقيق انجازات في محال السياسية والاقتصاد وتحسين دخل الفرد التركي وبناء المشاريع الكبرى وتقليل الديون التركية ولكن سياسات حزب العدالة والتنمية بدأت تنخر في البنية الفكرية للدولة التركية القائمة على مبدأ العلمانية والحداثة والمدينة أول بأول الى ان انتهى به المطاف الى تحويل النظام البرلماني الى نظام رئاسي والتفرد بالحكم من قبل شخص واحد هو اردوغان يهيمن على القرارات السياسية بأجمعها (النظام الشمولي) وقد ادت هذه السياسات الى استياء الشعب التركي واحزاب المعارضة التركية وتمخضت عنها احتجاجات عام2013 وكذلك محاولة انقلاب عسكري في 15 تموز 2016 قام بها الجيش التركي ضد حكم حزب العدالة والتنمية الذي خرج كثيراً عن المبادئ الاتاتوركية والعلمانية اما السبب الثاني فهو تراجع الحريات والضغط على الصحافة وكثرت الانتهاكات بحق المواطنين وخاصة الاكراد مما اثار تذمر الدول الاوربية مشيرة الى ان هذا هو النظام الذي يرغب ان يكون جزء من دول الاتحاد الاوربي.
السبب الثالث تراجع الاقتصاد التركي وهبوط الليرة التركية وكثرة ديون تركيا الخارجية التي وصلت الى438 دولار امريكي منها 72 مليار دولار تستحق الدفع هذا العام وتزامن تراجع الاقتصاد التركي القائم على السياحة والاستثمار والتجارة مع تصاعد ازمة وباء كورونا الذي بسببه خسرت تركيا فقط في مجال السياحة حوالي (30) مليار دولار سنوياً وكذلك خروج المستثمرين من تركيا وتراجع حركة التجارة المتمثلة في السلع والبضائع والمنتوجات الغذائية.
ورابعاً تورط تركيا بأحداث الربيع العربي ابتداءً من العام 2011 وتداعياته الى الآن بحكم ارتباطها الوثيق بالولايات المتحدة الامريكية وقيامها بالدور المرسوم لها كحليفة للولايات المتحدة الامريكية فقد ساءت علاقاتها مع الدول العربية مثل سوريا والعراق ومصر وليبيا والسعودية والامارات وحتى ايران واليونان وفرنسا والعديد من الدول الاخرى إذ ان السياسة الخارجية التركية فشلت في اقامة علاقات متوازية واصبحت شبه معزولة.
الامر الخامس وهو ما يخص الداخل التركي متمثلاً بالكرد والمسألة الكردية وحزب العمال الكردستاني P.K.K إذ لم تستطيع ان تقوم بحل جذري للمشكلة الكردية واعطاء الحقوق السياسية والثقافية للشعب الكردي والاقليات الاخرى ان محاربة حزب العمال الكردستاني يكلف الدولة التركية مليارات الدولارات فضلاً عن ازهاق الارواح في صفوف المدنيين.
الامر السادس وهو محاولات اردوغان بعد فشله في بناء علاقات متوازية على المستوى الاقليمي والدولي بدأ يحاول اسلمة تركيا من خلال العديد من القرارات فضلاً عن الاكثار من الخطابات السياسية التي تحمل في طياتها كلمات دينية واسلامية فتركيا دولة كبيرة وفيها اتجاهات فكرية وثقافية لا يمكن اختزالها بأفكار حزب العدالة والتنمية
الامر الاخير في هذه المقالة هو انحسار الاسلام السياسي (الاخوان المسلمين) في مصر وتونس والسودان ودول اخرى مما يبدو ان الاسلام السياسي قد استنفذ دوره ولم يعد يستطيع تقديم اي شيء
كل هذه الاسباب تنذر بعودة اليسار التركي متمثلاً بالأحزاب اليسارية والاشتراكية المعتدلة وتقصد به (يسار الوسط) وسوف تكون شكل الحكومة التركية اللاحقة هي ائتلافية من عدة احزاب قومية ويسارية وعلمانية وهذا ما اكدته في مقالات سابقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24