الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نافذة سيميائية - مناطق التقاطع بين القرآن الكريم و الأدب .

رسل ق الموسوي

2021 / 8 / 12
الادب والفن


يعد القرآن الكريم من مصادر المعرفة بالمرتبة الأساس، وأجد الغرض الأول منه المعرفة و التبصّر لقراءة العالم، كما أنّه يعدّ كهوية للإنسان والكون ، وكلّ ما ترتب على القرآن من تلاوة ودعوة إلى تدبره بالمرتبة الأهم يخرج لهذه الأغراض، فيتبعها الغرض الروحاني الذي يعقد صلة بين السماء والأرض، فمنه ارتبط بفكرة القداسة، أساس تكوّن الحصانة لفكرة المقدس تستند بكونها مرتبطة بالله تعالى مصدر لا يشوبه غبار ، فهي هنا أشبه بوضع إطار حول شيء معين، فيصبح ما داخل الإطار أمرًا مسلم به، ولا يمسّه غرض التفسير و البحث ، فخلقَت لها اعتبارات وأفكارًا جاهزة، كأنّها منطقة غير مشمولة بإشارات المرور، فانتقلت من كونها صفة مرتبطة بالعالم العلوي الإلهي إلى صفة دنيوية مرتبطة بكلّ ما هو متعلق بالدين، كالأضرحة الشريفة، إلى الأدوات داخل الأضرحة، الأدعية، المسمّيات، رجال الدين، إلى أسماء شخوص ومناطق، إلى كلّ فكرة دينية، هنا أصبح مادة مهمّة وقابلة لصبغها ، فتمّ تخريج الدين إلى غرض التجهيل وطلائه بطابع سلطوي على الأذهان، فبدت هذه الفكرة سلاحًا ذا حدّين، تتأرجّح بين المعنى أو روح الشيء وبين الشكل، حتى أخذ هذا المصطلح أو المفهوم كأحد وسائل الإخصاء الفكري.
نتفق أنّ الأدب هو من بدعة الإنسان، لكنه فيمارس أغراضًا مشتركة، حيث كما شيع، يعدّ سجل تاريخ قصير وسريع لقراءة أمّة ما، وشخصية على مستوى الفرد والجماعة.
لست بغرض المقارنة من خلال مقالتي هذه، لكني بصدد تذويب، نوعًا ما، النظرة المغلوطة عن الأدب، لا سيما الشعر، و تقريب القرآن الكريم بكونه من أهمّ الكتب ، والذي لا يخصّ مرحلة زمنية سالفة، ولا أمة واحدة فقط، وفي تراثنا نصٌّ يُنسب للنبي محمد يقول: (إن للقرآن ظهرًا وبطنًا، ولبطنه بطنًا إلى سبعة أبطن)
•لو أخذنا من زاوية الهيأة التركيبية والبنائية في القرآن والأدب، الشكل الذي تبدأ به السور وتنتهي به الكثير من الآيات نجد فيها إيقاعًا متشابهًا يماثل السجع، ففي الآيات القرآنية في علم البيان ذلك يعرف "بالفاصلة"، وفاصلة في الآية تقابل السجع في النثر وقافية البيت في الشعر، ويفرق أيضًا أنّ هناك فرقًا بين الفاصلة والسجع، فالسجع هو الذي يقصد في نفسه ثم يحيل المعنى عليه، والفواصل على عكس ذلك؛ إذ تأتي تابعة للمعاني وتكون جزء لا يمكن فصله عن الآية ، فبتوضيح للباحث التاريخي والمختص نولدكه أنّ محمدًا لا يلفظ الفتحتين اللتين يجب التلفظ بهما في نهاية الآية في سورة المجادلة كمثال في آية (58:2)
((الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ الَّلائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ))
فهو يُخفي الكسرتين أو الكسرة والياء في الأفعال أو المفردات التي تنتهي بياء أو واو، ويمدّ الفتحة في نصب الأسماء جاعلا منها ألفًا كما في القافية الشعرية، فيُخفي ياء المتكلم المفردة تمامًا أو إلى "ييه"، فهو يذهب إلى أبعد من هذا إلى استعمال الفواصل حروفًا صامتة متشابهة، لا سيما النون والميم.
وهنا نقع أمام سؤال مهم: إذا كان الغرض من نفي وجود السجع وتسميته بالفاصلة هو عدم تطريب وتلحين الآي الكريم ، فلماذا صدر فعل التجويد والتلاوة، وأعني بذكري للتجويد هو التركيز اللغوي على هيأة وتركيب المفردة، وإخراجها بلفظها الصحيح، وهذا يدلّ على ضرورة الإيقاع الذي يتبع المفردة، فكما نعرف أن لكلّ مفردة - سواء كانت شعرًا أم نثرًا- ضمن الفن أو الحديث العادي وفي الحياة اليومية لها أبعادًا ووقعًا موسيقيًا، وهنا أيضًا تترتب عليه معنى الإيقاع من النوع هذا في الآي الكريمة، فبداية ظهور الإيقاع الموسيقي في الشعر العمودي تقنن على يد الخليل بن أحمد حيث كان من خلال التقاطه للأصوات في الأسواق والطبيعة، هذا يوصلنا إلى ذات الشيء، كذلك دراسة المقامات، فضلًا عن وجود معاهد موسيقية للتدريب لتظهر الآيات القرآنية بهذه التركيبة العذبة للمسمع، اذا لم يكن هناك مهابة جمالية وضرورة هذه الطريقة في القالب البنائي و ترابطه ؟! خصوصًا قوله تعالى للنبي محمد (اقرأ باسم ربك الذي خلق)
"سورة العلق 1"..

في بعض التفسيرات يأتي فعل اقرأ على أنه التلاوة أو التفكّر أو الفهم، وليس فعل القراءة المجرّد، وفي قراءة أخرى إنّ محمدًا (ص) كان يعرف القراءة حين نزول الوحي عليه برغم أنّه نُعِت بالنبي الأمّي، فهنا قد لا يقصد عدم القدرة على القراءة، بل كان يعني الفهم أو التلاوة، أي "عقل الشيء"، ثم ماذا عن وجود أحكام الغُنّة في علم التجويد! أليس تعريف الغُنة هو خروج رنين الحرفين الميم والنون من الخيشوم، فيصدر نوع من الإيقاع الصوتي التلحيني!
فالمقصد ليس تغير التسميات و أنما منطقة التي تتقاطع عندها الضرورة على المحال فيها من معنى وغرض .

الإشكال الذي يتجبجب ويتحفظ عليه الكثير من الباحثين هو إنه كتاب مقدّس، وكلامه منزّل من الله تعالى، وهذا يقع على عاتق الفهم القاصر والمفاهيم المحرّمة للموسيقى واللحن والتنغيم بالمجمل ومدى ارتباطهم بكلّ تفصيلة في الحياة ، كما هو نافع فهو أيضًا ضارّ كما أشرنا أعلاه،
ثم لماذا ننسى أنّ اللحظة التي يتشكّل فيها الشعر تطلب نوعًا من الموهبة أو الهبة من جانبها الروحي لشخص دون آخر لعلّي أستطيع تصوير هذه اللحظة بأنّه شيء سماوي يعبّر من اللاوعي إلى الوعي على هيأة حكمة أو موعظة أو مديح أو غيره من الأغراض بهذه الطريقة الجميلة وإن احتاج إلى تدريب وصقل وعمل، ففعل الكتابة ليس فعلًا يسيء لشيء لوصف به، الغاية ليست إثبات وجود أو تقويم أحد على الآخر أو إسناد له، فكما نعرف أنّ الشعر كان موجودًا قبل نزول القرآن ، فهو لا يحتاج أن يثبت وجوده على القرآن الكريم برغم أنّ شعراء صدر الإسلام تأثّروا كثيرًا بالقرآن من حيث كونه مسندًا ووقعًا روحيًا، ومازلنا إلى الآن نستند في تعبيراته اللغوية وجزالته في الكتابة في ما يتعلق في النثر، لكنّ القرآن لم يقف بالضدّ من وجود الشعر، ولاسيما في لغته وتقاطعهما معًا في الصياغة لما يشتركان بالبلاغة والجزالة ، التلاعب اللفظي والمجاز، وإلّا لِمَ وُصِف النبي محمد في بداية رسالته بالشاعر؟!
ففي الآية الكريمة (الشعراء يتبعهم الغاوون) "
سورة الشعراء 224"، أُخذت بالتجزئة كما غيرها من الآيات، فهي حالها حال أيّ آية نزلت لأجل حادثة معيّنة، فكما نعرف أنّ هناك ثوابت في الدستور القرآني، وهناك متغيّرات، فالثوابت أمور الحلال والحرام، ولها استثناءات أيضًا، فقد ورد في الحديث المعروف عن النّبي(صل الله عليه وآله): «حلالي حلال إلى يوم القيامة، وحرامي حرام إلى يوم القيامة»، وما سواهما فهو متغير مرتبط بالحدث الزمكاني، فالمراد ببساطة بهذه الآية ليست ذمّ الشعر بقدر ما توضّح أنّ القرآن ليس صنيعة البشر، ولو كان شعرًا لكان الإنسان له مقدرة على كتابة مثله، وفي الآية الأخرى (يقولون ما لا يفعلون) سورة الشعراء،
لا أجدها ذمًّا، فهو فنّ، سواء قُدّم بطريقة كتابية أو شفاهية، فحاله حال أيّ كلام حسن أو مذموم، لكن بطريقة فنّية جميلة لها امتيازها، فكما وضّح الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز أنّ كلّ قول يتبعه الغواية، وأجده لما للكلام تأثيرات وتعبيرات مرتبطة بصوت ولغة الجسد كقوله "الكتابة نظيفة والكلام متّسخ" لا نعتمده دائمًا، لكن في جانب صحيح نوعًا ما.
- مناطق التقاطع ايضا : نلاحظ بروز اللغة الخطابية في القرآن أكثر من كونها لغة شعرية، مع الإشارة أنّ الخطاب يدخل فيه الشعر، والشعر كذلك يقتحمه الخطاب، فلماذا نستسهل وصف لغة القرآن بالخطابية، ونستصعب أن نقول شعرية، فقط لأنّه سيءَ فهم الشعر واستخدامه؟! أجد أنّها لغة المراد منها المخاطبة مصاغة بطريقة مقاربة للشعرية، هذا كلّه يوصلنا إلى نقطة أنّ هناك لغة أدبية يتقاطعان عندها

لو انتقلنا لمسألة التكرار في القرآن الكريم ومدلولها، فتكرار يشمل آيًا أو كلمات أو قصصًا وأفكارًا في سورة واحدة أو عدّة سور، فمثلا تكرّرت آية (فبأيّ آلاء ربكما تكذّبان) في سورة الرحمن، وكذلك (إنّ مع العسر يسرًا) في سورة الشرح، وكذلك قصّة موسى وبني إسرائيل والطوفان وغيرها من القصص والآيات والتي تخرج في كلّ مرة بغرض معين، وبغضّ النظر عن أغراضها، فسمة التكرار سمة أدبية لما يترتب عليها من أبعاد إيقاعية للمفردة في المعنى والتأثير.

•اللغة كونها هي المادة الأساسية في بنية التشكيل الأدبي والقرآني، لذا سنتطرق من جانبها
فتجلّي فكرة الأسطورة في القرآن الكريم مع الأدب،
علينا أولًا ان نفهم عقل الإنسان، وفكرة الأسطورة المهيمنة فيه حضورا وتأثيرا و أنها ليست حكاية خارقة فحسب يحب الإنسان حفظها وتداولها ويدهش لأنها مجهولة ، بل على أنّها ضرورة..
فعبر التاريخ تعتبر الأسطورة هي الأولى، ومن ثمّ أتت الفلسفة وتأسّس الخطاب العقلاني ونظرية المعرفة، هذا هو التدرّج التاريخي المُثبت.
•العقل العلمي يتقاطع مع الأسطورة، لأنّ منهجية الأسطورة هي ذاتها المنهجيَّة المتّبعة في العلم، فالأسطورة تحمل على عاتقها تفسير الظواهر الطبيعيَّة الغامضة بغية الوصول إلى النتيجة الأخيرة التي تكون غالباً تفسيريَّة، وهذه وظيفة العلم، لأنّ العلم بحدّ ذاته يفسِّر الغامض كي يصل إلى النتيجة، والتي تتلخّص بالمعرفة، وهذا فعل الأسطورة تمامًا.
اما الأسطورة وضرورتها في عقل الإنسان
ففي بحثٍ ما يوضّح في الأنثروبولوجيا كرأي جديد عن علاقة اللغة بالعقل، فالعقل ليس شيئًا مجرّدًا؛ بل فاعلية تداولية، ومن هنا لا يمكن (على الأقل في الواقع العملي) فصل اللغة عن التفكير، فالعقل يفكر في إطار جهاز مفاهيمي، يعَّبر عنه بالكلمات والألفاظ، واللغة، من ثَمّ هي ذاتها نسق عقلي.
يوضّح دي سوسير عن طبيعة اللغة ومفهوم النظام اللغوي، وهي الأطروحة التي أحدثت انقلابًا في الأدبيات، يرى أنّ اللغة مجرد علامات صوتية لا تشير مباشرة إلى الواقع الخارجي، كما كان يُظنّ في السابق؛ بل تشير إلى تصوّر ذهني، فكلمة "حصان" – على سبيل المثال - لا تشير إلى حصان معّين في الخارج، بل إلى تصوّر عن الحصان الذي يخطر في بالنا عندما نستمع حسّيًا إلى الأصوات الدالة على لفظة "حصان"، وهذا ما يفسّر كيف نستخدم اللغة للدلالة على تصورات محضة أو "أشياء" لم يسبق لنا أن رأيناها في الواقع الخارجي، برغم ذلك ندرك معناها.
وبما أنّ اللغة علامات صوتية تشير إلى تصوّر ذهني، فقد ردّها "دي سوسير" إلى علم أكبر من علم اللغة، هو علم الدلالة وبناءً عليه يمكن أن نجد البناء اللغوي نفسه في منظومات أخرى غير هاته اللغة "الملفوظة"، فالجسد مثلًا عبارة عن لغة؛ لأنّ في إيماءاته علامات يمكن أن نفسّر دلالتها إلى معنى معين، وقس على ذلك.
وهكذا يمكن تعريف الأسطورة - كما هو تعريف اللغة – على أنّها مجموعة من الرموز (العلامات) التي تشير إلى تصوّر عقلي (لا إلى واقع موضوعي)، لذا هي منظومة حسّية (من حيث التصوّر).
أن نفصل "العقلي" عن الأسطوري هذه هي النتيجة الأهمّ التي خلصت لها بعض الأطروحات الفكرية الحديثة؛ لأنّ كلًّا من اللغة والأسطورة عبارة عن مجموعة من الرموز، وما يقابلها من تصوّرات عقلية؛ لذا يسهم الفكر الأسطوري في تشكيل مفاهيمنا العقلية التي لا نستطيع أن ننتج معرفًة إلّا بها، فالتصوّرات الذهنية هي مادّة الفكر والعقل، وهو ما يؤكده فرانكفورت في قوله إنّ: التصوير الشعري الذي في الأسطورة ليس مجرّد سرد لقصة رمزية، إنْ هو إلا ثوب اختاره البدائي بعناية للفكر المجرّد، فالصور لا يمكن فصلها عن الفكر، إنّها تمثل الشكل الذي أصبحت التجربة فيه واعية بذاتها (ما قبل الفلسفة، ص18).
ولعلّ كاسيرر الفيلسوف الذي ينتمي إلى المدرسة الكانطية المجدّدة هو أهمّ من قّدم لنا نظرية معرفية متكاملة حول علاقة اللغة والأسطورة من جهة، ومن جهة أخرى علاقتهما بالفكر والعقل، ولا يكفي المجال هنا لبسط نظريته وصلتها بالأبستمولوجيا (التي تعد جوهرية في المعرفة)؛ لذا سنكتفي بنقل كلام المفكرة سوزان لانغر الذي أوردته في مقدمة طبعة الكتاب المعنون "اللغة والأسطورة".
كملخّص وافٍ لنظريته:
"إنّ اللغة التي هي أداة الإنسان الأولى للعقل تعكس الميل إلى صنع الأسطورة أكثر منه إلى العقلنة والتفكير العقلي، فاللغة التي هي ترميز للفكر تعرض نمطين مختلفين تمامًا من الفكر الذي هو في كلتا الحالتين فكر قوي وإبداعي، فهي تعبر عن نفسها في شكلين مختلفين، أحدهما المنطق الاستدلالي الاستطرادي، والآخر الخيال الإبداعي، ويبدأ الذكاء الإنساني مع التصوّر، الذي هو الفاعلية العقلية الأولى، وتبلغ عملية التصور دائما أوجها في التعبير الرمزي، إذ إنّ التصور لا يثبت ولا يحفظ به إلّا حين يتجسّد في رمز، وهكذا فإنّ دراسة الأشكال الرمزية تقدم مفتاحًا لأشكال التصوّر الإنساني، وتكوين الأشكال الرمزية – سواء أكانت لفظية أو دينية أو فنية أو رياضية، أو أيّ نمط من أنماط التعبير- هو ملحمة العقل، ويبدو أنّ أقدم هذه الأنماط يتمثّل في اللغة والأسطورة" (اللغة والأسطورة، ص11).
لهذا إذا التفكيُر الأسطوري قدر الإنسان، أن يكون كائنًا جماليًا وأخلاقيًا وميتفيزيقيًا، فإن قدره كذلك أن يكون "أسطورّي" التفكير، لذا يعرب كاسيرر عن ذلك بقوله:
"الوعي النظري والوعي العملي الجمالي وعالم اللغة والأخلاقية والأشكال الأساسية للجماعة والدولة... هذه كلّها ترتبط في الأصل بالتصورات الأسطورية – الدينية.
هنا قدّمت توضيحًا بسيطًا لارتباط اللغة والأسطورة بعقل الإنسان.
وبالملخّص، إنّ مفهوم الأسطورة ليس بضرورة أن يكون شيئًا خياليًا لا يمتّ بصلة للواقع ، كما علينا أن ندرك أنّ عقل الإنسان وفكرة الأسطورة شيء يحب الإنسان حفظه وتداوله ويدهش لأنها مجهول وغير مدرك، بل على أنها ضرورة.
في قصة النبي نوح (ع) و يسوع (ع) والاستدلال بصورة فرعون أيضًا على الرغم من أنّ نوح وعيسى وغيرهم شخصيات تاريخية اكثر من كونها أسطورية ، لكنّها ارتبطت كثيرًا بالأساطير واقتحمت رؤوس البشر ليست بالأدب أو اللوحات فنية فقط، بل أسطورة دينية تحيطها التابوهات، وهذا ما أطّرها أكثر ووثّق وجودها .
وكذلك فكرة الجنة والنار في القرآن الكريم أيضًا كما في الآيات.
الجنّة:
(وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ العظيم) "سورة التوبة 72".
والنار:
(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ* سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ)
"سورة إبراهيم 50-49".
دخل مفهوم الجنّة والنار كأحد الصور الأسطورية، وأخذت حيزًا كبيرًا من المفسرين والقصص التي تناقلت لنا منذ كنا أطفالًا كأحد صور تهديد وجزاء لبني آدم، هنا يأخذ دور المجاز والاستعارات مأخذًا مهمًّا.. هل كان يعني أنّ جهنم أو الجنان بالمعنى الظاهر؟
بغضّ النظر عن سلسلة ترابط الآيات في تفسير موضوعٍ ما كما في فكرة وعد الله بالأزواج المطهرة كحور العين أو وجود الولدان المخلّدين.
وهل النار مسلخ؟ أو مكان شواء كما تمّ تصويره؟ أم هو تعبير مجازي؟
وهل هناك فعلًا أنهار من كذا وكذا تنتظر الصالحين؟
هو ليس تشكيكًا، ولا صعب على الله تعالى، لكن فكرة لتوضيح وجود فكرة المجاز وارتباطها بالأسطورة هذا في السموات فكيف وهي بالأرض ؟!
فمن يقول إنّ مكنونات وماهية السماء هي ضمن عقل وإدراك البشر الأرضي هنا.


• ننتقل لتعدّد الأفكار بالسورة نفسها وخارجها، وهذه أيضًا سمة تتفق مع الأدب، لاسيما في القصيدة المعاصرة أعني " عدم الإلتزام بوحدة الموضوع " ، ففي الآية (76-82) من سورة القصص نرى تنقّلات مختلفة تمامًا في فكرة السورة، حتى نظن أنّ هذه الآية ليست بهذا الموضع، فكم يصادفنا هذا التحرّك، ثم نحن جميعًا نعلم أنّ كلّ تحرّك داخل القرآن يخرج لضرورة معينة.
وأيضًا على مستوى اختلاف أو تناقض في الحكم نلاحظ هنا في سورة المائدة/ آية (69): (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).. وهي تحكي عن تعددية الأديان وقبولها، كلٌّ على عمله وإيمانه، حيث يطرح ذات الموضوع بحكم آخر، ففي سورة آل عمران/ آية (85) قوله تعالى:
(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
فقد تقصد فئة معينة، وقد تدخل ضمن مسألة التناسخ، لكن الفكرة ذاتها، كما
نعرف أن زمان ومكان وسبب النزول مختلف، فلسنا بصدد التفسير، لكن لعرض وتوثيق الفكرة أعلاه.

• الجانب العاطفي في خطاب القرآن الكريم وتقاطعه مع الأدب
العاطفة، كما عرفناها والتي يجسّدها الأديب كان الإنسان في لغة تعمل عمل البساط السحري الذي ينقلنا إلى عالم يخرج عن الماديات، فليس بالمعنى وحده، وإنما يرجع إلى التأثير الفنّي والنفسي، والصورة التي يكوّنها عن طريق اختيار الألفاظ والمعاني، فالصورة الأدبية هي ثمرة عاطفة الأديب وما يشعر به في نفسه، ويكون الانتقال من اللفظ إلى المعنى، حيث نجد أنّ أسلوب القرآن تبعا لأوقات الجمع أو النزول المختلفةـ فتشي بعض المقاطع باضطراب شديد أو بجلال هادئ، نجدها في مطارح أخرى حسب بحث وإشارة المستشرق نولدكه أنّ هناك لغة عادية، أقرب إلى أن تكون نثرًا.
فعليه نلاحظ تعدد موضوعات عاطفية مثل التهديد والإكرام، موضوع يشير إلى الحزن، هناك طابع كئيب و مبكٍ في بعضها لو تدبّرنا القراءة وأخرى يبعث السرور.
كما في سورة مريم نقرأ في آية ( فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا)"23".
نجد عاطفة واضحة في هذه الآية، فدليل الحزن والكرب ببساطة يمكن استشعاره.
وفي آية (7) من سورة مريم نفسها قوله تعالى: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّ) فتون البشارة والفرح أيضًا بارز.
فالقرآن الكريم كتاب نابض، تتجسّد فيه كلّ معاني صور العاطفة بكل جوانبها
الوجدانية، والانفعالية، والإنسانية، فهو كتاب ممتلئ بالمشاعر والأحاسيس تجعلك ترسم صورة لك في كلّ أوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟