الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواقع بين الماضى والمستقبل فى عصر العولمة

مجدى عبد الحميد السيد
كاتب متخصص فى شئون العولمة والتكنولوجيا

(Magdy Abdel Hamid Elsayed)

2021 / 8 / 8
العولمة وتطورات العالم المعاصر


جزء كبير من أمور الحياة التى نعيشها خاصة فى منطقة الشرق الأوسط يرتبط كثيرا بالماضى خاصة فى أمور الدين والعادات والتقاليد ، بل إن مفاهيم المستقبل نفسه مرتبطة بأمور الماضى ، لإن المستقبل البعيد يعتمد كثيرا على الدين الذى يحيل أمور الحياة إلى المستقبل البعيد بعد الموت سواءً فى الجنة أو فى النار والعالم الغيبى ، مما يجعل الكثير من أعمال الواقع اليومية والحياتية ترتبط بذلك المستقبل الذى حدده الماضى ، فالكثير من الأعمال اليومية فى منطقتنا يرتبط بالحلال والحرام والتقاليد والعادات والأخلاقيات والموروث المقدس عبر مئات السنين . لقد حاول الفلاسفة والمفكرون عبر مئات السنين تفكيك العرى المقدسة التى تربط الماضى بالحاضر والمستقبل ليتحرر العقل وينطلق نحو آفاق أرحب ، وبالفعل نجح فلاسفة القرنين الماضيين فى فصل الماضى المقدس عن الحاضر والمستقبل ولكن النجاح الأكبر كان من نصيب التطور العلمى الذى جعل الفكر العالمى يصطبغ بصبغة علمية عقلية ترى الكون كله برؤية جديدة جمعت من خلالها الشرق والغرب والشمال والجنوب فأصبحت علوم الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والرياضيات علوما دولية يتعلمها كل البشر بغض النظر عن عقيدتهم وكذلك تطورت العلوم التطبيقية الزراعية والطبية والصناعية وغيرها لتصل إلى آفاق أرحب ، وبالطبع قد تتعارض تلك العلوم أحيانا مع الموروث المقدس لدى البشر أيا كان دينهم . ومما شجع العالم على الانطلاق مع الرؤية العلمية الجديدة أن شاهد ثمار تلك النهضة من خلال اكتشاف الأمراض واختراع الأدوية وابتداع أجهزة كانت يوما ما ضمن معجزات الماضى مثل الطائرات والسيارات والكهرباء والاتصالات بدون حواجز والماكينات الصناعية الآلية التى تعمل بالقوى وتنتج منتجات بكثرة بدون أيدى عاملة أو بأيدى عاملة بسيطة ، بل إن الأجهزة التى نستخدمها اليوم بصورة طبيعية كانت ضمن أحلام الماضى مثل الثلاجة الكهربية والغسالة والمكيف والبوتجاز والسخان والميكروويف والمكنسة والمروحة ، فكل الأجهزة الحديثة التى وصلتنا جعلت الإنسان الحالى فى أصغر قرية مرفها عن أعتى ملوك القرون الماضية الذى لم يستطع تبريد المياه أو تكييف الهواء. لقد حاول العلم خلال القرنين الماضيين فصل الماضى عن الحاضر والمستقبل بطريقة ساحرة تقدم السحر العلمى للبشر فتسحر عقولهم وأعينهم وتطور حياتهم الواقعية فاستجاب الكثير من سكان العالم الغربى لذلك السحر الذى اعتمد ولأول مرة فى التاريخ على العقل ولكن ...
بعد الحرب العالمية الأولى أخذ العلم طريقا اقتصاديا ودخل منطقة الصراع بين الدول حتى وصل مع الحرب العالمية الثانية إلى منطقة الانغلاق مع وصول الولايات المتحدة لقمة العالم من خلال جذب العلماء المضطهدين والطامحين من كل بقاع العالم ومحاولة اخفاء الاكتشافات والاختراعات عن العالم لتكسب عشرات أضعاف التكلفة الاقتصادية من تطبيقات العلم والتكنولوجيا ولولا وجود الاتحاد السوفيتى السابق لربما صارت الولايات المتحدة أكثر تغولا واحتكارا . الآن ونحن فى عصر العولمة حاولت الولايات المتحدة فى أول موجة عولمة استغلال الاحتكار العلمى والتكنولوجى وتشجيع مسمى الملكية الفكرية لتأخذ ثروات العالم بين أيديها وخاصة بعد أن تبنت الشركات الكبرى تلك الأفكار وساهمت كثيرا فى تحويل العلم إلى صراع اقتصادى بين الشركات المتنافسة مستغلة الجامعات والمراكز البحثية لتحقيق السبق العلمى والاحتكار الذى وصل إلى الدواء الذى يباع بعشرات أضعاف قيمته الحقيقية نتيجة حقوق الملكية الفكرية ولا يصل بالطبع إلى البشر الفقراء .
إن العولمة فى صورتها الحديثة بعد عام 2003 حاولت أن تعيد الإنسان مرة أخرى إلى العالم من خلال صعود العولمة الثقافية والاجتماعية التى جعلت الإنسان يوازن بين أفكار الماضى التى أهملها العلم فى الأديان والمعتقدات والعادات والتقاليد والثقافات وبين الأفكار العلمية التكنولوجية التى تمتلك أيضا ناصية الواقع وتتحكم فى المستقبل . إن صعود مواقع التواصل الاجتماعى بقوة بعد عام 2008 جعل الإنسان يعيد الاهتمام بالأمور اليومية الحياتية التى لم يغزها العلم بقوة والتى تتعلق بالمشاعر والأحاسيس والفنون والثقافات والعقائد والعلاقات الاجتماعية ، ونجحت تلك المواقع التى تعتبر أحد أذرع العولمة فى الوصول لتآلف غريب جعل كل البشر فى وقت واحد يعبرون ولأول مرة عن حالتهم الاجتماعية والنفسية وعن مشاعرهم وعن مشاكل أعمالهم وذويهم وعما يحبون من فنون وأدعية دينية بعضها يعود للماضى المقدس الذى حاول الكثير من الفلاسفة والمفكرين فصله عن الحاضر . إن العولمة الثقافية والاجتماعية هى التى وازنت بالفعل بين الماضى والحاضر والمستقبل بطريقة غريبة لا تعتمد على نسق واحد جامد ونظريات علمية بل على نهر يتدفق بصورة يومية ، نهر يجريه البشر بأنفسهم يحمل التغيير والتجديد حتى فى علاقة الإنسان بالماضى والحاضر والمستقبل ، نسق يتفاعل فيه البشر مع أنفسهم بلا حدود ثقافية أو اجتماعية أو جغرافية أو عرقية ، بل حتى بلا حدود للسن والجنس والأخلاق والعادات والتقاليد والعقائد . إن تلك المرحلة من العولمة قد أشار إليها البعض بأنها مرحلة انتقالية قد تمتد لعشرات السنين حتى تتآلف الثقافات والمجتمعات الإنسانية ولكنها مرحلة نعيشها فى الواقع ونتفاعل معها ما بين الحاضر والماضى والمستقبل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا جاء في تصريحات ماكرون وجينبينغ بعد لقاءهما في باريس؟


.. كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش




.. مفاجأة.. الحرب العالمية الثالثة بدأت من دون أن ندري | #خط_وا


.. بعد موافقة حماس على اتفاق وقف إطلاق النار.. كيف سيكون الرد ا




.. مؤتمر صحفي للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري| #عاج