الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد الثورة أو بين الأدواتية والداروينية السياسية ( محاولة فهم بمفاهيم الأستاذ عبد الإله بلقزيز )

أنجار عادل
طالب

(Adel Anejjar)

2021 / 8 / 10
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


خلق ما سمي إعلاميا بالأزمة السياسية في تونس نقاشا حادا بين مختلف النخب، سواء بتونس أو بباقي بلدان العالم العربي المجاورة، بمختلف توجهات هذه النخب ومواقعها ( قيادات الأحزاب السياسية، أساتذة القانون الدستوري وعلم السياسة، منظرين ومفكرين...). ولعل ما يثير الإنتباه في هذا الشأن هو كتابات بعض المفكرين الملتزمين ممن واكبوا أحداث الثورات العربية منذ إندلاعها ثم مآلاتها بعد ذلك، وممن حاولوا تفكيكها وفهمها ومحاولة الخروج بخلاصات وتصورات حول دلالاتها وإنجازاتها وأيضا أخطائها وبعض الأوهام التي قد يسوقها « القائمين » عليها، وذلك قصد مساءلة مدى قدرة هذه الأحداث الثورية على إخراج الديمقراطية من جوف الإستبداد. من بين هؤلاء المفكرين الأستاذ عبد الإله بلقزيز، المعروف بمحاضراته وبغزارة إنتاجه الفكري وببعده النقدي في التحليل والتنظير، وكذا بإهتمامه الملتزم بقضايا الإجتماع والإصلاح والإنتقال الديمقراطي ومعيقاته بالعالم العربي. وأظن أن العديد من كتاباته لم تحظى بالإهتمام الكافي في مجال النقاش الفكري خاصة بالمغرب رغم أصالتها وتناولها لمواضيع من عمق إشكالات الإصلاح والتغيير بالعالم العربي، من قبيل (الحراك الثوري، أزمة السلطة السياسية، التراث، المعارضة السياسية...).
في هذا الإطار، نجذ ضمن أحد كتب الأستاذ بلقزيز الموسوم ب : « الدولة والسلطة والشرعية » والصادر سنة 2013 - أي بعد الموجات الثورية الأولى بالعالم العربي وعلى رأسها الثورة التونسية - مسألة مهمة سماها ب « الأدواتية » و « الداروينية السياسية »، فرغم أن مفكرين آخرون سبق أن أشاروا إلى ذلك (مثلا عزمي بشارة في كتابه ما الثورة؟ )، لكن لعل ما يمز أعمال الأستاذ عبد الإله بلقزيز هو تركيزه على « ثيمات » "Thématique" مخصوصة مع ربط مقاربتها بأبعادها الشمولية. وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإن الداعي إلى إستحضار ما طرحه الأستاذ عبد الإله بلقزيز في هذا الشأن هو إبتغاء أن يسعفنا في فهم ما يجري في بتونس بعيدا عن القراءات القانونية الدستورية أو تلك المبنية على مدى التقارب أو التنافر الأيديولوجي بين أصحابها وأطراف « الأزمة ».
ينتقد الأستاذ بلقزيز في صفحات الكتاب العشرين الأخيرة وبشدة ما أطلق عليه التصور السياسوي للديمقراطية بالعالم العربي، خاصة بعد سياق الموجات الثورية الأخيرة، إذ يختزل هذا الإتجاه ( وهو الغالب) الديمقراطية إلى مجرد مسألة سياسية « تتحقق بمجرد تغيير نظام حكم وقيام نظام حكم جديد محله عن طريق الإنتخاب »[1]، فبذلك يعزل هذا الفهم الديمقراطية عن شروطها السياسية التحية الضرورية من إتفاق على مشروع جامع أو تعاقد إجتماعي، وأيضا عن شروطها (الديمقراطية) الإجتماعية والثقافية والتي لا يتوقف تحققها المادي بمجرد تحقق شروطها السياسية أو إسقاط نظام الإستبداد، بشكل ميكانيكي.
لا يتوقف نقد الأستاذ عبد الإله بلقزيز عند هذا المستوى، بل يربط هذه النزعة الإختزالية للديمقراطية "Réductionnisme" إلى مجرد مسألة سياسية بتصور أداتي أكثر إختزالية وبثلاث ظواهر سياسية «غاية في السوء والخطورة »[2].
أولا: التصور الأداتي للديمقراطية
يعتبر بلقزيز ما وصفه بالخلط الفادح بين الديمقراطية وألياتها ووسائلها - خاصة بعد نجاح بعض الثورات العربية - جزءا من التصور الإختزالي للديمقراطية في المسألة السياسية، حيث يعتقد هذا الفهم الأداتي في نظره أن الديمقراطية ليست سوى أدوات وتقنيات كالإنتخابات والتمثيل، دون إستخضار كون هذه الوساط للديمقراطية يجب أن تتكون سلفا كمشروع إجتماعي وسياسي له حوامله الديمقراطية[3].
يؤثر هذا الفهم المحدود سلبا على ما للديمقراطية من دلالات ومعاني عميقة كنظام إجتماعي - سياسي للمواطنة والحرية والمساواة[4]، مما قد يؤدي إلى أشكال جديدة للإستبداد والتسلط، بقوة شرعية صناديق الإقتراع . لذا يفرض ماسبق حسب بلقزيز الحاجة إلى نقد هذه النزعة الإختزالية للديمقراطية إلى مجرد تمثيل والمشاع سواء لدى الذين كسبو الإنتخابات أو المهزومين المتبرعين للمنتصرين بالحجة على سداد تعريفهم للديمقراطية [5].
ثانيا : ظواهر سياسية غاية في السوء
يؤدي التصور الأداتي للديمقراطية إلى توليد ثلاث ظواهر سياسية خطيرة وردت في أواخر الكتاب حسب علاقتتا التفاعلية، ويمكن بسطها كما يلي :
إنتاج مفهوم شعبوي للديمقراطية
يقود ماسبق إلى إنتاج مفهوم شعبوي (populiste) للديمقراطية، ينظر إلى الشعب كمصدر للشرعية، فالشعب وفق التصور الشعبوي للديمقراطية أقرب ما يكون إلى كيان طيب ومقدس والذي دائما على حق، فهو الصانع للتاريخ والمنجز للثورة وصاحب الكلمة المفصل في صناديق الإقتراع، وبذلك يتجاوز هذا المفهوم كون الديمقراطية هي ما يقع الإتفاق عليه من مبادئ وقواعد حديثة لتنظيم المجال السياسي .
الداروينية السياسية
يذهب صاحب كتاب ثورات وخيبات : في التغيير الذي لم يكتمل، إلى أنه في غياب العقد أو الإتفاق الإجتماعي المؤسس للمجال السياسي بعد ما سمي بربيع شعوب العالم العربي، يختزل التصور الأداتي الديمقراطية إلى مجرد منافسة إنتخابية لا تبغي غير الوصول إلى السلطة والتمكن منها، ويصبح هذا التمكن بعد ذلك شرعيا بمجرد أنه تم عن طريق صناديق الإقتراع. وبذلك يتم التأسيس لما أطلق عليه بلقزيز الداروينية السياسية البغيضة، حيث يكون البقاء للأقوى مالا وإعلاما وللمتمكن من أليات المنافسة والشعارات وصنع الأوهام، وفقا لقوانين السوق السياسية التي تكون فيها الغلبة للحوت الكبير[6].
ديكتاتورية الأغلبية
على هذا المستوى، وكتحصيل لسيادة المفهوم الأداتي للديمقراطية وما يحمله من نزعات « الشعبوية الديمقراطية » و« الدروينية السياسية »، تظهر « ديكتاتورية الأغلبية السياسية »، التي تستولي على السلطة قبل أن تحتكرها لنفسها وتستبد على باقي « الإرادات »، تحت دريعة الشرعية الإنتخابية أو شرعية صناديق الإقتراع. فالديمقراطية لا تعني هنا سوى وسيلة للإستلاء على السلطة وإحتكار السياسة والشرعية[7]، وعودة خطر إقامة تجارب آخرى رديفة لتجارب الأنظمة الإستبدادية.
بعد محاولة بسط بعض ما طرحه الأستاذ عبد الإله بلقزيز من أفكار ونقد لاذع لإختزال الديمقراطية إلى مجرد عملية سياسية شكلية وأليات تقنية، قد يظهر أن هذا الباحث عن سبل الإصلاح بالعالم العربي، يقول بتأجل الديمقراطية بهذه البلدان أوببعد تحققها وهو ما ينفيه الأستاذ بلقزيز مؤكدا بالمقابل على ضرورة عدم إستسهال الإنتقال الديمقراطي أو ما أسماه بالإمكان الديمقراطي، فالديمقراطية تاريخ وشوط تقطعه، بما هي حركة تراكمية، متدرجة...لا تنشأ من عدم،...وبناء مجتمعي شامل ومتكامل : سياسي وإقتصادي وإجتماعي وثقافي وديني، قد يأخد أجيالا[8].
بإستحضار السياقات السياسية التي عرفتها وماتزال تعرفها بعض البلدان العربية بعد الثورة، ويشار في هذا الصدد إلى ما تعيشه تونس ( النموذج العربي في التغيير السياسي )، يمكن القول أن ما أشار إليه الأستاذ عبد الأله بلقزيز في هذا الجانب، نقدا وتصحيحا، لم يستنفد دواعي الرجوع إليه بمجرد إنتهاء الموجات الثورية بالعالم العربي، بل تظهر أهميته بجلاء أثناء التحولات التي تعرفها هذه البلدان (الأزمة السياسية بتونس كنموذج)، حيث لم تقدر الأليات التقنية القانونية (الدستور، قوانين الإنتخاب ...) على تجاوز التخبطات السياسية والأزمات المتوالية بين الفرقاء السياسيين، لغياب مشروع مجتمعي متوافق عليه والشروط المجتمعية التي تقود إلى تحقيق « الإمكان الديمقراطي» بتعبير الأستاذ بلقزيز، كما لم تفي الثوراث العربية بوعودها المهدوية بميلاد واقع ديمقراطي هنا والأن بمجرد إسقاط الإستبداد. « لأن الديمقراطية لا تخرج من صناديق الإقتراع، وإنما صناديق الإقتراع نتيجة وثمرة من ثمرات المشروع الديمقراطي »[9].
[1] - عبد الإله بلقزيز، الدولة والسلطة والشرعية، منتدى المعارف، ط1، بيروت، 2013، ص 203.
[2] - نفسه، ص 199.
[3] - نفسه، ص 198.
[4] - نفسه، ص 199.
[5] - نفسه، ص 198.
[6] - نفسه، ص 201.
[7] - نفسه، ص 202.
[8] - نفسه، ص 210.
[9] - نفسه، ص 198.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.


.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو




.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza


.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع




.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب