الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحدث التونسي اختبار اضافي لطبيعة الفئات المثقفة

صلاح بدرالدين

2021 / 8 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


بداية لابد من التنويه أن تناول الاحداث في بلدان ماعرفت بثورات الربيع بموجتيه الأولى والثانية ( تونس ، مصر ، سوريا ، اليمن ، ليبيا – السودان ، الجزائر ، لبنان ، العراق ) يعتبر امتدادا لمراجعة فعل ومآل هذه الثورات ، وتعبيرا عن الاهتمام البالغ لنتائج تلك العملية الثورية المشروعة التي مازالت مستمرة منذ نحو عقد من الزمن في كثير من البلدان ، وباشكال مختلفة من المقاومة ، والتظاهرات الاحتجاجية ،والنضال السياسي ، والجماهيري السلمي المدني ، ومرشحة ان تندلع في بلدان أخرى في المنطقة ، حتى تتحقق اهداف الشعوب بالخلاص من الاستبداد ، وانتزاع الحرية والكرامة ، وإعادة بناء النظم السياسية التي تستجيب لطموحاتها .
وفي هذا السياق أرى ان النقاش الذي تحول منذ أسبوعين للأسف الى نوع من " الجدل البيزنطي " بين فئات مثقفة ، وكتاب ، واعلاميين ، بخصوص الحدث التونسي ،ماهو الا امتداد لنقطة البداية حول دور الإسلام السياسي في أسلمة ، وأخونة ، ثورات الربيع ، واخفاقه في مشروعه المدمر للمجتمع وفكرة تنظيم الدولة ، على أسس ديموقراطية حديثة ، ولكن بالفاظ وعبارات أخرى ، واللجوء الي استحضار أمثلة بعيدة عن واقع شعب تونس المتميز بين جميع اقرانه في المغرب والمشرق ، بالوعي ، والثقافة والمعرفة ، وتمتعه بنوع من التقاليد الديموقراطية والمساواة في الحقوق المدنية بين المرأة والرجل ، والتنظيم الاسري ، التي أرسى قواعدها الزعيم الحبيب بورقيبة منذ عقود ، حتى المؤسسة العسكرية والأمنية التونسية تختلف عن مثيلاتها ، وعرفت بالحيادية ، والابتعاد عن السياسة والتحزب العقائدي ، والمغامرات الانقلابية .
لايمكن باي حال تناول الحدث التونسي بشكل موضوعي ، ومنهجية علمية ، من دون اعتبار أن الأهداف الحقيقية لثورات الربيع كانت وطنية ، من اجل التغيير الديموقراطي ، وتحقيق الحرية ، وإزالة الاستبداد ، وصولا الى إعادة بناء النظام السياسي العلماني وليس الديني ، على هدى مقولة ( الدين لله والوطن للجميع ) ، وان جماعات الإسلام السياسي حاولت التسلل ، والسيطرة على مقاليد تلك الثورات بدعم النظام الإقليمي الرسمي ، ( وتجربتنا السورية ماثلة امامنا ) ، ثم أخفقت في مخططها ،ولم تعترف بالفشل حتى اللحظة رغم سقوطها ، وانكشاف نياتها السيئة التآمرية .
واستغلت الحالة التونسية التي كانت آخر قلاعها المتداعية بسبب تداعيات الأوضاع الاقتصادية ، وقلة الموارد ، واستشراف الفساد وظاهرة سرقة أموال الشعب ، ثم الازمة الصحية فيما بعد ، واستفحال الفساد الحزبي ، والإداري ، وحيادية المؤسسة العسكرية ، وطيبة الشعب التونسي ، لتحاول التشبث بالسلطة ، وممارسة – الألعاب – البهلوانية بالسياسة والتحالفات الإشكالية مع أقذر التيارات وأكثرها فسادا ، وجحودا وإرهابا ، وتنظيم خلايا وفرق للاغتيالات ، والتسلل الى المؤسسة الأمنية ووزارة الداخلية بغية تنفيذ مخططها في الوصول الى دولة دينية اخوانية ، واستخدام التضليل الإعلامي سبيلا للهيمنة ، والصراع مع المختلفين بل اكثر من ذلك أراد زعيم حزب النهضة الاخواني استثمار موقعه كرئيس لمجلس نواب الشعب لممارسة مهام السلطات التنفيذية ، وابرام الصفقات مع دول واطراف سياسية خارجية ، من وراء ظهر مؤسسات الدولة .
المشهد التونسي الذي تعددت ، واختلفت حوله الرؤى ، والاجتهادات ، بين من اعتبر قرارات ، وإجراءات الرئيس خطوة استباقية ، وقائية ، بالاتجاه الصحيح ، ومحاولة لإنقاذ العملية الديمقراطية ، وحركة علنية شفافة مدروسة ، معززة بتصريحات شبه يومية امام وسائل الاعلام ، وفي اطار القانون العام للحيلولة دون نجاح الإسلام السياسي ، وقوى الردة ، وارباب الفساد في جر البلاد الى وضع لايحمد عقباه ، ومن ضمن أطراف هذه الرؤية غالبية الشعب التونسي ، والنقابات ، والفئات الشعبية ، والشباب ، ومنظمات المجتمع المدني ، والإعلاميين وارباب الفكر والثقافة ، الذين يطالبون ويتمنون بالوقت ذاته الإسراع في تشكيل الحكومة ، واجراء انتخابات نيابية جديدة ، وهذا امر مطمئن ، وعلى كل حريص صادق احترام الرأي العام التونسي في تقرير مصيره .
هناك أيضا من اعتبر ان ماجرى بمثابة ( انقلاب عسكري على الديموقراطية التونسية التي ارساها حزب النهضة !) وبين هؤلاء جميع أحزاب وحركات الإسلام السياسي ، والاخوان المسلمين بتونس والمنطقة ، وفئات وافراد من المثقفين " اليسراويين الفوضويين " وبينهم من يريد الحفاظ على مصادر الرزق إرضاء لانظمة معينة ، مع افراد قلائل من أصحاب النوايا الحسنة ، لديها حساسية مفرطة تجاه كل حاكم ، علما ان الرئيس التونسي رجل مدني ، لا حزبي ، ولا ينتمي الى المؤسسة العسكرية .
وما يلفت النظر فيي هذا السياق موقف الدكتور عزمي بشارة كاكثر مثقف عربي تابع ثورات الربيع وكتب عنها ، من منظوره الخاص الذي قد نختلف او نتفق معه ، ، والذي تغير الى نقيضه في غضون أسبوعين فبعد مقالته النارية المنشورة في ( العربي الجديد ) التي كانت بغاية القسوة ، تضمنت كيل الاتهامات على غرار " الانقلاب ، والفردية ، والعزلة ، والطموح الشخصي " للرئيس الذي ينحدر من الطبقات الشعبية ، ونجح في الانتخابات الرئاسية باعلى الأصوات من التونسيين مباشرة ، ولم يكن ينتمي الى أي حزب ، وكان أستاذا للقانون الدستوري لنحو ثلاثين عاما .
واليوم فاجأنا الدكتور بشارة ، بتغريدة تسجل عشرة أخطاء لحزب النهضة ، وكل من قرأها توصل الى نتيجة مفادها أن المسؤوليه الكبرى في ما آلت اليه أحوال البلد تقع على عاتق هذا الحزب ، وحسب فهمي فانني اعتبر – التغريدة – نوعا من مراجعة الموقف ، وتصحيحا للموقف الناشئ من المقالة الذي اعتبره البعض متسرعة، ولم يكن ليحصل – التناقض – لو تضمنت المقالة فحوى التغريدة منذ البداية ، في كل الأحوال تونس وتجربتها تهمنا ، لانها كانت مهد ثورات الربيع ، ولابد من متابعتها ، والاجتهاد حولها .
هناك نماذج عديدة من الكتابات – الرخيصة – حول الحدث التونسي ، لاترقى الى مستوى مواقف فكرية مدروسة ، او رؤى سياسية تحظى بالاحترام ، ومن بينها كمثال ماكتبه احد أغبياء " سياسيي الصدفة " من ( أكرادنا ) يقارن بين الرئيس التونسي – قيس سعيد – ورئيس الحكومة العراقية - الكاظمي – وبين تونس والعراق ، وهما بلدان يختلفان جذريا من حيث التعددية القومية ، والمسالة الطائفية ، والتكوين الاجتماعي ، وهناك بالمقابل كتابات ، واجتهادات ، وتقييمات تعتمد المنهج العلمي ، الموضوعي ، وما احوجنا اليوم الى مثلها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طفلة صمّاء تتمكن من السمع بعد علاج جيني يجرّب لأول مرة


.. خاركيف تنزف.. فهل تُسقِط آخر المعاقل الأوكرانية؟




.. ما هو الاستثمار الأفضل في 2024؟ #بزنس_مع_لبنى


.. رفع لافتة مناصرة لفلسطين على بوابة جامعة هارفارد




.. قصف إسرائيلي يستهدف أسرة فلسطينية في حي البرازيل جنوبي مدينة