الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية: هدى والتينة (7)

حسن ميّ النوراني
الإمام المؤسِّس لِدعوة المَجْد (المَجْدِيَّة)

2021 / 8 / 13
الادب والفن


طلب من "الحبيبة" وهو يودعها أن تتصل به لطمأنته ولإخباره بما تؤول إليه مشكلتها الأسرية التي أجبرتها على ترك ابنها في بيت زوجها. سألته عن رقم هاتفه. أجاب: "مسجل على اللوحة" التي تحمل اسمه والمعلقة على بابه الخارجي بطريقة تسمح برؤيتها من الشرفة الملحقة بالغرفة التي كانت تشغلها قبل انتقالها إلى بيت الزوجية: "هل تعتقدين أن هناك هدفا من تعليق اللوحة سوى أنني أردت أن تعرفي منها وجودي هنا ورقم هاتفي؟! جئت إلى هذه البلدة لأنتظر زيارتك أو اتصالك بي من جديد".
"لماذا كانت عاطفتي هادئة خلال اللقاء الذي انتظرته طويلا وبلهفة رعناء؟!" سأل نفسه بعد خروجها: "هل بدأت "الحبيبة" ترتسم في صورة امرأة أخرى؟!".. ألحَّت عليه الرغبة في معاودة الاتصال برجاء.. أوراق التينة جفَّت.. وتتساقط أمام عينيه!! وإذا فقد رجاء؛ فسيفقد امرأة لن يجدها مرة أخرى.. هكذا يتصور؛ وكل الذين تحدث معهم بشأن رغبته في الارتباط بها، شجعوه: "لكن؛ لماذا تبدو وكأنها لا تفسح للعاطفة مساحة في نفسها؟!" أكد ذلك له الرجل الذي عرفها عن طريقه: "هل يعود هذا الغياب للعاطفة من قلبها إلى زواجات فاشلة, كان قد سبقها، حب لم يتكلل بالزواج؟!"؛ سأل نفسه..
ولم يبرحه السؤال عن أسباب برود لقائه بـ"الحبيبة"؟! هل كان مجرد اللقاء بها هو المطلوب لنفسه ولا أمل بعد ذلك يرتجى؟! هل ذهبت "الحبيبة" مع غيابها الذي طال؟! أم هل القنوط يقتل حرارة الشوق الذي ما بارحه لا قبل اللقاء ولا بعده؟! هل البرود طبيعته؟! استعاد لحظة دخولها الأول عليه: "هذه المرأة هي التي أتمناها"؛ قال لنفسه حينها.. تُرى؛ هل ما زالت هي التي يتمناها؟! "أنا لست تلك التي كنت تعرفها"؛ قالت له في اللقاء الذي انتظره طويلا.. "أنا هبطتُ إلى أسفل السافلين؛ هل تذكر ما كنت قد قلته لك: إما أن أصعد إلى فوق فوق؛ أو أهبط إلى تحت تحت!" أنا نزلت إلى تحت التحت!!".. يتقطع قلبه بعذابها على فراق طفلها.. "أتمنى أن أراه!!"؛ ولم يجاهر بما قاله في صدره: "شوقي لرؤيته يفوق شوقي لرؤيتك!! إنه طفلي؛ هو ابن "حبيبتي"؛ هل الأبوة أبوة الجينات؛ كلا!! نحن آباء للذين نودّ أن نكون لهم آباءا.. أود أن أكون أبا لأبنائي من "حبيبتي".. هذا هو الحب.. روح تتجسد في كائن من كيان الحب!!"..
صباح يوم العيد، اتصل برجاء؛ قدم لها التهنئة.. تشي نبرتها بحزن يلون نفسها ويتّشح به ما حولها. ."هذا أول عيد يمر عليَّ بعد وفاة والديّ.. أشعر أن فقدانهما ترك شرخا عميقا في نفسي، لم ينمح، وأحسب أنه لن ينمحي فيما سيأتي من الزمن.. وفاة أبي، يتمتني نصف يتم؛ وفاة أمي أكملت يتمي!!". فقدت رجاء أمها وأبيها، بين العيدين؛ تُوفي أبوها بعد عيد الفطر بعشرين يوما، وقبل أن تنتهي مراسم العزاء، لحقت به أمها!
- "التيتم من الأم هو التيتم التام.. قلبي معك.. أنا أُمك!!".
- "بل أنتَ أبي!!".
- "أمك وأبيك معا.. قبل سنوات زارتني امرأة لاستشارتي حول معاناة نفسية تعانيها، وفي آخر الجلسة سألتها: هل لك شقيقة؟ قالت: كان لي شقيقة واحدة؛ والآن لي شقيقتان؟ قلت: أرجوك توضيح ما تعنيه؟! قالت: أنتَ غدوت منذ الآن شقيقتي الأخرى.. أنت شقيقتي الكبرى!!.. أسعدني هذا الشعور جدا"؛ تساءل في نفسه: "هل أسعد رجاء أيضا ذكري لهذه الواقعة ؟ أم أستثرت غيرة النساء في صدرها؟! حماقة جديدة هذه مني قد تكون؟!!"..
في بحر المهاتفة قالت رجاء: "منذ طلاقي، آسفة، منذ ترملي من زوجي الأخير، تقدم لخطبتي عشرات الرجال.. شعرت بتفوقي عليهم جميعا.. لكنني الآن أجد أنني مقابل رجل مختلف!!"..
"مختلف؟! هذا سرُّ شقائي!!" قال في صدر تخنقه قصة فشل مديد عاناها ولم يزل في حياته المتبعثرة المتعثرة.. رد على رجاء: "عرفت عنك أنك قوية الشخصية!!".
- "هذا صحيح.. لكنني أودّ أن أكون زوجة ضعيفة لرجل قوي!!"..
قال في نفسه: "هذه نقطة لصالحي".. وتساءل في صمت: "قبل عامين، تزوجت الحبيبة من رجل غيره. قبل عامين أيضا، انفصلت رجاء عن زوجها!!".. لم ينتبه، إلى أن تاريخِيّ زواج "الحبيبة"، وطلاق رجاء من زواجها الأخير، متطابقة في الواقع!
- "هل يجري القدر يا رجاء في غفلة من المعلوم إلى هدف مرسوم غير الذي وددت بلوغه؟! لماذا ساقتني الجاريات إلى هذا المكان وقد كنت أتجه صوب وجهة أخرى؟!"..
- "أنت فيلسوف وأنا امرأة واقعية؛ أنا لست المرأة التي تبحث عنها!!"..
في بحر الحديث بينهما، قال لها أنه رومانسي؛ "وأنا رومانسية أيضا" ردت حينها.. لكن الريح الآن تخبط في الاتجاه غير المطلوب.. قالت: "أنا واقعية.. أنا واقعية.. وأنت رومانسي؛ لا اتفاق بيننا!!"؛ وبعد صمت لفّ الهاتف بين سماعتيه، عادت لتتحدث: "هل تعتقد أنني أراوغ وأتمنع لغرض إغرائك واستثارة مشاعرك وتلهفك نحوي وتعميق تشبثك بالزواج مني؟!".. لاذ بالصمت الذي تتدافع فيه نفسه نحوها ويود أن يعترف لها بأنه يحبها.. لكنه قرر تأجيل هذا الاعتراف إلى حين لقائهما الذي يتشوق إليه!!.. وتساءل وهو لا يزال سابحا في سماوات الصمت: "تُرى!! هل يهزني اللقاء بها كما هزني اللقاء الأول بـ"الحبيبة"؟!".. ثم بصوت مكتوم صاح: "هدى!! أينكِ يا نور القلب!!".. قالت رجاء، تحرك السكون الظاهر بينهما، ومؤكدة موقفها: "أنت رومانسي وأنا واقعية. لن نتفق!!"..
- "حسن!! دعي واقعيتك تكمل رومانسيتي.. ثمّ؛ من قال لك أن رومانسيتي تحرمني من العقلانية؟!".
- "الرومانسية والعقلانية لا تجتمعان!!".
- "هذا ليس صحيحا. أنا مؤمن بالعقل المحب؛ وبالحب المعقلن!!".
- "أنت تريد حبا فقط!!".
- "أنا أريد حبا.. أجل؛ هذا صحيح.. لكني أدرك أننا في مجتمع لا يرضى بالحب وحده.. لذا؛ أوافق على زواج يكون غطاء للحب!".
- "أنا أريد زواجا واستقرارا.. والحب مسألة لاحقة!".
- "أنا أريد زواجا مؤسسا على الحب.. ويستمر بالحب!!".
- "اتفاقنا بعيد.. استفدت من معرفتك.. عرفت أن في بلدتنا دكتور نفساني.. سأزورك يوما ما.. كمريضة!!".
- "أرجوك .. لا تتخذي قرارك الآن!!".
قالت في مكالمة يوم عيد الأضحى:
"لا أريد أن أتحدث بما يسبب لك الضيق!!".. ردّ عليها: "هذا يوم الذبح!! هل تذبحني السكين التي يذبح الناس بها أضاحي العيد أيضا؟!".
- "كل سنة وأنت طيب.. انتظر مكالمة مني!!".
****








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى