الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دول ثلاث جربت الاشتراكية ثم نبذتها- الصين

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 8 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


كيف إذن نفسر النجاح الاقتصادي المبهر لرابع أكبر اقتصاد في العالم، الصين، بنمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي من 8 إلى 10 بالمائة منذ الثمانينات تقريباً حتى اليوم الحاضر؟ خلال الفترة من 1949 إلى 1976، تحت حكم ماو تسي تونغ، كانت الصين في حالة اقتصادية مزرية بسبب سوء الإدارة الشخصية للاقتصاد من طرف ماو نفسه. في سعيه الدؤوب وراء الاشتراكية على الطراز السوفيتي، أطلق ماو القفزة الكبرى للأمام في 1958-1960 وأسفرت عن وفاة ما لا يقل عن 30 مليون وربما ما يصل إلى 50 مليون صيني، ثم الثورة الثقافية خلال 1966-1976 ولقي فيها ما بين 3 مليون إلى 5 مليون صيني حتفهم. ماو ترك الصين متخلفة ومنقسمة بعمق.

ثم جاء خليفة ماو، دنغ شياو بينغ، وأخذ الصين إلى وجهة مختلفة لكي يخلق اقتصاداً مختلطاً تتعايش فيه معاً الرأسمالية والاشتراكية مع احتفاظ الحزب الشيوعي بالسيطرة العليا عبر رصد الخليط المناسب وضبطه باستمرار. ونجحت الصين خلال العقود الأربعة الماضية في أن تصبح معجزة العالم الاقتصادية للأسباب الآتية.

بدأت الصين صعودها الاقتصادي من نقطة الصفر تقريباً بسبب التزمت الأيديولوجي الماوي. ثم انخرطت في سرقة محسوبة للملكية الفكرية، خاصة من الولايات المتحدة، طيلة عقود. وحققت الاستفادة القصوى من العولمة ومن عضويتها في منظمة التجارة العالمية، بينما تجاهلت في الوقت نفسه القواعد المقررة ضد ممارسات مثل سرقة حقوق الملكية الفكرية. كما استغلت التعريفات الجمركية وتدابير حمائية أخرى لتكسب من خلالها مميزات تجارية ضد الولايات المتحدة ومنافسين آخرين.

خلقت الصين طبقة وسطى من نحو 300 مليون شخص، يتمتعون بمستوى معيشي لائق وفي الوقت نفسه يشكلون سوقاً محلية ضخمة للسلع والخدمات. وهي مستمرة في الاستفادة من العمالة القسرية من معسكرات لاوجاي في تصنيع السلع الاستهلاكية الرخيصة التي تباع في متاجر وول مارت وغيرها من الأسواق الغربية. كما تسمح بوجود سوق سوداء ضخمة لأن أعضاء الحزب يتربحون من مبيعاتها.

كذلك تسمح الصين للمستثمرين الأجانب أن يشتروا في شركات صينية، بشرط أن تحتفظ الحكومة- أو بالأحرى الحزب الشيوعي- دائماً بحصة أغلبية. تشغل الحكومة الصينية ما يقدر بنحو 150.000 شركة مملوكة للدولة توفر الوظائف لعشرات الملايين من الصينين، وتعتمد على طاقات وخبرات أكفأ الرجال في دنيا المال والأعمال في العالم، لا يسبقهم سوى الأمريكان.

باختصار، كانت جمهورية الصين الشعبية إخفاقاً اقتصادياً طوال عقودها الثلاثة الأولى في عهد اشتراكية ماو والسوفييت. ولم تبدأ قفزتها لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم إلا حين هجرت الاشتراكية في أواخر السبعينات وابتدأت تجربتها، الناجحة إلى الآن، في الرأسمالية على الطريقة الصينية.

ثمة علامات واضحة على أن هذا النجاح لم يعد بالسهولة أو السلاسة التي كان عليها في السابق. فالصين تشهد اقتصاد متباطئ، وتخضع لحكم حزب شيوعي ديكتاتوري لكن منقسم متشبث بالسلطة، وتواجه مطالب شعبية واسعة لضمان حقوق الإنسان الأساسية، وتعاني من تدهور بيئي خطير. ويبين التاريخ أنه يمكن معالجة تلك المشاكل على أفضل وجه عن طريق حكومة ديمقراطية من اختيار الشعب، وليس دولة سلطوية من حزب واحد تلجأ إلى العنف كلما وقعت في أزمة، مثلما فعلت بكين في ميدان تيانانمن وكما تفعل في هونج كونج.

الخلاصة
كما رأينا من استعراضنا لتجارب إسرائيل والهند والمملكة المتحدة، كان النظام الاقتصادي الذي يعمل على أفضل وجه لصالح أكبر عدد من الناس ليس الاشتراكية بضوابطها المركزية ووعودها الطوباوية واحتكارها لنفسها أموال الناس الآخرين، بل نظام السوق الحر بتشديده على المنافسة والمبادرة. جميع الدول الثلاثة جربت الاشتراكية طوال عقود، وجميع الثلاثة نبذتها في النهاية لأبسط الأسباب- أنها لا تعمل.

الاشتراكية مريضة بوهم قاتل: هي تعتقد أن منظومتها الإدارية تستطيع أن تصنع قرارات لمواطنيها أفضل مما يستطيعون لأنفسهم. إنها المنتج النهائي لنبي القرن التاسع عشر الذي قد برهنت نبوءاته (مثل الاختفاء الحتمي للطبقة الوسطى) عن خطئها المرة تلو الأخرى.

وفقاً للبنك الدولي، هناك أكثر من مليار شخص قد انتشلوا أنفسهم من الفقر خلال الـ25 سنة الماضية، "أحد أعظم الإنجازات البشرية في زماننا." من هذا المليار، هناك قرابة 731 مليون صيني، و168 مليون هندي. وكان الدافع الرئيسي لهذا الانتشال من الفقر يكمن في عولمة النظام التجاري الدولي. فالصين مدينة بنجاحها لحرية التجارة التي وفرتها لها الولايات المتحدة وبقية العالم. إن الطبعة الأحدث لمؤشر الحرية الاقتصادية الصادرة عن مؤسسة هيريتيج فاونديشن تؤكد صحة الاتجاه العالمي نحو الحرية الاقتصادية: الاقتصادات المصنفة "حرة" أو "حرة في معظمها" تتمتع بدخول أعلى خمس مرات من دخول "الاقتصادات المقموعة" مثل الموجودة في كوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا.

اتضح أن المعجزة الاشتراكية الإسرائيلية كانت مجرد سراب، ونبذت الهند الأيديولوجية الاشتراكية واختارت مساراً أكثر توجهاً نحو السوق، ووضعت المملكة المتحدة مثالاً لبقية العالم بتشديدها على الخصخصة ورفع القيود. سواء كنا نتحدث حول الأوضاع في بلد زراعي بعدد سكان 1.3 مليار نسمة، أو الدولة التي دشنت الثورة الصناعية، أو دولة شرق أوسطية صغيرة يسكنها بعض من أذكى الأشخاص في العالم، في كل مرة كانت الرأسمالية تتفوق على الاشتراكية.
_________________
ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي: https://www.heritage.org/progressivism/commentary/three-nations-tried-socialism-and-rejected-it








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الافكار ستاتيكية والحياة ديناميكية
منير كريم ( 2021 / 8 / 7 - 15:43 )
شكرا للاستاذ الشهاوي على تقديم هذه المعلوملت المفيدة جدا
لقد فات مؤسسو الاشتراكية ادراك النقطتين التاليتين
الطبيعة الذاتية للانسان , ميل الانسان للتملك وسعيه الحثيث لتحقيق الذات
الطبيعة البيروقراطية للدولة , طبقة البيروقراطية التي افرزتها الاشتراكية كانت اسوء بما لايقاس من الطبقة البرجوازية فقد كانت طبقة معيقة للتقدم وطفيلية واصبحت مجرمة بحق الشعب في كثير من الاحيان


2 - النظام الأشتراكي
عبد الفادي ( 2021 / 8 / 7 - 18:00 )
انا اعتقد بأن العيب والخلل ليس بالنظام الأشتراكي اذا ما طُبّق في اغلب دول العالم ، لكن طبيعي ان هذا النظام لن يعيش طويلا عندما يكون مطوق بأنظمة دولية رأسمالية منافسة ومناهضة له ، القضية ليست من يكون الأفضل في التنمية الأقتصادية بل الأفضلية تكون للنظام الذي يخدم الإنسان ويحافظ على كرامة الجميع بدون خلق طبقات في المجتمع خاصة وان النظام الأشتراكي لا يتعارض ان يكون نظام ديمقراطي ، وإن كان الإنسان يحب التملك بالفطرة فليتعلم ان ينكر ذاته من اجل الآخرين وهذا هو معنى الإنسانية التي يتميز بها الإنسان عن البهائم ، هذا ومن غير الإنصاف ان نحمل النظام الإشتراكي وزر إخفااق او سوء تصرف القائمين على ادارته ، تحياتي للجميع


3 - السلطة ام المبدأ - كوبا
منير كريم ( 2021 / 8 / 8 - 07:06 )
بعد قمع انتفاضة الشعب الكوبي شرعت مؤخرا حكومة كوبا مايلي
السماح للاستثمارات الخاصة الصغيرة والمتوسطة والتي تضم دون 100 مستخم بالعمل
ذلك انقاذا للاقتصاد الاشتراكي المتهاوي
ضحت الحكومة الكوبية بمبدأ الاشتراكية من اجل البقاء في السلطة وبدأت تسير على خطى الصين وفيتنام
الحل الجذري في اجراء انتخابات حرة ومنح الشعب الكوبي حرية لاختيار نظامه الاقتصادي
شكرا


4 - يا عمال العالم افرنقعوا
أنور نور ( 2021 / 8 / 8 - 10:51 )

https://salah48freedom.blogspot.com/2021/08/blog-post_8.html

اخر الافلام

.. #ترامب يهدي #بايدن أغنية مصورة و النتيجة صادمة! #سوشال_سكاي


.. التطورات بالسودان.. صعوبات تواجه منظمات دولية في إيصال المسا




.. بيني غانتس يهدد بالانسحاب من حكومة الحرب الإسرائيلية


.. صحفيون يوثقون استهداف طاي?رات الاحتلال لهم في رفح




.. مستوطنون ينهبون المساعدات المتجهة لغزة.. وتل أبيب تحقق