الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية: هدى والتينة (5)

حسن ميّ النوراني
الإمام المؤسِّس لِدعوة المَجْد (المَجْدِيَّة)

2021 / 8 / 13
الادب والفن


الناس مشغولون هذا اليوم بذبح البقر والغنم. اليوم عيد الأضحى. قال خطيب صلاة العيد في المسجد القريب من بيت الحبيبة: "اليوم عيد الذبح"! بعد صلاة العيد والخطبة التي تلتها، وقف الحضور وصلوا صلاة الغائب على أرواح الشهداء. المسلمون يذبحون البقر والغنم. اليهود يذبحون الفلسطينيين؛ والفلسطينيون يفجرون أنفسهم ويذبحون اليهود معهم في عمليات استشهادية ينفذها شبان يحلمون بالجنة وحورها بعد أن لم يعودوا يطيقون الذل المتراكم وضغوط الاحتلال وقسوته؛ زهدوا في الدنيا وفي نسائها.. يعتقدون في قلوبهم أن "حور العين أجمل.. وأن جنة الله خير من العيش في عذاب الهوان في الأرض."..
عاد "الأبيض" من صلاة العيد. جلس في فناء بيته الخارجي، قبالة التينة وتحت شرفة غرفة الحبيبة قبل زواجها؛ حدق في اللاشي، وغاب فيما فات.. في مهاتفة لامرأة جديدة في تاريخه النسائي الحافل والمشوش المضطرب، قال: "ربّاه.. ذُبحت هذه الليلة مرتين!"
في اليوم الأخير من دوام الموظفين قبل العيد، هاتف رجاء؛ هذا أول اتصال له بها. رجاء آخر من عرف من النساء حتى الآن. منذ أيام قليلة، عرف اسمها ومكان عملها ورقم هاتفها الوظيفي..
قال لها: "أريد أن أتحدث معك في موضوع شخصي"؛. تابع: "أعي أن الوقت ليس مناسبا للحديث في موضوع شخصي، أنت في دوامك الرسمي، وقتك لصالح العمل؛ أعي هذا؛ لكنني اضطررت إلى إجراء هذه المكالمة، ليس هناك وسيلة أخرى أمامي للحديث معك!".
- "عفواً.. ماذا تريد؟ ومن أنت؟".
- "أنا الأبيض؛ أريد الحديث معك في موضوع شخصي؛ في موضوع الزواج.. أنا آسف، الظرف غير مناسب؛ لكن ماذا أفعل؟!".
- "أنت تفاجئني! مَن أخبرك عني؛ هل رأيتني من قبل؟!".
- "كلاّ؛ لم أركِ. أحد معارفي تحدث معي عنك".
- "هل تخبرني مَن هو؟!".
- "طلب مني أن لا أذكر اسمه أمامك".
- "أذكره لي؛ سأحتفظ بهذا لنفسي؛ لا تقلق، لن أخبره أنك أفشيت السر!".
- "هل هذا وعد؟!".
- "أجل، أعدك. مَن هو؟".
- "جار لي، علِم أنني أرغب في الزواج".
- "ألم يكن من الأفضل أن يقوم هو بالتمهيد لحديثك معي؟!".
- "معذرة.. أنا أحب أن أتجه نحو هدفي بنفسي، ومثل سهم لا يحيد عن الخط المستقيم!".
- "ماذا أقول لك؟! أنت تفاجئني. أرجوك، تحدث لي عن نفسك. آسفة، آسفة.. أنا عائدة للتو من زيارة للطبيب، أصابتني نزلة برد.. إنني أصغي إليك.. تحدث لي عن نفسك؟!".
- "أنا أبيض الرأس والبشرة والقلب والدم والآلام والأحلام..".
وقال في سريرته: "ومحفظتي المالية بيضاء أيضا!؟.. وتابع:
- "كل شيء لديَّ أبيض.. وعمري ندَّ عن العدّ.. هل اليوم هو السابع من شباط (فبراير)؟!"..
- "نعم"..
- "إذن، أضيفي إلى عمري أربعة أيام"..
في الواقع. كان هذا اليوم هو اليوم الثامن من شباط.. بالحساب الدقيق كان يجب أن يقول: " أضيفي خمسة أيام".. اكتشف خطأه هذا بعد انتهاء المكالمة؛ تساءل في سريرته: "هل لإسقاط يوم من عمري قيمة؟!".. "لا قيمة لكل عمري!"؛ قال لنفسه.. تذكّر ما يتناقله الناس عن حقيقة عمر الإنسان.. "سألوا جبر بعد أن شاخ: كم عمرك؟ رد: "صفر؟!"؛ "ماذا تقول يا رجل؟!"؛ أقول: "صفر؛ العمر لا يحسب بالزمن الذي يمر علينا؛ العمر يحسب بالأيام السعيدة التي نقضيها.. وأرجوكم، عندما أموت، اكتبوا على قبري: هنا يرقد جبر الذي خرج من فرج أمه للقبر"..
وكان اليوم الأول لمعرفته بها، يوم سبت؛ يقول المنجمون إن يوم السبت ويوم الثامن من كل شهر يقعان تحت سيطرة الكوكب المسمى كوكب زحل.. وعلى ذمة المنجمين الفلكيين، فإن هذا الكوكب يدعو للتشاؤم.. ويشعر "الأبيض" بعدم الارتياح في كل يوم سبت؛ اليهود يزعمون أنه اليوم الذي استراح الرب فيه بعد أن فرغ من خلق العالم في ستة أيام..
في خلال المحادثة، أحجم عن الخوض في الحديث عن تفاصيل حياته الخاصة، كما كانت تود:
- "اعذريني.. أرجو السماح لي بتأجيل الحديث في تفاصيل حياتي الشخصية إلى الوقت الذي نتأكد فيه أننا قطعنا شوطا أساسيا في العلاقة المشتركة بيننا، لكنني أستطيع أن أؤكد لك، أنني وحيد، وأن مثَل: "هو نسيجُ وحدِه"، يصفني أبلغ الوصف، وأظن أن أجدادنا حين قالوه، كانوا يحدسون بي، وقبل عهود مديدة!"..
قال ذلك ردا عليها، حين قالت: "أعتقد أنك سبق لك أن تزوجت وأنجبت، فهل هذا صحيح؟".. ثم أضافت دون أن تمهله ليجيب: "بالتأكيد أنت متزوج، ولك أبناء.. هل يعيشون معك؟!"..
في مكالمة ليلة العيد الطويلة، قالت رجاء: أنا لست المرأة التي تبحث عنها. أنا واقعية وأبحث عن حياة عادية، مع زوج يمنحني الأمن والاستقرار والأبناء. أما أنت، فأني أحدس بغريزة النساء، وما يؤكدها مما تشي به نبرات صوتك وتأوهات صدرك، أنك رجل مختلف وحالم، قدماك في الأرض وأجنحتك منشورة في الهواء ورأسك في السماء، ومثلك لا استقرار له ولا معه!"..
- "هل أفهم من كلامك أنكِ اتخذت قرارا...؟!".
- "لا أعرف بالضبط، لكني لا أناسبك. لست امرأة شقراء ولا ذات عيون زرقاء، ولا أملك ما يغريك؟!".
- "يجب أن أراك. لا تتخذي قرارك قبل أن نلتقي. لا تذبحيني.. يكفي أن زيارتها المفاجئة لي قد ذبحتني.. هل هذه الليلة ليلة ذبحي؟! يجب أن نلتقي".
- "كيف نلتقي؟!".
- "تقومي بزيارتي في عيادتي أو أن نلتقي في مكان عام".
- "أنا لا أستطيع أن افعل هذا، قد افعله في المستقبل وأزورك كمريضة؛ أنا بحاجة إلى طبيب نفسي!".
- "لا أريد زيارةَ مريضة؛ عيادتي لا تستقبل المرضى، أنا مريضها الوحيد، وهي مكتفية بي، أنا بحاجة إلى طبيبة.. أنا ضائع منذ فقدت أمي وأهلي وبيتي ووطني، كنت طفلا لا أعي ما بي ولا ما يدور حولي. كان الأهل يهاجرون من مدينة مولدي، هربا من الحرب والموت، إلى أرض لجوئي وضياعي وغربتي.. طفل يفقد أمه وأهله وبيته وأمنه، في فوضى الحرب والرعب والهجرة.. سيغيب ما تلا من عمره، عن نفسه وعن واقع الحياة، وسيقضي عمره كله، يبحث عن امرأةٍ أمٍّ وعن أهل، وسيجني الخيبات المتواصلات!! أرجوك؛ لا تتخذي قرارا! انتظري حتى نلتقي!".
- "تعال إلى بيت أهلي، وفقا لما تقضي به التقاليد".
- "تعني أن أجيء لتقليب البضاعة! أكره هذا الأسلوب.. عندما آتي إليك في بيت أهلك، لطلب الزواج منك، فلا بد أن نكون قد اتخذنا قرارنا.. دعينا نبدأ بالحب. دعي الحب يكون نقطة انطلاقتنا، ودعيه يرعانا".
- "تريد حبا.. ثم ماذا بعد؟! أنا أريد زواجا، ومنذ اللحظة الأولى!".
- "أدرك أن مجتمعنا لن يسمح لنا بالحب دون غطاء الزواج! لا أمانع أن يشهد اثنان في وقت لاحق، على كتابة عقد زواج يكتبه مأذون.. ليكن عقد الزواج الورقي غطاءا، لا مانع عندي؛ لكني أريد حبا يبدأ من الآن، ويكبر على مر الزمان.. هذا ما أرجوه!".
- "أنت تفكر كما لو كنت تعيش في أوربا أو أمريكا!".
- "أعرف أني أعيش هنا.. قلت لا مانع عندي من أن يكون الزواج غطاء لعلاقة تجمعنا.. لكنني أريد امرأة تحبني وأحبها، حبا لا يكبل الروح ولا يقتلها فينا؛ أتدرين ما الروح؟ الروح حريتنا! أتدرين ما الحب؟ الحب حريتنا! أتدرين ما الحياة؟ الحياة حب وبهجة! أتدرين ما الحرية؟ الحرية حب وبهجة!"..
- "هل تعمل في وظيفة رسمية؟".
- "كلا؛ واشتغل الآن بكتابة رواية جديدة".
- "هل سأدخل روايتك؟!".
- "أستأذنك أن تكوني إحدى شخصياتها؟".
- "لكني لا أريد أن أكون شخصية هامشية فيها؟!".
- "آمل أن لا تكوني هامشية يا رجاء؛ هل اتفقنا على تأجيل القرار، وعلى اللقاء بعد العيد مباشرة؟".
- "أوافق على تأجيل قراري.. لكننا لم نتفق على أسلوب اللقاء.. دعنا الآن نكتفي بما قلناه؛ دعنا ننهي المكالمة، ولي طلب عندك.. خاطبني بطريقة رسمية".
- "أعدك أن افعل.. لكنني سأخالف هذا الوعد للمرة الأخيرة، وأن أنهي المكالمة، بأن أقول لك: دمت بخير يا رجائي!".
- "واترك لي شأن الاتصال بك".
- "أعدك.. ولكنني سأتصل بك يوم العيد، لأقدم تهنئتي لك به".
****








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح