الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا والعراق بعد صدام

عزيز الحاج

2003 / 5 / 12
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

 

بعد شهر من الحدث التاريخي الكبير المتمثل بسقوط نظام صدام، وتحرر الشعب العراقي من قبضته القمعية الدموية بفضل قوات التحالف، يعيش العراق، مجتمعا وشعبا وبلدا، مخاضا عسيرا جدا في الطريق نحو النظام الديمقراطي اللبرالي المنتظر. فلا ينتظر، وبعد عقود من سنوات القمع والرعب والعقوبات والمسخ النفسي والأخلاقي والاجتماعي والفكري، أن ننتقل بسهولة وبسرعة لأهدافنا الكبرى وأن تتحقق أماني شعبنا في الديمقراطية وحقوق الإنسان والفدرالية والتقدم الاجتماعي والاقتصادي. ومما يزيد المشكلات في هذه الفترة الانتقالية الصعبة بقاء معظم أجهزة القمع الصدامية وعصابات الفدائيين المجرمين والتنظيمات البعثية الواسعةوالقوية سالمة تقريبا ولجوؤها لمختلف المناورات والتحركات لنشر الفوضى وبث الرعب وجعل الوضع غير آمن بوهم إقناع المواطنين بأن قبضة صدام الحديدية كانت ضرورية لنشر الأمن؛ وهذا ناهيكم عن استمرار مشاكل الصحة و الماء والكهرباء والاتصالات.
إن القضية الأمنية لا تزال تحتل المشكلة الملحة الأولى وبدون معالجتها، بصرامة فإن سخط المواطنين سوف يتأجج وسوف تنحسر فرحتهم الكبرى في التاسع من نيسان.
 وثمة بعض الوقائع والظواهر غير المريحة في الإجراءات الأمريكية المتخذة حتى الآن. فرغم قناعتي بجدية النوايا الأمريكية ووعودها لشعبنا، فإنني أرى أن هناك كثيرا من الارتباك والتناقض والتخبط في الإجراءات العملية واليومية.
 لقد شنت قوات التحالف دون استعداد كاف لمعالجة حتمية وقوع الخلل الأمني الخطير في بلد تدير السلطة الشمولية القمعية كل شيء وإذ يشغل البعثيون دوائر الامن والدولة ويحتكرون حمل السلاح والامتيازات، وحيث اختزن مع الزمن حقد وكراهية شعبيان عميقان نحو السلطة وحزب البعث، برغم الخوف والرعب الشاملين بين العراقيين [ وهما لا يزالان قائمين بدرجات وأشكال مختلفة رغم سقوط النظام.] ومرد عدم الاستعداد الأمريكي هذه هو تعدد الاجتهادات داخل الإدارة الأمريكية، مما عرقل تشكيل إدارة عراقية مؤقتة قبل السقوط والاعتماد على قوات عراقية مدربة في الخارج لزجها في صيانة الأمن مع دخول قوات التحالف.
 وثير هذه المسألة الأمنية قضية شديدة الحساسية والتعقيد، ألا وهي كيفية التعامل مع البعثيين المنهارة سلطتهم والمطارد رئيسهم. وقد برزت المشكلة في حادثتين مهمتين: الأولى مظاهرة الأطباء في بغداد ضد تعيين وكيل الصحة السابق في إدارة الوزارة. واما الثانية فالاحتجاجات على إعادة رئيس جامعة بغداد لمنصبه رغم أنه كان الطبيب الخاص لصدام ورغم رفضه تحطيم تماثيل القائد المهزوم حتى جاءت قوة من "العراقيين الأحرار" للقيام بذلك.
إن إشكالية التعامل في هذه القضية المعقدة والحساسة ذات عدة جوانب. فمن جهة، هناك الرغبة الأمريكية في تشغيل أجهزة الدولة وتأمين الخدمات العامة للعراقيين. وهذه رغبة مشروعة جدا وخاصة لحل المشاكل الأكثر إلحاحا والتي تمس أمن المواطن وحاجاته الأساسية العاجلة،ومنها، عدا الصحة والماء والاتصالات الهاتفية والتلفزيونية، مشاكل الرواتب والعملة النقدية. فالقادمون من المهاجر لا يمكنهم حاليا ملأ كل الفراغ في الإدارة الحكومية وذلك للقلة العددية ولضرورة مرور وقت كاف حتى يتعرفوا على المشاكل وإدارتها ميدانيا. ومن الجهة الأخرى، فإن هناك خطورة بالغة في عودة البعثيين للمناصب قبل التوثق من ملف كل منهم ومدى مساهمته في الضلوع في الانتهاكات بحق المواطنين ودوره في الإساءات الوظيفية والمالية وغيرها، والمعايير التي تم بموجبها احتلاله للمنصب المهم. ولابد هنا من التفريق بين المناصب الكبيرة والصغيرة، وبين المؤسسات الأمنية والمدنية. وبدا لي غاية في الغرابة الإفراج عن مجموعة من فدائيي صدام من أسرى الحرب لمجرد إعطائهم وعدا شفهيا بعدم العودة لاستخدام السلاح ضد قوات التحالف وتجاهل ملف كل منهم وماضيه ،لا سيما ونعرف أن هذه الفرق النازية المجرمة قامت بانتهاكات كبيرة ضد العراقيين والعراقيين من قطع الرؤوس والاعتداء الجنسي وغيرهما من الجرائم. وأعتقد أن احتجاج الأساتذة في جامعة بغداد على إعادة رئيس الجامعة السابق مشروع وضروري حيث نعرف أن الجامعات العراقية كانت أدوات صدام لمسخ العقول وخاضعة للمؤسسات الامنية، وأنها كانت تزور الشهادات الجامعية لعدي وغيره من المتنفذين. وقد كان على إدارة كارنر أن تستشير مسبقا آراء الأساتذة قبل اتخاذ قرارها الخطير. والحالة نفسها تنطبق مع تعيين الوكيل السابق للصحة المتهم بالفساد. وكان مطلوبا تطبيق المبدأ الديمقراطي بأخذ وجهات نظر الأطباء في ندوة عامة تسبق اتخاذ القرار. والأسوأ عزلة بعض متخذي القرارات عن العراقيين أصحاب الشأن، وما وقع هنا وهناك من سلوك متعجرف في التعامل مع العراقيين. إن الدولة العراقية لا يمكن أن تدور ماكنتها من دون موظفيها وكوادرها القديمة التي تعرف المشاكل. غير أنه ينبغي التمييز والفرز الدقيقان في عملية تشسغيل الماكنة. ومن الخطر إرجاع البعثيين للوظائف الحساسة في مرافق الدولة ومؤسساتها.وقد يعاد للوظيفة موظفون كبار غير مسيئين، ولكن لوظائف أدنى وغير حساسة. إن الخضوع لمشاعر الانتقام من البعثيين كبعثيين هو أمر مرفوض ومدان، خاصة ونحن نعرف ان الكثيرين اضطروا اضطرارا للانتماء لحزب البعث أو عن انتهازية مصلحية. وفي الوقت نفسه فقد كانت معايير الترقيات الوظيفية خاضعة للولاء الأعمى والقيام بكل المهمات المطلوبة من البعثي وحتى تلك التي تمس أمن المواطنين وحريتهم وكرامتهم. وفي العقد الأخير بخاصة ملأت عناصر المخابرات المتعددة اكثر الوظائف الهامة في الدولة بما فيها المناصب الدبلوماسية. كما كنا نجد مثلا مؤسسة التصنيع العسكري توفد لبعض المنظمات الدولية كاليونسكو ممثلين لها رغم كونهم لا ينتمون لوزارات الثقافة او التربية. وقد مارست بعض السفارات العراقية في بلدان عربية وغربية أدوارا استخبارية ضد رجالات المعارضة وساهم بعضها في تنفيذ عمليات اغتيال. وتحولت الكليات وسائر دوائر الدولة في عهد صدام لمراكز أمنية فيما صارت تنظيمات حزب البعث ملحقة بالمخابرات والأجهزة الخاصة.
 إن بعض التقارير من واشنطن تتحدث عن قرار أمريكي ب"احتواء "عناصر البعث مع محاولة "احتواء" الرجالات الوطنية القادمة من الغربة. ولو صحت هذه المعلومات المقلقة فان الحاصل النهائي سيكون لمصلحة أعوان النظام المقبور الأكثر حقدا وتصميما ومناورة وتسلحا، للقيام بالمناورة لبسط السيطرة على المواقع الحساسة بانتظار " الفرصة المناسبة" للانقضاض على شعبنا وعلى نصره العظيم وجلب كوارث تكون أدهى وأكبر من كل ما عاناه شعبنا.
أجل، إن هناك حاجة ملحة لعودة كوادر الدولة القديمة وانه لا يمكن وضع جميع البعثيين في ميزان واحد. وفي الوقت نفسه، فإنه لا بد من معايير دقيقة وصارمة ولكن مرنة وعادلة، ومن دراسة الملفات بالتعاون الوثيق مع الحكومة العراقية المؤقتة في هذا الشأن، وتقديم الخبر الجديدة القادمة من المغترب، والتي تحمل عقليات جديدة وثقافة جديدة نتيجة قضائها سنوات في الدول الديمقراطية.
إن الصدامية ليست فقط موضوع أشخاص وقمع جسدي، بل وكذلك موضوع عقليات وممارسة وأفكار. ولا أستطيع تصور رؤساء جامعات قادرين [ حتى لو كانت ملفاتهم خالية من التجاوزات] على تربية وأبنائنا وبناتنا بالقيم الديمقراطية وبروح التسامح واحترام الآخر وبرفض التعصب والتزمت الدينيين والمذهبيين.

إيلاف خاص








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستارمر يتولى رئاسة وزراء بريطاينا بعد 14 عاما من حكم المحافظ


.. اشتعال النيران في منزل بكريات شمونة شمال إسرائيل إثر سقوط صو




.. ما دلالات تقدم المرشح الإصلاحي بزشكيان على منافسه المحافظ جل


.. هل يرغب نتيناهو بالتوصل لاتفاق بشأن وقف الحرب على غزة؟




.. ما الضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع إسرائيل لقبول الصفقة؟