الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر... ما بين سوريا وفرنسا...

غسان صابور

2021 / 8 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


كم أتمنى زيارة البلد الذي ولدت به.. من سنين بعيدة طويلة.. والذي غادرته من ستة عقود تقريبا.. بعد أن رأيت الغبار والضباب.. وفقدان الحياة والأمل.. المهيمنة عليه.. عندما زرته لآخر مرة.. كزائر حيادي.. شعرت أنه لم يعد يشبه أي وطن أو بلد.. أو أية دولة بالعالم.. وشعرت كأي زائر غريب.. أنني لن أعود إليه... وأن نهاية أيامي.. سوف تكون بالبلد الذي اخترته.. وولدت بـه من جديد.. واخترت دراسة تناقضاته الإنسانية والاجتماعية.. وخاصة السياسية...
بالبدايات.. من السنوات الأولى.. تمكنت من اختيار جوانب هذا البلد السياسية والاجتماعية والإنسانية التي اشتهرت بها فرنسا بالستينات من القرن الماضي.. وكان الالتصاق بها سهلا.. لأنها كانت مغايرة كليا لكل ما تعلمته.. بالحياة أو بالمدرسة.. بــســوريــا.. البلد الذي ولدت به.. والذي كنت انقضه وانتقده باستمرار.. مما جلب لي مزيدا من الكركبات والمشاكل... خلقت لي متاعب وحرمانات حياة.. وخاصة حرمانات أبسط نفحات الأوكسيجين الوجودي.. سنوات وسنوات.. أيام فتوتي وشبابي وأول أيام رجولتي.. حتى اضطررت للهجرة.. بعيدا... بعيدا... واخترت وطني الجديد.. والذي فتح لي كل مدارس الحياة.. بأشكالها الفرنسية المختلفة المتعددة.. ورغم الصعوبات.. فتحت لي معرفتي باللغة الفرنسية الطبيعية.. والتي تعلمتها هناك من أوائل أيام الطفولة... معرفة اللغة.. وخدمة والدي كضابط بالجيش الفرنسي... ومشاركته بالحرب العالمية الثانية.. بالجانب المتحرر الديغولي.. فتح لي عديدا من المجالات وصعوبات المبتدئ...
صحيح أن فرنسا.. تغيرت.. تغيرت كثيرا.. وازدادت متناقضاتها.. وترعرعت وازدهرت وسادت بها عديدة من السلبيات والصعوبات الاجتماعية... لأن العالم تطور ـ روبوتيا ـ واختفت غالب المبادئ الإنسانية.. واستبدلت بالمبادئ التجارية.. التي لا تولد من الصحيح.. أو النزيه.. أو الشريف.. أو ما يعرفه المشرقيون ببساطة.. ما يسمى " الــفــهــلــوة".. العلاقات اليوم علاقات مصالح وفهلوة.. وماذا سوف أربح؟؟؟... سياسيا واجتماعيا...
ولكنني أعشق هذا البلد... أحب هذا البلد.. بلا حدود... إذ يكفيني هؤلاء المتظاهرات والمتظاهرين.. بمئات الآلاف كل يوم سبت.. بجميع المدن الفرنسية.. من جميع الطبقات الفرنسية الاجتماعية.. وأشكالها المختلفة.. ضد عديد من القرارات الحكومية الحالية.. لمعالجة الكوفيد.. أو مشاريع التقاعد المختلفة.. أو تحديد بعض أشكال الحريات العامة.. من قرارات الحكومة او رئيس الجمهورية.. أو حتى المجلس الأعلى لدراسة وتحليل قانونية الدستور... مظاهرات تهاجم أركان الدولة ووسائل الإعلام الضخمة الديناصورية التي تخدمها...
يمكنك مهاجمة رئيس الجمهورية.. ورئيس وزرائه... ويمكنك أن تجد عشرات وسائل التعبير.. يوميا بكل بساطة... بالرغم من أن هذه الوسائل الإعلامية.. والتي كانت عالمية.. يعمل فيها مئات من الصحفيين العالميين الأحرار.. تشترى.. او بيعت من سنوات.. بيعت لميليارديرية فرنسيين أو أوروبيين.. أو مؤسسات رأسمالية ديناصورية عالمية... لا تخدم سوى من يخدم مصالحها... ولكن تبقى بهذا البلد طاقات ونوافذ تحمي حرية الفكر والحريات العامة.. وخاصة حرية التعبير...
حرية التعبير التي تبقى ديانتي الوحيدة... ولن أتغير... رغم فقداني غالب الأصدقاء......
***************
عــلــى الـــهـــامـــش :
ــ صخرة الحنين
أنا لست على الإطلاق من أنصار الحنين.. واعتقدت زمنا أنني شفيت من الحنين.. ولكنني بهذه الأزمنة العصيبة.. كلما تابعت أخبار سوريا والعراق ولبنان وفلسطين... وخاصة أخبار شعوب هذه البلدان.. وما يجري بها من فقدان أبسط حاجات الحياة... أتعب وأمرض وأثور... كا يجري من مآس ومظالم وعتمات إنسانية بالعالم... واليوم سمعت على اليوتوب أغنية فيروزية.. تغنيها الأختان الرائعتان (من أصل سـوري).. فــايــا وريحــان يـــونـــان اللتان تعيشان في السويد... واللتان جالتا عواصم العالم كله... للدفاع عن مآسي شعوب هذه البلدان الأربعة التي ذكرتها... واللتان كتبت عنهما عدة مقالات من عدة سنوات... دون أن أبكي كلما سمعت أغنياتهما الوطنية المؤلمة الحزينة... ولكن استمعت منهما ـ هذا الصباح.. وأنا أحلق ذقني أغنيتي "لبلدي وموطني"... وبكيت.. وبكيت كطفل صغير.. جائع أو مريض... يعني ــ ويا للحقيقة ــ أني لم أشــف.. من مرض الحنين...
أحي من جديد الأختين يــونــان... مع كل احترامي...
بـــالانـــتـــظـــار..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : شهادة طبيب • فرانس 24 / FRANCE 24


.. -يوروفيجن- في قلب التجاذبات حول غزة • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الذكاء الاصطناعي يفتح جولة جديدة في الحرب التجارية بين بكين


.. إسرائيل نفذت عمليات عسكرية في كل قطاع غزة من الشمال وصولا إل




.. عرض عسكري في موسكو بمناسبة الذكرى الـ79 للانتصار على ألمانيا