الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في تونس انقلاب شق من منظومة الانتقال الديمقراطي أم تصحيح للمسار الثوري كما يتوهم بعض اليساريين

بشير الحامدي

2021 / 8 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


ـ 1 ـ
سنة 1956 وحتى قبل ذلك بعقود كان الاستعمار حاسما في دعم الشق البورقيبي الحداثي وسلمه إدارة البلاد. في سبعينات القرن الماضي لما ظهرت بوادر الاستقلال عن هذا الشق بوهنها وضعفها وأخطائها دعم بورقيبة حركة الاتجاه الإسلامي وسهل لها الوجود والعمل لإضعاف هذا المشروع. وفي 2011 وبسقوط الديكتاتور بن علي خير شق من البرجوازية التونسية بتوافق مع القوى الاستعمارية المرتبط بها الانتقال الديمقراطي واسناد حركة النهضة حماية لمصالحه ومصالح المرتبطين به. وها هي الأوضاع بعد عشر سنوات تبين عجز حركة النهضة على أن تكون ممثل كل فئات البرجوازية التونسية التي لم تعد تتحمل تعدد مراكز النفوذ وتبحث عن صهر كل الوكلاء في مشروع واحد تدفع بقيس سعيد إلى الواجهة لتمرر عبره مشرعها السياسي الذي لم يعد أمامها من حلّ غيره. إنها نفس المواقف ونفس الارتباطات تتداول وتتكر على مدار قرن من الزمن وستتواصل في الفوق ما لم يتمكن التحت ـ الأغلبية ـ من التحرك على قاعدة مستقلة عن الشقين البرجوازيين والقوى المرتبطة بهما والصراع ضدهما وتغيير ساحة هذا الصراع وحملها إلى مربع الاقتصادي الاجتماعي. إنه وحده المنعطف الذي بمقدوره أن يطيح بكل ترتيبات الشقين "الشقيقان العدوان" ويوجه الصراع الوجهة التي ظلت منقلبا عليها على مدار قرن من الزمن وتتجدد في كل منعطف تاريخي حاسم.
ـ 2 ـ
الانقلاب على 17 ديسمبر مكن مجمعا سياسيا (إعلاميون ـ أحزاب ـ جمعيات ـ موظفون في الإدارة ـ جهاز البوليس ـ برلمانيون...) "جيلا أول" من كثير من الامتيازات ونصّبهم ناطقين باسمه وباسم ديمقراطيته. و25 جويلية بدوره سيمكن مجمعا سياسيا جديدا قديما ذاك الذي لم يحظ بامتيازات "الجيل الأول" وجزء من الجيل الأول الذي سيركب القطار الجديد من نفس الامتيازات باسم تصحيح المسار أو الثورة الثانية ولكن في الحقيقة لا شيء سيتغير على أرض الواقع فقط هوجة وغبار وهذيان ومحاولة بائسة لدفن 17 ديسمبر في موكب جنازة بائس. فالجماهير التي خرجت يوم 25 جويلية هي كتلة سعيد وكتلة من اللبراليين المتمسكين بالانتقال الديمقراطي وبديموقراطيته لكن دون هيمنة من قبل حزب النهضة.
الجماهير التي بمستطاعها أن تغير هي التي تقع في مساحة أخرى لم نرها وقفزنا عنها وجرفنا الاصطفاف وراء وهم إسقاط النهضة من الحكم ... نعم قد تسقط النهضة من الحكم ولكن لن تزول لأنها صارت مكونا من مكونات السيستام لا تزول إلا بزواله. سعيد نفسه وتحت ضغط المانحين والأمريكان تحديدا سيكتفي بنهضة تقول نعم سيد الرئيس وواجبنا يدعونا لفضح كل ذلك ولكن ليس من داخل الهوجة بل باستقلال عنها. سعيد لم يلتجأ بشكل سافر للعسكر لأن النهضة خيرت المسايرة والحركة المستقلة غائبة وسنرى كيف سيواجه احتجاجات الناس عندما ينقشع الغبار ويرون أنهم ليسوا أفضل مما كانوا عليه.
نحن لا ننصب أنفسنا فوق الصراع أو أننا نفهم أفضل من غيرنا ولكن ندعو للذي يجب القيام به ولما تحتاجه الحركة الاجتماعية اليوم: الاستقلالية التنظيمية والسياسية عن السيستام وقوى السيستام ومواصلة مقاومتها وليس دعم من يريد تغيير المنظومة من داخلها وبأجهزتها ولصالح شق منها ضد شق آخر.
ـ 3 ـ
الانقلابات لا تكون فقط على الأنظمة "الديمقراطية"
بن علي قام بانقلاب والنظام الذي انقلب عليه لم يكن ديمقراطيا
القذافي قام بانقلاب والنظام الذي انقلب عليه لم يكن ديمقراطيا
عبد الناصر قام بانقلاب والنظام الذي انقلب عليه لم يكن ديمقراطيا
الانقلاب لعبة حسم سياسي مع الخصوم السياسيين في الأنظمة لقلب موازين القوى في هرم السلطة لصالح شق من شقوق هذه الأنظمة.
الانقلابات وفي كامل التاريخ البشري أسست للديكتاتوريات العسكرية
الانقلابات تكون أيضا على الثورات وعديدة هي الثورات التي انقلب عليها
17 ديسمبر وقع الانقلاب عليه منذ تنصيب الغنوشي الأول وفؤاد المبزع لتتولى فيما بعد هيئة بن عاشور الترتيب لمجرياته
25 جانفي المصري وقع الانقلاب عليه
وما قام به قيس سعيد هو انقلاب ليس على الديمقراطية لأنه لم تكن هناك ديمقراطية وليس على الشرعية لأنه ليس هناك من شرعية لا للبرلمان ولا للرئاسة فهي كلها مؤسسات جاء بها الانقلاب على 17 ديسمبر ولكنه انقلاب شق من المنظومة الفاسدة على شق آخر منها لأن الوفاق بين الشقين لم يعد واردا إلا بتغيير موازين القوى لصالح شق منهما.
الخوانجية كانوا أيضا يستعدون للمعركة مع سعيد والتحضير لعزله على أساس الخطأ الجسيم. ولكن سعيد كان أسرع منهم وجردهم من الوسائل التي تمكنهم من ذلك وهو البرلمان. ونجحت دوائره المخابراتية واستعلاماته في ألا يتسرب شيء مما كان أعده من إجراءات كما نجحت أيضا دائرته السياسية في تجييش الناس لحدث 25 جويلية والثورة التي ستحدث وتؤسس للجمهورية الثالثة.
الانقلاب الذي قام به سعيد هو في الحقيقة انقلاب لتأمين استمرار السيستام في وضع صارت فيه كل المؤشرات تدفع في اتجاه هبة شعبية تقلب الأمور جميعا وتكون مهامها إسقاط الانتقال الديمقراطي وكل قوى الانتقال الديمقراطي. المنظومة السياسية للانتقال الديمقراطي هي الخوانجية وسعيد والبورقيبيين و بقايا بن علي وظلالهم من التشكيلات الحزبية الأخرى.
الانقلاب وقع من داخل هذه المنظومة ومن طرف شق منها على شق آخر ولكن البعض لا يري ذلك بل يعتبر ما وقع هو تصحيح للمسار ولا يفصح عن طبيعة هذا المسار الذي شرع سعيد في تصحيحه.
صحيح أنه ليس هناك من قوة شعبية مستقلة قادرة اليوم على إزاحة الخوانجية من السلطة ولكن هل يجرنا ذلك للتموقع مع شق من السيستام انقلب على الخوانجية ليستفرد هو بالسلطة.
ـ 4 ـ
ماذا ستكون إصلاحات قيس سعيد؟ هذا إن جاز الحديث عن إصلاحات وعن مصلح أصلا؟ حتى ندعمها وندعو لدعمها؟
ماذا سيصلح بالضبط؟ وعلى من سيعتمد ليصلح؟
هل تتوهمون أن سعيد سيقترب من مسالة الثروات ومن العائلات التي تحتكر التصرف فيها منذ عقود!!!
هل تتوهمون أن سعيد سيقترب من مسالة المديونية وينجز مهمة وقف التداين ورفض خلاص الديون!!!
هل تتوهمون أن قيس سعيد سيقترب من مسألة تشغيل مليون بطال وسيكون له مشروع في هذا الخصوص!!!
هل تتوهمون أن سعيد سيقترب من الطبقة السائدة في المجتمع المسؤولة عن كل الأوضاع التي صار فيها التونسيون اليوم!!!
هل تتوهمون أن سعيد سينفذ مهمة محاسبة الفاسدين وكل من أجرم في حق التونسيين في العشر سنوات الفارطة وما قبلها!!!
هل تتوهمون أن سعيد سيطرح مسألة التعامل المتكافئ مع القوى الاستعمارية ويحقق استقلالا فعليا على كل الاصعدة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية عن هذه القوى؟!!!
أيها السادة المتخلون عن التغيير الجذري المتبنون لما دون السياسات الإصلاحية لماذا تختزلون مطالب الشعب التونسي في حل البرلمان وإسقاط الحكومة ألم تعد مطالب الشعب التونسي رحيل المنظومة كلها وقد عبر عن ذلك في كل الاحتجاجات التي شهدتها بلادنا في العشر سنوات الأخيرة.
لماذا تركتم هذه المهمة وتسابقتم لتبني مطالب شق من المنظومة حدوده نظام وحكومة بغير حزب النهضة مطالب يتبارى اليوم ممثلو الفئات الوسطى من الطبقة البرجوازية من يوسف الشاهد لحزب محمد عبو لحركة الشعب لبيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل في الدفاع عنها ويحث قيس سعيد على تحقيقها عبر جهازي الجيش والبوليس؟
لماذا كل هذا السقوط؟؟؟
أليس من الوهم أن نصدق أن طبقة سائدة في المجتمع بيدها البورصات والبنوك والمعامل والثروة والموارد وسائدة في أجهزة الدولة ومتحكمة في جهازي الجيش والبوليس يمكن أن تزاح عن الحكم دون تجريدها من امتيازاتها هذه.
أخبرونا كيف يمكن أن يحدث ذلك؟
أخبرونا متى وأين حصل ذلك وسنكون معكم ونراجع كل "أخطائنا" ونتبنى سياستكم "الراديكالية" ونتخلى عن رؤيتنا للتأسيس للتغيير الجذري؟

أوت 2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة