الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية: هدى والتينة (4)

حسن ميّ النوراني
الإمام المؤسِّس لِدعوة المَجْد (المَجْدِيَّة)

2021 / 8 / 12
الادب والفن


ضمها بذراعيه. أخذها إلى الفراش. ذهب في النوم ودقات قلبها الصغير تعزف نغماً هادئا يخالط صوت الموسيقى الناعم الذي ينطلق من المذياع. تصلبتْ عينا هدى في أخاديد الشيخوخة. "ما أجملك!" قالت في سريرتها. عاودتها الأحزان القديمة: "أنت أبي وأمي وكل أهلي؛ لكنها تأخذك مني، إنني أخاف أن أفقدك. أريدك لي.. لي وحدي، أنا لا أحد لي سواك!"
تقلبتْ بين ذراعيه، فتح عينيه نصف فتحة: "لماذا تجهشين بالبكاء يا نور القلب، لماذا لا تصارحيني بما يدور في صدرك، حقلا للبهجة يجب أن يظل قلبك.. هل تشكِّين في حبي لك، حياتي فارغة لا يملأها سواك، ولا معنى لها إلا بكِ أيتها الروح التي لا تفارقني.. لا تتركي قلبي يتمزق، قولي لي: ماذا أصابك، أرجوك.. أرجوك؟" وضغطها إلى صدره، وطبع قبلات شغوفة على وجنتيها وشفتيها..
عيناها تتحركان بقلق يسكن قلبها. تحاول أن تستجمع شجاعتها. تتردد.. تجربتها القاسية قتلت فيها القدرة على التعبير عما يختلج في صدرها. لا تزال صحبتها له قصيرة الزمن. تدرك أنه فتح لها قلبه بأوسع مدى يملكه أب ينبض الحب العميق في قلبه وفعله. لكن السجن المظلم الذي كانت فيه لم يرحل من نفسها، رحيله التام. كانت معصوبة العينين، وها هي فجأة في أفق النور. تحتاج إلى وقت كاف لتتكيف مع حياة الحرية والحب الذي تحس أن الرجل يبذل جهده الكبير لتوفيرهما لها.
استلقى على ظهره. ألقت رأسها علي صدره. تخللت أنامله شعرها. وفلتت عيناه في اللاشيء... الهدوء يغمرهما. ودقات قلبيهما تعزفان لحن الحب الرباني النوراني العالي. رن جرس الهاتف. توقف الرنين قبل أن يلتقط سماعة الهاتف:" هل هي؟ ههه.. لن تفي بوعدها، هذا عهدي بها؛ يشغلها عني طفلها وتنظيف أوساخها وأوساخ مال استعبدها وأعمى قلبها!". لم تفارق هدى الفراش. تكورت على نفسها، وانزلقت في النوم، ألقى غطاء عليها. أغلق باب غرفة نومهما. خرج إلى فناء البيت. أسند ظهره إلى جذع التينة، وحملق في الشرفة فوقه. قطة تموء، وعصافير تزقزق، تساءل: "أي عصفور هو الذي كان يعشعش في حجرتها قبل أن تغادرها إلى بيت زوجها؟". ترامى إلى مسامعه بكاء طفل صغير؛ قال في نفسه: "هل هو ابنها؟ هل هي هنا؟..".. "الأمر لا يعنيني، نعم، يجب أن لا يعنيني"؛ تابع..
عاود جرس الهاتف رنينه. اندفع نحوه، "لعلها هي!". وقبل أن يلتقط سماعته، كفّ الهاتف عن الرنين. كاد أن يضغط على الأرقام التي تطلب آخر رقم هاتفي طلب رقمه. توقف. تذكر أنها طلبت منه في المكالمة الهاتفية الأخيرة بينهما أن لا يفعل ذلك. وعدها حينئذ أنه لن يفعل ذلك. هي لا تفي بوعودها له؛ لكنه لن يتخلى عن أخلاق الوفاء بالوعود التي يأخذها على نفسه. هدى أمانة في عنقه! يجب أن يبقى قدوة أخلاقية لها؛ قد ينجح مشروعه الذي يرهن له نفسه؛ قد تكون هدى هي نجاحه الذي لم يحققه بعد، ولكنه لا يزال يرنو إليه!!
"الحبيبة لا تفي بوعودها؛ جميع الناس هنا لا يفون بعهودهم. وما هي غير واحدة من عامة الناس؛ ماذا أنتظر منها إذن؟!".
ضمّ التينة بين ذراعيه. ألقى رأسه على جذعها. ضغط صدره على التينة، رفع رأسه، وبشفتين ملتاعتين، طبع قبلة طويلة شغوفة ملتاعة حارقة عليها.. "ما أعذبها؟!".. عاش لحظات راوده فيها شعور حقيقي أن حبيبته حاضرة بروحها وجسدها في التينة..
القطة تموء والعصافير تزقزق وصوت المؤذن يرتفع وهدى تنادي بقلق وبصوت يرتجف ويكاد يختنق: "أين أنت.. أين أنت؟!".
****








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل