الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطائفية مأزق العراق القاتل

طلال شاكر

2006 / 8 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يوماً بعد يوم تتكشف تقاطيع الوجه البشع والكالح للطائفية، ويظهر بجلاء سافر قبحها ونذالتها وعدم انتمائها،فالقراءة النظرية والتوصيف الذهني لها يتصاغر ويتلاشى اما تطبيقاتها على الارض، فهي
عدمية، متوحشة، ضالة مفترسة، فرخص الحياة وضاَلة الانسان امام همجيتها،لم يعد بحاجة الى برهان
فالموت المجاني، يطال حياة العراقيين يومياً، دون تفريق بين ابناء هذا المذهب او ذاك، في ظل قسوة
غريبة تنفذ بأكثر الاساليب انحطاطا وبطشاً، ولاتوجد ثمة رحمة أواستفاقة ضميرعندما يستفرد بالناس وامانهم ،فالقتلة المتوحشون يستهويهم عدد الارواح التي يزهقونها فهي قرابين لهدف مقدسً يحصلون بموجبه على نقاط اخروية تؤهلهم لحيازة المزيد والمزيد من حور العين والقصور في جنة عرضها السموات والارض. اما السياسيون في الارض فسيحصلون على الكثير من المكاسب الدنيوية، مراكز
نفوذ، وزارات، مواقع مؤثرة في الحكومة، ارصدة، وجاهة مدن مقفلة. بينما العوام من أبناء الطائفتن سواءً كانوا من السنة او الشيعة تلفهم المأساة والخراب، فهم لايحظون بحول ناجعة لمشكلاتهم التي يواجهونها، بقدرما وضعتهم ظروف هذا الوباء الطائفي ، كضحايا لاكثر من جزار وفاسد وهم رهائن ، (لامراء الطوائف) في مناطقهم المقفلة، و هوبذات الوقت ينشر سمومه القاتلة في الجسد العراقي الواهن غير مكتفياً بتاجيج الحقد والضغينة بين مواطنيه، فحسب، بل سارنحو النقطة الابعد في سلم التدهور، عندما اخضع وعي وقيم المواطنة النبيلة، لاسقاطات ثقافة الانطواء وكره الاخر وقطع الصلة بين ابناء البلد الواحد، في تدمير ممنهج للثقافة الوطنية وتخريب ماتبقى من قيمها المشتركة. لقد افرزت الطائفية نوعاً من الدكتاتورية المغلفة، التي تستمرئ الدفاع عن ابناء المذهب بطريقة مضللة لتقيم وتفرض وصاية سياسية تنهض على مبدأ الطاعة والترويع وغريزة البقاء التي تشد الناس نحو الاستقطاب الطائفي، الذي في ظلاله تصادر حرية الرأي والاختيار، وهو ماكان جلياً في عملية الانتخابات، وتشكيل البرلمان، والحكومة، وماهو جاري حالياً في الكانتونات الطائفية، وهذا النوع من الاستلاب السياسي يتيح للقوى الطائفية المتنفذة من السيطرة على مقدرات الطائفة وحكمها وتسيير شؤونها بشكل تعسفي واستبدادي وهو مايتجسد في المشهد العراقي بكل فصوله، حيث الطائفية السياسية تسير بخطى ثابتة نحو انجاز مشروعها الطائفي، بعد ان أسست وتؤسس لحكم وهيمنة قوى اجتماعية وسياسية ودينية طائفية تقودها عوائل
وبيوتات دينية وتجارية وعشائرية متحالفة، تملك مليشيات وتأثيراً داخل السلطة وخارجها، وهذه الركائز تحولت في مجرى الصراع الطائفي الى مراكز نفوذ سياسي واقتصادي تتحكم في مصير البلاد والعباد والشواهد كثيرة ومعروفة ....


المشهد العراقي غريب بطبعه ومفارقاته، فهو دائماً يذكرك بقصص الف ليلة وليلة وحبكتها الحاذقة، او بروايات اجاثا كريستي الملغزة، لكن في نهاية هذه الروايات المشوقة ستحظى مسروراً، بحل شفرة أحداثها، بينما في فصول روايات مشهدنا العجيب، تفاجأ بغرابة الحلول والممكنات كما هي العادة،
فالحل والممكن يفضي الى تعقيدالمشكلة والى استشكال المخرج منها وعجز في اليات التنفيذ، فسلم الاوليات متقارب في اهميته وتاثيره، فالارهاب متعلق بالطائفية والخراب متلازم مع الفساد الاداري، وفقدان الامن في جزئه المهم نتاج الميليشيات وهلم جراً لكن الحلول والاجراءات انتقائية في التصدي لهذه المظاهربسب مشاركة الجميع في صنعها او على الاقل تغاضي البعض عنها لضعفه اوكجزء من صفقات سياسية غير مكتوبة، ويبدو ان العراقيين لم يستلهموا الدروس والعبر من تاريخهم المضني والدامي وبالتالي ظل الخلل يلازم ثقافتهم السياسية التي لم تنجز مشروعاً وطنياً دون الاتكاء على وسيط خارجي وهذا ينطبق على معضلة الطائفية وغيرها، فاليد الغريبة ينبغي عد أصابعها...! وعندما نقترب من هذه المعضلة ونحاول التصدي الى اشكاليتها والتباساتها واستشراس تداعياتها فأننا نضيع في فضاء لامحدود من المشاكل والصعوبات والتعقيدات والمناورات التي خلقتها الطائفية كواقع متجسد في كل مفصل من مفاصل الكيان العراقي ، ومن هنا سيلازمنا العجزفي معرفة الجهة التي بأستطاعتها المساهمة في بناء حل واقعي لمعضلة ألتأزم الطائفي المفجع ، نظرياً الجميع يتبرأ من الطائفية ويستنكرها، ومثالاً واقعياً على ذلك، جبهة التوافق تدينها والحوار والمجلس الاعلى والجبهة الكردستانية والتيار الصدري والحكومة والمرجعيات الشيعية والسنية وحتى مايسمى (المقاومة) وحزب الدعوة والقائمة العراقية الكل يدينونها...... ولكن الجميع يعرف ان الطائفية صارت خياراً سيا سياً عند اغلب هذه القوى التي تشكل البرلمان والحكومة ومختلف المؤسسات والتكوينات الاجتماعية فمثلاً كيف تحل معضلات مدينة البصرة وهي محكومة من حزب يحكم بأسم الطائفة وهو لايرضى بمنازعته النفوذ او اخضاع ادارته للمتابعة والمراقبة من قبل الجهات المركزية بشكل قانوني؟ وهذا ينطبق على الكثير من المحافظات وادارتها
وهنا لايعدو التبرؤ من الخطاب الطائفي وتجسيداته سوى تكتيكاً ً مخاتلا وهو مايزيد الوضع سوءً وتدهوراً فكل الخطوات السياسية التي اتخذتها الاحزاب ذات اللون الشيعي او السني عززت الطائفية واعطت الضوء الاخضر للقوى المتطرفة من الشيعة والسنة لتكريس مفاهيمها ومدها بطرق واساليب طائفية مكشوفة، ولا ادل من ذلك على مايجري في الواقع، من تلك المظاهر الطائفية، كمرتكزات واسس وتكوينات مؤثرة في جعل الطائفية خياراً سياسياً. ولعل الادوار المؤثرة التي تلعبها مؤسسات كالوقف السني والوقف الشيعي هيئة علماء المسلمين صارت بديهية في قوة تأثيرها على المسار السياسي، يأتي هذا بالترافق مع تنامي دور مختلف المرجعيات السياسي في تثبيت المشروع الطائفي وترسيخه، وظاهرةالمدن والمناطق المقفلة للشيعة وللسنة هي الفضاء الرحب لنشاط هذه ألطائفية. ان نتائج هذه المرتكزات وأثارها المدمرة قد افرز ظاهرة التهجير الطائفي القسري المهينة للمواطنة وروحها وقيمها، وربما لم يشهد تاريخ العراق مايناظرها سوءً، عندما يهجر العراقي داخل وطنه بسب انتمائه المذهبي، أنها التأسيسات الطائفية المشينة التي يجري تنفيذها بيد العراقيين، وليس بيد برايمر ومراسيمه، وذا كان هنالك من يذكرأن مراسيم برايمر هي التي مهدت للطائفية اومحظت لها كما تصور البعض اوانها مؤامرة صهيونية امريكية، فالمفارقة المرة أن يجري تطبيقها بهذا التطرف المتناهي الرهيب، واذا كانت كمينا نصب لنا فلماذا نتشبث للبقاء في هذا الكمين المهلك؟ ولماذا تتمادى النخب المتنفذة من الشيعة والسنة في نسج وترسيخ الطائفية السياسية عبر مختلف الاساليب السوداء، وقد يخطئ من يعتقد ان الحاكم السياسي بريمرقد ارسى بداياتها عندما جرى تأسيس مجلس الحكم الانتقالي عام 2003على اساس طائفي واثني وتوزيع المواقع كمحاصصات طائفية، قد يشكل هذا اعترافاً، بوجود تعددية طائفية وفي المحصلة لم يكن ذلك الاجراء ايجابياً ،غير أن هذه الامور لاتنشأ بقرارولاتتلاشى بقرار، وسيدور المرء في حلقة مغلقة عندما يقف امام ظواهر معقدة كالطائفية وينسب ظهورها واستفحالها الى مجرد مراسيم اوخطوات متسرعة من هذا الطرف اوذاك، ربما تعجل بعض ألاجراءات الخاطئة الخطوات نحو مستنقع الطائفية، غير انها لاتصنع المنظومة الفكرية والسياسية والقيمية للظاهرة الطائفية واستفحالها، وهذا مايستدعي بحث هذه المسألة المعقدة في اطارها التاريخي الملموس. ان الطائفية في صيرورتها المعقدة ظاهرة تاريخية، تنشاً نتيجة لعوامل وتراكمات عديدة ممتدة عبر قرون وقرون من السنين، ومن اهم هذه العوامل قطعاً، هو الاستحواذ والهيمنة من قبل طائفة على بقيةالطوائف ومقدراتها وعزلها، وهو ماينتج عنه عدم المساواة والظلم والانتهاكات المتكررة, مما يؤدي الى ردات الفعل التي تفجر الثورات والتمردات، التي تبنى في مجرى اتقادها ولهيبها ثقافة وتقاليد وقيم طائفية متخلفة وقاسية كأنساق فكرية وعقائدية وسياسية وطقسية، عادة ما تظهر وتتفجر في حالات الانفلات السياسي للبلد، وبخاصة في البلدان ذات المركزية العالية التشدد في ادارة البلاد، لتتحول الى تعصب وغلو وتوحش واقتال داخلي مرير يصدع البينان الاجتماعي للبلد ويخرب نسيجه، لتستقر الطائفية كظاهرة اجتماعية يصعب مواجهتها او التغلب عليها بالطرق التقليدية كألمواجهة والاخضاع بالطرق العنفية، وتاريخ العراق لايخرج من حيزهذه الصيرورة بتجلياتها التاريخية رغم محطات التهادن التي ميزت تاريخ العلاقة بين طوائفه، والذي لااريد الدخول في تفصيلاته. والسؤال الجوهري هنا كيف يتجنب الشعب العراقي مأزق الطائفية المدمر بعدان غرق البلد في مستنقعها الاسن ودخول المواطنة في ازمة محبطة وهي تتراجع اما ضغط الهوية الطائفية والاثنية؟.أن الاعتراف بوجود معضلة طائفية وهي تتفاقم يشكل خطيرللغاية، تستوجب التحرك الفعال والسريع، الذي هو واحد من بدايات الحل نحو تفكيك عناصر الازمة وحصر تمددها و منع تحولها الى حريق مدمر
يعصف بماتبقى من رمزية الدولة العراقية التي هي مرجعية المواطنة وبقاؤها، والتي غدت عاجزة اما م الارهاب الطائفي والفساد الاداري، وابتزاز الميلشيات، ومراكز القوى داخل السلطة، مما جعل دورها هشاً وتوفيقياً وليس قيادياً فعالاً عبر سلطتها، وهذا عامل رئيسي اخر في استفحال الارهاب والطائفية وتصاعد دورهما التخريبي في تدهور الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلد.
أن صور القتل على الهوية والتطهير الطائفي وتلك القسوة المفرطة، كلها دلالات قاطعة على عمق الازمة التي يعيشها المجتمع العراقي جراء التطاحن الطائفي المريع الذي أوصل الناس الى حالة الجزع واليأس.
من العسير ان تطلب حلاً لمعضلة الطائفية بطريقة اجرائية من قوى متنفذة من الطائفتين، توازنت في المواجهة السياسية الى حد ملموس، من خلال التعبئة الطائفية بشكل مباشر اوغير مباشر،وتقاسم السلطة بشكله الحالي هو نتاج الاستقطاب الطائفي بكل ما افرزه من وقائع وبالتالي ينبغي على القوى المتنفذة من الطائفتين ان يلتقوا في منتصف الطريق لوضع ميثاق وطني وليس طائفي يرسم الحقوق والواجبات بالنسبة للجميع كمواطنين عراقيين ،فالوضع لايحتمل التأجيل او المناورة. ان الطائفية وضعت العراق في
مفترق الطرق، فاًما ان يتحول الى امارات طائفية ويغرق في مستنقع الحرب الاهلية والتقسيم الذي سيجد الجميع أنفسهم وكياناتهم المغلقة بلا استثناء في دائرة الموت والتدمير اللانهائي لنتائجه،أو تختار نخبه المتنفذة حولاً عقلانية للخروج من هذا المأزق المميت، واول هذه الحلول قطعاً واهمها كأجراء فوري، هو وقف القتل والتصفيات المتبادلة على اساس طائفي، من خلال هدنة تتوقف خلالها كل الاعمال العنفية والقسرية ضد الطرف الاخر، واذا مانجحت الهدنة وتطبيقاتها، فان فكرة الحوار والتفاهم تصبح اكثر واقعية وجدوى. ان التلويح بفكرة تقسيم العراق الى ثلاث مناطق شيعية وكردية وسنية، كبديل لوقف الة الموت والقتل الطائفي المنحط،، هي فكرة لاتقل دماراً وسوءً بل أكثر بكثير عماهو جاري، وهي كمن يستبدل الاعدام شنقاً بالاعدام رمياً بالرصاص ليحض بألم اقل.على العقلاء ان يفكروا مليا وعميقاٌ قبل ان يختاروا الموت الذي يظنوه رحيماً او الاقل ايلاما ، ًقد تؤيد الاغلبية من العراقيين في النهاية فكرة تقسيم العراق، تحت وطأة ما هوجاري من خراب وموت، لكنه سيكون اختيار المرغمين الذين انهكهم، ترويع
الموتً ، وعذاب فقدان المتطلبات الضرورية الذي دمر حياة الناس من الكهرباء الى الماء الى الصحة الى أرهاب الفساد الاداري وغيره الكثير. ان الترويج لفكرة التقسيم كحل واقعي لمشكلة الطائفية في العراق ومشاكل العراق عموماً لاسيما من نخب سياسية ومثقفون ومفكرين فكرة كالحة ويائسةفي كل الاحوال. لست متعالياً ومتغافلا عن عمق المأساة والدمار الذي يعصف بالعراقيين، لكنني لا اريدهم أن يندفعوا نحو
الحل الاكثر سوءً وهلاكاً، انه ليس خياراً بين امرين يتفاوتان في ضررهما فالامريشبه من وجوه عدة خيار الموت على الحمى .....
( لامن يستبدل الموت بالحمى... بل من يستبدل الحمى بالموت..)، وهذا سيكون حل اليائسين
والخائبين الذين لايقدرون عواقب الحماقات الذي يختارونها كحل لمشاكل أوطانهم، ان الامل مازال قائماً في ايقاف نزيف الدم الطائفي وانتشال العراق من مأزقه الطائفي، فقط اذا اتمسكنا نحن العراقيين على حله وتجاوزه بأيدينا عندما نتمسك بخيار بناء دولة المواطنة الحرة والديمقراطية، دولة المساواة، وليس الدولة الطائفية الاستبدادية التي يخلقها التعصب الطائفي وفكرة التقسيم الحمقاء.....

كاتب وسياسي عراقي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ما بعد الحرب.. ترقب لإمكانية تطبيق دعوة نشر قوات دولية ف


.. الشحنة الأولى من المساعدات الإنسانية تصل إلى غزة عبر الميناء




.. مظاهرة في العاصمة الأردنية عمان دعما للمقاومة الفلسطينية في


.. إعلام إسرائيلي: الغارة الجوية على جنين استهدفت خلية كانت تعت




.. ”كاذبون“.. متظاهرة تقاطع الوفد الإسرائيلي بالعدل الدولية في