الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية - قمر بيت دراس- للروائي عبدالله تايه شهادة على نكبة أم براءة ذمة من التقصير؟

ناصر عطاالله

2021 / 8 / 14
الادب والفن


رواية "قمر بيت في دراس"، توضأت معي لصلاة الفجر، بينما كان يحاول الروائي عبدالله تايه إقناعي بكل وسائل الإقناع الممكنة، أن أهالي بيت دراس قاوموا اليهود الغزاة بكل قوة، وإن سقوط القرية لم يكن نزهة، ولا مشاجرة تم حسمها بسرعة لصالح من يمتلك الطيران والمدافع والدبابات، والمدعوم بالتاج البريطاني، بل أن القرية خاضت أربع مواجهات ساخنة أبطالها الأهالي العزل إلا من ببعض الأسلحة البدائية، يقابلهم عساكر الكبانية ( مستعمرة إسرائيلية) وحسب المعلومات الموثقة أن واحدة من هذه المعارك كانت الأشد ضراوة بين العرب و اليهود في عموم لواء غزة وبئر السبع، هي المواجهة التي وقعت في الأول من مايو/ أيار من عام 1948، واستشهد فيها 8 من أهالي القرية، مقابل 175 مسلحًا معاديًا، هذا الفارق الكبير بين الفريقين يؤكد بسالة أهل بيت دراس، ورغم أن الزمن والبيئة متأخرين في إبراز دور المرأة بحكم الوعي أيامها، إلا أن المرأة في بيت دراس أعطت نموذجًا مشرقًا لعموم النساء في فلسطين، فهي ملقمة البارودة، ومضمدة الجراح، ومشعلة القناديل، وحاملة النبوت، والمتصدية لدانات الهاون، حتى الأطفال شاركوا في هذه المعركة، التي لم تكن مجرد معركة عادية، ويمكن بكل فخر أن نقول عنها، معركة حققت انتصارًا حقيقياً وأخرت احتلال بيت دراس.
الرواية السابحة في فترتين تاريخيتين ( العثماني والبريطاني) قبل الصهيوني، كشفت لنا عمق المعاناة التي كان يعيشها شعبنا في فلسطين، وتعرضه للويلات، والمضايقات، والاستغلال الخارجي، ولكنها في الوقت ذاته، قدمت صورةً لائقة بكفاح الفلسطينيين، منذ الثورة الكبرى في عام 1936 ، إلى عشية الهجرات الداخلية ومن ثم الخارجية بسبب المجازر الدموية، والملاحقات القاتلة، وهنا يثبت الكاتب ما يريد أن يمسحه من الذاكرة الاحتلال الإسرائيلي، وهو استخدام أحدث أنواع الأسلحة آنذاك كالطيران، والهاون، والدبابات، والرشاشات، في الوقت الذي لا يمتلك فيه الفلسطينيون إلا رشاشات بسيطة وبدائية من الزمن العثماني، وأطراف الجيش البريطاني.
كما أن الأمانة تقتضي أن نقول أن الروائي عبدالله تايه لم يكتب روايته اعتباطًا ولا من ترف، ولكن تركيزه الشديد في الأسماء والأحداث، والتصوير الدقيق للمعالم، والبيئة، والعلاقات بين الناس، ورسم التضاريس الجغرافية للقرى، وأسماء الحواري، وشركات المواصلات، وطبيعة عمل الأهالي، وتفاصيل كثيرة، تؤكد لنا أنه أراد شيئًا جديًا وليس استعراضيًا، وهو أن الفلسطيني قاوم وواجه ولم يبع أرضه لليهود، ولم يتنازل عن شبرٍ ولا كوشان، في هذا الميدان استطاع الروائي أن يتحول إلى بطل وشاهد على مفصل تاريخي غير وجه المنطقة العربية بأسرها، وما احتلال فلسطين إلا مقدمة لمؤامرة كبرى تحاك ضد الأمة العربية.
واقعية عبدالله تايه في "قمر في بيت دراس" واضحة دون تلميع ولا تزييف، ولا فزلكة بلاغية، همّه انصب في إخراجٍ مميزٍ للشخصيات والأحداث، بطريقة مقنعة، وجلية للقارئ العربي، وإن أعطى الكثير من الرمزيات المهمة، كوجود العثماني في فلسطين، واشتراك الجيوش العربية في إفشال المخطط الصهيوني، وإبقاء صافية في الوطن بعد الهجرة، وعودة عقل أبو محمد( المكحل) للبحث عنها وانقطاع أخبارهما في الرواية، وغيرها من دلالات تقول أن المعركة في بيت دراس لم تتوقف بعد، حتى ولو كان المخيم والشتات أطول عمرًا من أجيالٍ لم تعش النكبة ولكنهم وارثوها.
كما أن الرواية تصلح لتكون تغذية راجعة للواقع العسكري والسياسي الذي كان يعيشه الشعب الفلسطيني قبل النكبة، وأنهم لم يقفوا مكتوفي الأيادي أمام المؤامرة، بل شكلوا أحزابهم، وصحفهم، وأقاموا مدارسهم، ونشروا علمهم حتى في القرى النائية، وخاضوا معركة الوجود، والحفاظ على الهوية الوطنية بكل جدارة، حتى أن الرواية كشفت عن ملوك الهزيمة العرب الذين ضغطوا على الفلسطينيين لإنهاء إضرابهم الكبير في عام 1936م، وعن صمودهم أمام التعنت البريطاني، واستهلال احتلال فلسطين من قبل اليهود بقرارات مصيرية باسم المندوب السامي، كفتح باب الهجرة إلى فلسطين أمام اليهود، وتسهيل إقامتهم للتجمعات الزراعية، والمصانع، واستيلائهم على الأرض، مقابل محاسبة الفلسطيني على شق ممر للمشاة في أرضه، وتعريضه للاعتقال والكرباج، وإيقاع ذات البين بشحن الناس بعضهم على بعض، وفق نظرية الفرنسيين ( فرق تسود).
الرواية الصادرة في عام 2001 عن الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، غطت فترة عصيبة من حياة الشعب الفلسطيني، بتقديم قرية بيت دراس كصورة يمكن تعميمها على سائر القرى الفلسطينية التي تعرضت للاغتصاب، والقصف، والتدمير وما بعده من تهجير، رغم أن الاختلاف على وقائع ما حدث ممكن الحديث عنه بموجبات البحث والدراسة، ولكن على عموم الواقع الواحد في فلسطين زمن النكبة يمكن القول أن المقاومة كانت، والعمل في المستعمرات كان اضطراراً لطرد العوز والجوع، والعيون التي عملت لصالح المحتل قليلة أمام غلبة الوطنيين ورفع مستوى الوعي في المجتمعات الفلسطينية، ولكن من باب النزاهة والأمانة الأدبية استحضر الكاتب بعض الصور الشاذة، وترك الحكم عليها للكرباج، والفلسطيني حتى لو خرج من بيت دراس لن يتخلى عن وادي غزة، والدفاع عنه سابق النكبة، كما فعل جبر المنصور زمن العثماني، قبل احتلال قريته الوادعة.
حكاية اللجوء في حياة الفلسطينيين لا تنقطع، وكتّابها الرافضون لثقافة المخيم والمنفى، ورمي المفاتيح العتيقة في البحر، وحرق الكواشين، باقون رغم أوسلو وما جاءت به من اتفاقيات ضرب بها الإسرائيلي عرض الحائض، لتواجه الرواية الأصيلة، الرواية المزيفة، وكبرهان لا غبش عليه حق العودة باقٍ، ولو ترهلت رقاب الأولين وجحظت عيونهم من الشيخوخة، فهم إلى غدٍ قريبٍ ذاهبون، ومن هنا تؤكد الرواية على ثابت كل فلسطيني أن أجداده والآباء لبعضهم، لم يقصّروا بالدفاع عن أرضهم، ولم يخرجوا منها إلا بعد مجازر شنيعة، و بخديعة كبرى مورست عليهم، على وعد أن يعودوا إلى ديارهم قبل أن يجوع الحصان المتروك وحيدًا لحراسة البئر.
رواية تستحق أن تدرس ضمن مناهجنا التعليمية، كما يستحق كاتبها جائزة فلسطين للتميز والإبداع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع