الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية: هدى والتينة (1)

حسن ميّ النوراني
الإمام المؤسِّس لِدعوة المَجْد (المَجْدِيَّة)

2021 / 8 / 11
الادب والفن


أشعلت هدى عود ثقاب عند عتبة باب الظلام الكثيف؛ هدى طفلة بقلب ساطع مخلوق من بهجتنا الأزلية، كان رأسها بريئا لكنه مسكون بتساؤل ثائر قلِق: "تُرى؛ ماذا يخفي صندوقها القديم الموروث عن أمها". بحدس لم يخطئ، عرفت هدى أن جدها دسَّ المفتاح بين بقايا كتاب بهتت حروفه، وتآكلت أوراقه، ملقى في حجرة مهجورة.
ريح مُعصف تزمجر. الباب ضيق واط والحجرة زريّة متعفنة في بحر رطوبة خانقة تغرق في برد قاس ممتد. انطفأت شعلة العود الصغيرة قبل أن تصل يد الطفلة المرتجفة إلى المفتاح الصدئ.
تعثرت قدم ابنة الأحد عشر عاما بكتلة حجرية ضخمة مسننة، فكادت أن تهوي على وجهها، لكنها استردت ثباتها، وحفظت توازن جسدها اللدن الممتلئ بشهوة طفولة مشوشة.
مدّت ذراعاها وتحسست أناملها المكان لعلها تصل إلى المفتاح المدفون في الكتاب المهترئ القديم. جالت أصابعها بين الأشياء المبعثرة في فوضى تختبئ فيها أمواس حلاقة أخ لها، كانت ذكورته قد شرعت تعلن عن نفسها. خنقت صرخة ألم لكي لا تفضح جرأتها المبكرة. أدمى الموس الذكري العريان، أصبع التشهد في يد هدى اليمنى. سال دم غزير منها، أحست بدفئه يغطي راحة يدها.
حاولت أن تشعل عود ثقاب جديد، أخرجت علبة عيدان الثقاب من جيب ثوبها المشدود على صدربدأ يو شي، وقبل الأوان، بأنوثة واعدة. لم تعد عيدان الثقاب صالحة للاستعمال بعد أن تخضبت بدم لا زال ينزف من إصبعها ويزحف إلى الكف الناعمة. ضمت كفها الغريق في دمه إلى بطنها فتخضبت بدم زاد فانساب فمرّ بزاويتها المختومة المحجوبة بغلالة من قماش أبيض شفاف، فتلطَّخ البياض الأزلي بموس أدمى البراءة الربانية في بحر الظلامة الذكرية.
لم يتوقف نزيف الدم الأنثوي البكر. أما هدى، فحملتها ملاك الرحمة إلى نوم عميق شفاف، فوق الأرضية العارية الخشنة للحجرة التي يصلها بالسماء المطلقة نافذة تعودت هدى أن تنام دون أن تغلقها.
قبل بزوغ فجر يوم جديد، عقدت هيئة ذكور أسرة الطفلة جلسة محاكمة عاجلة قررت حرمان هدى من متابعة دراستها، وحبسها في ركن من الحجرة التي كانت لا تزال راقدة فيها، مع إغلاق للنافذة بالطوب الأسود وإغلاق الباب من الخارج بالمفتاح الذي دسه الجد في جيب سرواله، وبعد تلاوة القرار المنسوخ عن أصل مكتوب منذ أزمان، بدأ الشروع الفوري في تنفيذه.
وفي دقائق قليلة كان الطوب غير المنسق قد بدأ يحجب هدى وراء كثافة مظلمة تمتد جذورها إلى قاع عصور الغاب البشري.
تململت الطفلة في مرقدها ولكنها واصلت النوم: "لم يبدأ النهار بعد"؛ قالت لنفسها. والحلم الذي رأته بهيج وتمنت لو عاودها؛ فلم تكن قد شاهدت غزلانا تمرح في البرية من قبل. لديها ولع بهذا الحيوان الجميل النافر الذي ينطلق في الأفق المكاني المفتوح، كما تعرف من مطالعاتها الواسعة. هدى شغوفة أيضا بزوجين من الحمام يعشعشان في ثغرة في أعلى الجدار الشرقي لغرفتها، ينحشران فيها مع زغلولين لم يكسوهما ريش بعد؛ وهي شغوفة بجروة صغيرة تكاد لا تفارقها. هدى وجروتها عضوتان في أسرة تجمع معهما شجرة من الورد الجوري البلدي ذات أغصان تتزين بورود متعددة الألوان وقوية الرائحة؛ وثعبانا أبيض لامع الجلد يسكن الحجرة التي صارت منذ اليوم سجنا جسديا للفتاة الصغيرة.
أطلقت الجروة صوت عواء حزين وخافِت بدرجة لم تقلق نوم هدى. وأخذت الحمامتان تهدلان، وفي الوقت ذاته، علا فحيح الثعبان وأحكم التفافه على بيضه.
وفي وقت الفجر قبل الصباح الأول للسجينة هدى، أبرزت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة الموالية لسلاطين العالم، خبرا قال إن أجهزة أمن الكرة الأرضية، وفي تنسيق غير مسبوق بينها؛ أجهضت أخطر مؤامرة كان هدفها الإطاحة بعروش الملوك جميعهم، الوطيدة والقديمة، وذلك قبل لحظات فقط من تنفيذها. وقالت بيانات رسمية صدرت في كل العواصم إن "عناية الله وحده هي التي أنقذت الشعوب من كارثة، كادت أن تسحق الكيان البشري برمته، وأن تهدم إنجازاته الحضارية كلها".
داعبت غزلان المنام هدى مرة أخرى.. الغزلان تنطلق ببهجة في واد أخضر مزهر ظليل تشقه أنهارا تنساب برقة على أنغام موسيقى كونية تحت سماء مفتوحة مشرقة مضيئة صافية.
****








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل


.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف




.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس