الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية: هدى والتينة (3)

حسن ميّ النوراني
الإمام المؤسِّس لِدعوة المَجْد (المَجْدِيَّة)

2021 / 8 / 11
الادب والفن


أبهجت مكالمة الحبيبة الصباحية نهاري.. منذ رحيلي قبل خمسة أشهر، من بيت لقائنا الأول، إلى هنا، حيث كانت تقيم مع عائلتها؛ وأنا أنتظرها. ستأتي لزيارة أهلها، وسيفاجئها وجودي، وستأتي لزيارتي؛ أنا واثق من ذلك... قبل انتقالي إلى هنا، انتظرتها عامين قبل ذلك منذ تزوجَت، فلم تأت؛ الآن ستأتي..
بعد أيام قليلة، من آخر زيارة قمت بها لها، في مكتب كانت تعمل فيه قبل الزواج، اتصلت بي واقترحتْ أن نترك ترتيب اللقاءات بيننا إلى مبادرات منها. وقالت أنها ستأتي لزيارتي بعد يومين: "سأفعل ذلك وحذائي فوق رقبتي"؛ قالت بلهجة تأكيديه وهي تهاتفني من الحجرة التي تقع فوق حجرة مكتبي الذي اجلس فيه الآن..
"كاذبة، لن تعود لمهاتفتي، ومثلما فعلت مع وعدها السابق، فلن تفي بوعدها الجديد بزيارتي!"، قلت في نفسي بعدما أغلقت سماعة الهاتف بعد محادثتها الأخيرة.
قالت لي ذات مرة: "أنا أكذب عندما أشعر أنني أقع في زنقة"؛
قال بصمت: "كاذبة.. الأكثرون هنا يكذبون! ولكنها الحبيبة، سأغفر لها، سأنتظرها، سأوهم نفسي أنها ستفي بوعدها، في حياة قاحلة، كحياتي، الوهم حاجة نفسية، حينما نَهِن، فالوهم أنيس حلو ومنقذ؛ وفي الواقع، أنا أعرف من خبرتي، أن الحب بين امرأة ورجل، في أكثره وهْم أو أمانيّ ظامئ لا تصمد طويلا أو كذب!"
تمزق السكون الذي كان يريم حولي بصفعة من طفل عاد من روضته لباب بيت أهله الحديدي، باب جيراني. انتبهت إلى الساعة، أدركت أن موعد رجوع هدي من مدرستها قد مر منذ وقت قصير، لكنى لم أعهد منها قبل اليوم، أن تتخلف عن العودة في الموعد المحدد دون تأخير ولو بمثل هذه الدقائق القليلة. قلبي معلق بها، وانتظر رجوعها من مدرستها بقلق. "ربّاه؛ ماذا جرى، احفظها من كل سوء وأذى يا ربّ؟!"
هممت أن أهاتف مدرستها، لعل أمرا طرأ لها واستدعي تخلفها عن عودتها عن موعدها المعهود.
امتدت يدي نحو سماعة الهاتف. توقفت قبل أن ألمسها، عندما ترامى إلى سمعي تنهيدة طفولية جاءت من جذع التينة المزروعة في الفناء الخارجي للمنزل الذي تشاركني هدى، فيه..
التينة تمتد من تحت نافذة مكتبي إلى فوق شرفة الغرفة التي كانت الحبيبة تسكنها، منها كانت تهاتفني قبل الزواج... تذكرُ التينة قبل عامين وخمسة أشهر، المهاتفة الأخيرة قبل زواجها، كانت رسالة غير خافية الدلالة على أن شيئا ما يجري تدبيره!
وعندما استقر المقام بي، في سكني الجديد، وكان الليل قد لفَّ الناس، خرجت إلى الفناء، وحضنت التينة مثلما حضنت الحبيبة ذات مرة، وطبعت قبلاتي على جذع التينة كما كنت طبعتها ذات مرة على خدي الحبيبة.. حينها صاحت إنعام: "ماذا تفعل يا أبَ الروح؟".
قالت الحبيبة بوجنتين محمرتين "أكلني!".. قلت: "مشتاق جائع وقلبي ملتاع!"
- "هدى؟! لماذا تجلسين عند جذع التينة؟! قلقت عليك يا نور قلبي، هل حدث لك سوء؟! تكلمي، ما بك، لماذا أنت واجمة، هل يؤلمك شيء، أخبريني، لا تتركي قلبي يتمزق... أنا لا أحتمل أبدا رؤيتك وأنت غير سعيدة، أنت تعرفين أنك أنت وحدك التي تملك القدرة على أن تمنحي بهجة الروح. هل فعلتُ شيئا أساءك؟!"
لدى عودتها من المدرسة، تُلقي هدى حقيبة الكتب وتندفع نحوي فترتمي علي صدري، فتلتف ذراعاي حولها وأضمها بشوق يساوي كل شوق الأمهات والآباء جميعا.. أما اليوم، فقد حدث وللمرة الأولى أن لا تدفن فيها هدى رأسها مليح القسمات، ذا الشعر الحريري، في صدري!!
وقفتْ مستندة بظهرها إلى التينة. قفزتُ من باب البيت نحوها، فيما أنا يعذبني انسياب دموعها الغزير على خديها. حضنتها بعنف وحضنت التينة معها. اهتز جسمها اللدن الطويل المضغوط بيني وبين التينة ببكاء حاد مكتوم. ألصقْت وجهي بوجهها. أجهشتُ بالبكاء. علا صوت بكائها. اختلط بكاؤها وبكائي، ثم نُحنا معا. لكن التينة ظلت جامدة. سقطت أوراق جافة منها حولنا. زقزق عصفور. رفعتُ رأسي إلى الشرفة التي ترقب ما يجري تحتها. خِلْت أن وجه الحبيبة يرتسم على الهواء وأن للهواء هفيف من صوتها، وأنه عطر من عطرها. خفضت رأسي. أمسكتْ يداي رأسَ هدى. تنهمر الدموع على خديها جداول تحرق فؤادي. فقدَ لساني مرونته. نار تشتعل في عقلي. ضغطت وجهها بوجهي. انسلختُ عما حولي. التفَّت كفُّ يدي اليمنى على جذع التينة، انزاح وجه هدى، انخلعت شفتاي منى فالتصقت بجذع التينة.. انسلَّت هدى من أمامي فاندفعت احضن التينة؛ كلا، كان قلبي يحضن الحبيبة، وكأن رأسي على صدر ها، ألثم ثدييها، وأرضع من خيالها ماء الحياة وأملأ رئتيّ بعبق الأنوثة المعتق الثائر الهائج. جالت كفاي تتحسس جذع التينة من أعلاه إلى أسفله، فيما شفتاي المخمورتان تحترقان بالنار المقدسة تجولان ولهانتين هائمتين، على جسد الحبيبة الذي تلبَّس الجسد النباتي حتى لامستُ الأرض من تحتها وهدى تراقب وهي مذهولة مما ترى. أخذتُ أهْذِي: "أين هي.. أين هي؟!" فاسمع صوتا من التينة يهمس: "طواها شارٍ... طواها المال..."
شوق، هي الآن زوجة ديب العاشرة، طلَّق سبعا منهن قبل زواجهما، وفي الأسبوع الأول من زواجهما، طلق الثامنة، وبعد أسبوع آخر، صارت شوق الزوجة قبل الأخيرة!
لكن شوق لا تدري شيئا عن شؤون زوجها، مما يقع خارج بيتها! أما ماضيه، فقد عرفته من ثرثرة نسوة زرنها، قبل أن تنكشف آخر أحباره النسائية الشرعية. ثرثرة النسوة وصفت ديب بأنه زير نساء شرعيات وغير شرعيات، وأن علاقاته الجنسية لا يحصيها تعداد!
****








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا