الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقالق اليباب

المثنى الشيخ عطية
شاعر وروائي

(Almothanna Alchekh Atiah)

2021 / 8 / 11
الادب والفن


إلى ماذا تنظرين أيتها اللقالق الحكيمة
إلى ماذا تنظرين بحروفٍ فارغة إلا من السكون
إلى ماذا تنظرين
ومالي أراك تقفين هكذا وكأنّ على رؤوسك الطيّارين يحومون
كأنّ أزرق الفرات لم يَفتح نوافذ عينيك على أقدام الجنود
تدوس النمل
كأنّ شمس الفرات تغرب من شرق الفرات
وكأنّ سمكات الفرات استحالت خفافيش
تطير "خبط عشواء" عاريةً من الرادارات
كأنك لست في ملاعب طفولتي
ولا تستحمّين برذاذ ضوء المياه
لا تشمّين جنون الفراش بعطر ما يتفتح من أزهار
لا توقدين النار على الشاطئ لشكر الأسماك على تبادل القبل
لا تبتسمين للأطفال يغنّون نشيد الأمل بعودة حُجّاج السماء
لا تهدين أحلامهم إلى سواء النجوم...

عن ماذا تبحثين أيتها اللقالق الجائعة
وسط حَرّاقات الوجود
في هُباب غازات البلاستيك وسواقي القار
عن ماذا تبحثين
بمناقيرك الطويلة تتوغّل في الوحول ثم ترتفع منتفضةً
كما لو انها مزامير القدر
كما لو انها نقرتْ عقرب ساعة القيامة
فالتفّت سيقانُها على سيقانها في نُثار الريش
بصوت الطلقة
عن ماذا تبحثين
بين الأرواح المتهالكة على بعضها في هذي الطّلول
تنفث رائحة الجثث في أنفاس الرياح
ولماذا لا تذهبين مع الأطفال إلى مزابل الجنود
لعلك تنقرين لقمة ذكرى عن ابتسامة ابن جيراننا
بعدما استبدل منجل الحصاد برشّاشٍ يحصد الأرواح...

إلى أين تفردين أجنحتك الثقيلة أيتها اللقالق المحتارة
في دوران هذي البكرة التي لا تتوقّف بعد انتهاء الفيلم
إلى أين تنجين بريشك بعد أن تقيّأت الأرض أحشاءها
في حمّام هذا الدم
إلى أيّ مدىً لا تصله عيونك الزرقاء تنشرينها
بعد أن خدعتْك رائحةُ أزهار ذكرى المكان
وأنت تعلمين علم اليقين أن الذكرى تأتي بلا رائحة
أن المكان لم يَعُدْ هديرَ تلك الناعورة الأليفة على نهر الخابور
لم يَعُدْ ساحةَ حصاد القمح
لم يَعُدْ حرارة خبز تنّور أمي
لم يَعُدْ عرائسَ سكّرها المنيرة آخر الليل حكايا
تفتحُ أبوابَ النجوم في سماء الدّار
لم يَعُدْ عصافيرَ شجرة التوت تنقرُ ما يُخفي براعم الجّارات
لم يَعُدْ حضنَ الخزانة
لم يَعُدْ أدراجَ أوراق أبي وساعةَ صدره السويسرية وهي تتكّ
بين أيدي مبعوث القدر
لم يَعُدْ ظُلمة صالة سينما الفردوس يُبرِق فيها زحفُ الأصابع على الأصابع
لم يَعُدْ الفردوسَ في سلام دفء حضن الفرات
إلى أين تفردين أجنحتك الثقيلة إيتها اللقالق الرؤوم
بالطفل الذي أحضرتِ من مجاهل الغياب...

على ماذا تراهنين أيتها اللقالق الضائعة
على أيّ رقمٍ أسرعَ من الضوء
على أيّ زمنٍ لم يمحُ مراياه
على أيّ كونٍ يكون
على أيّ بشرٍ لا يَنهشون
على أي قدرٍ تراهنين
وأنت ترينَ وجهَ الماضي ممرّغاً بوحول المستقبل
ترينَ وجه التاريخ كما قفاه
ترين بوّابات قيد الحاضر بلا أقفال لتفتحَ
أمام أعين الأحصنة
وأصواتَ شحذ سكاكين القبائل تصمّ الآذان
لجزّ الرقاب...

وفي أيّ ملاذ تُخبّئين جوعكِ، حيرتك، ضياعك،
في أيّ ملاذٍ لا يمحوه هذا العراء
تخبّئين حكمتكِ يا لقالقي الخائفة
من صرير جنازير الدبّابات تعجن أجساد السنابل
بدم الأرض ليتدفّق القار
في أيّة أرضٍ لا ترسل النار بمناقير هداهد الدبّابات
في أيّ كونٍ لم يُغلقْ أبوابَه بوجه قوافل المهجّرين
وفي أيّ سماءٍ
في أيّ بيت لإلهٍ لم يخلعْ التاج ويرتدي ثيابَ المتسوّلين
على أبواب ملوك صنعهم بيديه الآثمتين
في أيّ جحيم لم يَعُدْ متوفّراً هو الآخر
في أرض اليباب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??