الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الحكم الدكتاتوري سيء بالمطلق ؟

اسكندر أمبروز

2021 / 8 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


في عام 221 قبل الميلاد , ومع دخول حنبعل الى إيطاليا ومسح الأرض بالجيوش الرومانيّة وتهديده المباشر لروما نفسها واقتراب سقوط الدولة , حرّك السياسيون الرومان قانون الدكتاتور المعروف لديهم آنذاك , وهو المنصب الذي كان يمنح لقاضٍ للجمهورية الرومانية , حيث يُعَهد إليه بالسلطة الكاملة للدولة للتعامل مع حالة الطوارئ العسكرية أو لأداء واجب مهم معيّن.

حيث عيّنوا كوينتوس فابيوس ماكسيموس كدكتاتور مؤقّت للبلاد للتصرّف بحزم وقوّة مع الجيش القرطاجي الغازي , ورصّ الصفوف والبت في المسائل التي كانت مستعصية على قاعات البرلمان الروماني والديمقراطية الرومانيّة.

ونتائج هذا الفعل ألا وهي تعيين دكتاتور مؤقّت في وقت الأزمات , كان الحل الأمثل للتعامل مع الوضع السياسي والعسكري المزري لروما والجمهورية الرومانيّة في ذلك الوقت. وهو ما يدفعنا اليوم لطرح سؤال مهم , ألا وهو هل الدكتاتوريّات عبر التاريخ والى اليوم سلبيّة بالمطلق ؟ أم هل هناك استثنائات حميدة لها ؟

وللإجابة على هذا السؤال علينا أولاً أن نعي أن الحكم الدكتاتوري هو سلاح ذو حدّين , فمن جانب يوفّر الاستقرار والحصانة لأي دولة وكيان سياسي , ولكنّه من الجانب الآخر كثيراً وغالباً ما ينسف حرّيات الأفراد وإرادتهم السياسيّة وغالباً أيضاً ما يتحوّل الحكم الدكتاتوري الى حكم بوليسي قمعي قذر لا يأتي سوى بالخراب والفساد , ولو كان الدكتاتور فاشلاً وأحمق ومسيّر بالأيديولوجيا الباطلة كالدين الميتافيزيقي كالمسيحية أو الاسلام أو الدين المادي كالشيوعية والفاشية...الخ , فستنحدر الدولة نحو الخراب لا محالة , وحتى الأمن والاستقرار الذي قد تأتي به الدكتاتورية سيتلاشى مع الحكام المسيّرين بالخرافة والأيديولوجيا كما ذكرنا.

فالدكتاتورية تغلب عليها طبائع الاستبداد والفساد , والطبقية والعنصرية , والقمع والظلم...الخ من الأمور الفاسدة والمفسدة لأي مجتمع كان , وهذه هي القاعدة العامّة للدكتاتوريّة.

ولكن نعلم جميعاً أنه هنالك استثنائات لبعض القواعد السياسية والفلسفية , فقاعدة الدكتاتورية العامّة المذكورى آنفاً , لها استثنائاتها في التاريخ الانساني , حيث تم استعمال جوانبها الحميدة تماماً كما استعملها الرومان مع حنبعل وغيره من الأخطار المحدقة بدولتهم العريقة , ولفهم جوانب الدكتاتورية الحميدة وكيف يمكن استعمالها خير استعمال والاستفادة منها مع تفادي السلبيّات التي قد تنزلق اليها الدولة إن حلّت فيها الدكتاتورية , علينا أن ننظر الى بعض الأمثلة من التاريخ المعاصر والتي نذكر منها...

⚫ مصطفى كمال أتاتُرك.

أثناء قيادته لحرب الاستقلال التركية من عام 1919 إلى عام 1923 ورئاسته من عام 1923 إلى عام 1938 , أنجز مصطفى كمال أتاتورك إنجازات عظيمة لم يأت بمثلها سوى قلّة قليلة من البشر على مرّ التاريخ.

ومنها إزالة النفوذ الأجنبي من الأراضي التركية , وتأسيس تركيا الحديثة على شكل جمهورية. وترأس سلسلة من الإصلاحات مثل السماح للمرأة بالتصويت , وإصلاح الأراضي الزراعية , وإزالة الإسلام كدين للدولة , وتأسيس العلمانية , وتحديث اللغة والتعليم , واعتماد قانون غربي بدلاً من الشريعة الداعشية , والحفاظ على وحدة الأراضي التركية أثناء حرب الاستقلال التي كانت قد تم تقسيمها بين قوى استعمارية عديدة , وتأسيسه للحكم الديمقراطي التعددي المحكوم بانتخابات حرّة نزيهة , وحكم الشعب من بعده في الدولة حديثة العهد.

⚫ جوزيف بروز تيتو.

حافظ في سياساته الداخلية على التعايش السلمي بين دول الاتحاد اليوغوسلافي , ومرّ اقتصاد بلاده بفترة ازدهار في ظل نظام الإدارة الذاتية للعمال الذي ابتكره نائبه إدوارد كارديلج. واكتسب تيتو مزيداً من الاهتمام الدولي كزعيم رئيسي لحركة عدم الانحياز.

وعلى الرغم من احتفاظه بزمام القيادة الاسمية للحزب والدولة والجيش , فقد استخدم تيتو بمهارة سلطته الشخصية وشعبيته لإضفاء اللامركزية وعلمنة يوغوسلافيا من خلال العملية الدقيقة المتمثلة في "توحيد الاتحاد" , على النحو الذي حدده مستشاره المقرب ومعاونه فلاديمير باكاريتش.

ومنذ أوائل الستينيات , بدأ سلسلة من الإصلاحات , مثل اعتماد دستور جديد في عام 1963 , وبرنامج إصلاح اقتصادي واسع النطاق في عام 1965 , وتعديلات أخرى للدستور في أعوام 1966 و 1968 و 1971 وأخيراً اعتماد قانون جديد وهو دستور عام 1974 , والذي تم الترحيب به باعتباره بداية لمجتمع ديمقراطي ذاتي الإدارة في يوغوسلافيا.

حيث أدخلت التعديلات الدستورية لعام 1971 فكرة الرئاسة الدورية التي تتكون من ثمانية أعضاء , واحد من كل جمهورية ومقاطعة , بدلاً من مكتب الرئيس ذي النمط المركزي الكلاسيكي الذي كان موجوداً قبل اللامركزية.

وكفل دستور عام 1974 بحكم القانون "... الحق في تقرير المصير , بما في ذلك الانفصال ..." لكل جمهورية , مما قلل من سلطة الحكومة الفيدرالية المركزية على الحكومات الفردية لكل جمهورية , والذي جعل يوغوسلافيا اتحاداً كونفدرالياً حقيقياً.

⚫ لي كوان يو.

منذ استقلالها في عام 1965 , تحولت سنغافورة في غضون بضعة عقود فقط من مجتمع زراعي فقير ومتخلف نسبياً إلى أكثر دول آسيا تقدماً وواحدة من أغنى الدول , كمركز للطيران , والخدمات المصرفية الدولية , والأعمال التجارية , والسياحة , والشحن. وبالتالي , فقد أُطلق على سنغافورة لقب أحد النمور الآسيوية الأربعة , وهو اسم أُطلق على القوى الاقتصادية الآسيوية الصاعدة متمثلة بكل من سنغافورة , وكوريا الجنوبية , وهونج كونج , وتايوان.

وسيطر لي كوان يو وإدارته بشكل مطلق على السياسة السنغافورية حتى عام 1990 , بينما ظل حزبه "العمل الشعبي" في السلطة منذ ذلك الحين , ويسيطر على سنغافورة كدولة حزبية منذ ذلك الوقت.

وغالباً ما يُطلق على لي "ديكتاتور خيّر". وغالباً ما ينظر إليه بشكل إيجابي من قبل السنغافوريين لتحويله لسنغافورة الى قوّة اقتصاديّة وسياسية لا يستهان بها رغم صغر حجمها. ووصف بيتر بوبهام من صحيفة الإندبندنت للي بأنه "أحد أنجح البراغماتيين السياسيين في عصره". ومنذ استقالة لي من منصب رئيس الوزراء في عام 1990 ووفاته في عام 2015 , خضعت سنغافورة لعملية نشر وتقوية للديمقراطية مع تحسن سيادة القانون عبر السنوات الماضية.

----------------------------------------------------------------------

فكما نرى أعزّائي هذه الأمثلة هي أمثلة نادرة الحدوث فعلاً , ولا يمكن حقيقةً العثور على العديد من الحكّام الدكتاتوريين المتمتعين بصفات حميدة وخيّرة كالمذكورين سابقاً , وهذا ما يبيّن لنا مدى صدق وعِظَم هؤلاء الشخصيات النادرة بكل معنى الكلمة , فالدكتاتورية نظام فاسد طبعاً , ومن يعتلي المنصب الكلّي القوّة في دولة ما , فغالباً ما ينحدر الى الطغيان والفساد والنهب والسرقة والقمع وتوريث الحكم لعائلته كما نشهد نحن في دولنا المريضة الموبوئة بطاعون الأديان.

وطبعاً كل هذا الكلام لا يعني اقتراف هذه الشخصيات لبعض الأخطاء في أثناء حكمهم وسلطانهم , فأتاترك مثلاً لم يراعي حقوق الأكراد في الاستقلال الذاتي أو الحفاظ على تراثهم وثقافتهم , وهو خطأ من الأخطاء القليله له والذي يحسب عليه , ولكن هذه الأخطاء الجانبيّة لا تنقص من حجم الانجازات التي حققها أتاتُرك أو غيره من الحكام الدكتاتوريين الخيّرين , فهم بشر في النهاية , والتاريخ مليء بالشخصيات العظيمة التي ارتكبت بعض الأخطاء والعثرات والتي لا عصمة لأي أحد منها , ولكن ميزان التاريخ يسجّل الايجابيات والسلبيّات ومن غلبت إنجازاته الطيّبة أخطائه , حظى بالمجد والتعظيم , والعكس صحيح طبعاً.

وروعة الشخصيات الدكتاتورية الحميدة , تتجلّى في غلبة طبائعهم الخيّرة والسليمة والحميدة على فساد الدكتاتورية وإغوائها لكل من يصل اليها , ووضهم مصلحة البلاد والشعوب التي حكموها قبل أي شيء أو أي مصلحة شخصية كانت.

وهذا الأمر يبين لنا ما سبق ذكره بشكل واضح , وهو كون الدكتاتورية معدن صلب , يمكن تشكيله لحرث الأرض والانتاج والبناء , ويمكن تشكيله ليصبح سلاحاً فتّاكاً يضرب ويقتل ويقمع ويسفك الدماء , والغالب هو الاحتمال الثاني مع الأسف , وهو ما جعل الدكتاتورية نظاماً فاسداً وخطيراً , نظراً لوصول المجرمين والسّفاحين والفاسدين لها بشكل أكبر , ولكن ما أن يصل شخص خيّر للدكتاتورية , حتى تنقلب الموازين وتنهض الدول والشعوب من الرماد وصولاً الى أعلى المراتب على جميع الأصعدة.

وهذا ما نحتاجه في دولنا اليوم , فالحكم الديمقراطي لشعوب مهترئة ممسوحة العقل مسيّرة بالخرافة والدجل الديني هو الجنون بعينه ! فما نحتاجه اليوم هو دكتاتور خيّر واحد فقط في كل دولة من دول بهائم الصحراء , حتى تتغيّر الأمور نحو الأفضل بشكل لا رجعة فيه , وتحويل الأزمات الى فرص , وحلّ المشاكل بحزم والاتجاه نحو الأفضل , تماماً كما فعل الدكتاتور الروماني في الأزمنة الغابرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أجواء من البهجة والفرح بين الفلسطينيين بعد موافقة حماس على م


.. ما رد إسرائيل على قبول حماس مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار؟




.. الرئيس الصيني شي جينبينغ يدعم مقترحا فرنسيا بإرساء هدنة أولم


.. واشنطن ستبحث رد حماس حول وقف إطلاق النار مع الحلفاء




.. شاهد| جيش الاحتلال الا?سراي?يلي ينشر مشاهد لاقتحام معبر رفح