الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع التركي: مشاهداتي في تركيا

حامد محمد طه السويداني

2021 / 8 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


بعيداً عن السياسة التي تكون أحياناً عامل توتر بين الشعوب وذلك بسبب التوجهات البرغماتية والاطماع والغايات التي تقوم بها الاحزاب السياسية والحكومات والتي تؤدي بالضرر بالشعوب دون التركيز على حقيقية الشعب وعاداته وتقاليده التي تكون عادة متشابهة ومتناغمة ومتوافقة مع الشعوب الاخرى وخاصة المتجاورة منها وفي هذه المقالة اود الاشارة الى صفات المجتمع التركي وقيمة الانسانية وعادته وتقاليده والموروثة من خلال دراساتي الاكاديمية لتاريخ تركيا الحديث والمعاصر وبحكم سفري المتواصل الى تركيا ومدنها الجميلة بحثا عن المصادر تارة والمشاركة في الندوات والمؤتمرات وسفرات السياحة تارة اخرى ومن خلال مشاهداتي المباشرة للمجتمع التركي عن قرب والتحاور معه عن طريق بعض الاصدقاء الاتراك في العديد من القضايا وكذلك رؤية سلوكه وتصرفاته اليومية فالواقع المعاش يعطي للمؤرخ او الكاتب صورة اكثر دقة للحياة الاجتماعية في تركيا, وتهدف هذه المقالة لتوضيح الصورة الحقيقية للمجتمع التركي بالنسبة للقارئ العربي وعدم فسح المجال للأعلام والصحافة والتصريحات الحزبية والسياسية ان تشكل الصورة التي تريدها وإظهارها بصورة سلبية وتهدف ايضاً الى مد الجسور بين الشعوب الشقيقة والجارة خاصة وان وسائل التواصل الاجتماعي (الانترنيت) مفتوح على مصرعيه للحوار المباشر دون وسيط وان ينشر قيم التفاهم والتركيز على القوائم المشتركة فمحن أمة العرب تربطنا علاقة تاريخية مع الشعب التركي وهي رابطة الدين الاسلامي والجوار الجغرافي والمصدر المشترك والآمال المشتركة ويمكن توصيف سمات الشعب التركي كالاتي
الشعب التركي لديه (هوس النظافة) فرغم تفانيهِ في تنظيف الارض والجدران فأن التركي سيجد دائماً الاخطاء في الواقع فقد اشتكت فتاة روسية تزوجت من رجل تركي في مدونتها قائلة انها تعتقد انها منتظمة حتى اللحظة التي بدأ زوجها التركي فيها الاشارة الى آثار قطرات الماء على صنبور الحمام وعندما اضطرت للتنظيف في بيت ام زوجها كل يوم اكتشفت بأن نظافة المنزل تمثل أولوية لدى الشعب التركي.
وقد لمست هذا الأمر بنفس وذلك سبب رحلاتي الكثيرة الى تركيا فذات مرة دعاني أحد اصدقائي الاتراك واسمه (محمد فاتح) وعندما دخلت البيت تصورت بأن هذا البيت لم يسكن بعد لشدة نظافته الخيالية, وكذا الحال بالنسبة للأخرين وحتى الريف التركي رغم بساطة المنزل لكن النظافة شيء اساسي حتى ان أحد الكتاب المتشرفين قال (ان مرافق الاتراك انظف من بيوتنا)
وهناك مظاهر كثيرة رايتها بنفس شخص اهتمام الاتراك بالنظافة فذات مرة كنا في جولة بحرية في بحر مرة والسفينة مليئة بالسواح من كل بلدان العالم وسط هذا ا لبحر رأيت فتاة تركية محجبة تجلس على حافة السفينة وكانت تتناول (الجرزات) وبيدها كيس صغير تجمع به بقايا الجرزات (القشور) وبعد وصولنا الى الساحل نزلنا وظليت اراقبها حتى وصلت الى حاوية بقرب حافة البحر ورمت القشور فيها, هذا البحر المتلاطم الذي يبتلع سفن كبيرة لم تقدم الفتاة برمي القشور في ا لبحر وهذا دليل التزامها وهذهِ الحالة مصورة لدي. بفيديو ومحتفظ به.
فالشعب التركي شعباً محافظاً متمسكً بعادات الأجداد ويعد احترام الكبير له أولويه لا يتقدمون على الكبير ولا يرفعون صوتهم عليه ولا يعارضونه ولا يتركونه واقفاً في الحافلات والمواقف والحدائق العامة
ويعرف الشعب التركي بأنه من اكثر شعوب العالم وداً وكلمة HOŞ Geldiniz والتي تعني اهلاً وسهلاً من اكثر العادات والعبارات المستخدمة في تركيا وفقاً لقواعد الآداب من المعتاد ان يقبل الاتراك يد شخص كبير السن ووضعها على الجبهة عند التحية كدليل لاحترامهم له لكنهم لا يفعلون ذلك مع الاصغر سناً لان ذلك يكون مهنياً, وبخصوص التحية والقبلات فلا يوجد قبلات بين الرجال فلا يجوز ان يقبل رجل لآخر ولكن يجوز للرجل ان يقبل امرأة او فتاة. ومن الأمور المحرجة التي مررت بها وكانت في بداية تعارفي بالمجتمع التركي
ففي لقائي مع سكرتير رئيس حزب اليسار الديمقراطي في استانبول وكنت في حينها طالب دكتوراه في العام 2009 وقد عقدت معه حواراً يخص دراستي وقد افادني كثيراً وزودني بالوثائق المهمة وفي نهاية اللقاء قبلته تعبيراً عن امتناني له لكنه غضب ورفض هذا الفعل مما حدى بصديقي الدكتور شامل شاهين المواطن التركي من اصل موصلي يعيش في تركيا قرابة 35 عاماً وأمهه بأنه (هذا سلام عربي) وبعدا كمالي لشهادة الدكتوراه طلب مني نسخة وذهبت الى استانبول واهديته نسخة وفي هذهِ المرة كان السلام تركيا اي (المصافحة فقط).
واود الاشارة بأن هذه الصفات متداولة بين العلمانيين واليساريين والقوميين اما المواطنين ذوي الميول الاسلامية فأن السلام بينهم يشبه الى حد ما العادات العربية.
وغالباً ما يقوم الاتراك بإضافة القاب مثل (أفندم- بيه- اغابيه للرجل الغريب أو الكبير وكذلك كلمة (أبله) اي الاخت الكبيرة و (هانم) للمرأة.
ومن العادات الاساسية لدى الاتراك هو (شرب الشاي) فهو من المشروبات الرئيسية حيث يستغرب الاتراك من أي شخص لا يرغب بشربه في الضيافة ولا يرغب بإعادة ملئ الكوب من تلقاء نفسه. وفيما يخص المطبخ التركي فهي بعد غني بأنواع الاطباق وهو بالنسبة للمرأة التركية أهم شيء في المنزل حيث يمكن ان تقضي ساعات طويلة بداخله لصنع وجبة لذيذة ويعد الافطار الصباحي أهم وجبة لدى الاتراك ويشمل البيض والزيتون والخيار والطماطا والخبز وقد لمست هذا الامر بنفس عندما مكثت (10) ايام في مركز البلقان للدارسات الاستراتيجية في منطقة زنكولداغ الذي يديره صديقي الدكتور شامل الشاهين مع نخبة من الاصدقاء الاتراك وهم (أتيلا ومحمد فاتح ومتين, ويونس) وفي هذا المركز مطبخ صغير تديره امرأة تركية متوسطة العمر (47) عاماً وخلال عشرة ايام بوجباتها لم تتكرر وجبة واحدة كل وجبة تختلف عن الوجبة الأخرى وعندما استفسرت عن الأمر أخذني الدكتور شامل الى المطبخ والمرأة معنا وقال لي ان المطبخ التركي غني جداً بالرغم من ان المحتويات بسيطة وهي اللحوم والخضراوات والطحين والبهارات الالبان) ولكن هناك ابداع في تغير وصناعة وجبات الطعام
وكذلك يؤمن الاتراك بالحسد لذا تعتبر (العين الزرقاء) أو ما يشابها (عبارة عن مدالية تباع في الاسواق) يقتنيها ان الاتراك في ا لبيوت وتوضع على الباب ويستخدم اللون الازرق خصوصاً لاعتقادهم بأنه يحمي اي طاقة سلبية بالمكان وتوضع ايضاً على ملابس الاطفال ويتمتع شعب تركيا بالعديد من المواهب من الحرفيين ومصممي الازياء والممثلين المشهورين والرياضيين ومخرجين الافلام والادباء والشعراء والكتاب....
ويشكل المسلمون في تركيا 98% من سكان تركيا مع اقلية مسيحية ويهودية هنا وهناك غالبيتهم من الارمن والاشوريين والاغريق, واكثر اليهود هم من اولئك الذين ينحدرون من اليهود (السفارديم) الذين فرو من اسبانيا في القرن الخامس عشر واليهود الناطقين باليونانية من القصور البيزنطينية يوجد طائفة مسيحية بروتستانتية عرقية تركية.
ومن الصفات المتجذرة في نفوس الشعب التركي هو (عدم العجلة) بالأمور والصبر والتأني في الامور ولهذا هم ناجحين في السياسة
وهناك سمة اخرى وهي (نداء الازواج) في تركيا لابد من وضع الاعتبار ان طبيعة المناداة بين الزوجين في تركيا تختلف كثيراً عن باقي المجتمعات وعلى المرأة التركية ان تودع الاشياء التي اعتادت عليها ففي العائلات التركية ينادى الزوجات بعضها البعض بعبارات مميزة مثلاً (حبي, روحي, ملاكي, شمسي, قمري) وغير ذلك من الالقاب الشرقية.
وتعدد العادات والتقاليد المثيرة للأعجاب التي تحدث في احتفالات الزفاف التركية وعلى سبيل المثال تكتب العروس اسماء زميلاتها الغير متزوجات في اسفل حذائها وتكون الفتاة التي تمحى اسمها اولاً هي سعيدة الحظ التي ستتزوج بعد العروس مباشرة. ومن الصفات الجميلة والتي شاهدتها بنفس هو اثناء حضوري حفل زواج في تركيا وفوجئت بإطلاق عبارات نارية قوية جداً وقلت لصديقي التركي هذه العادة عندما نحن العرب كذلك ولكن انا استنكر هذا الفعل لأنه خطر جداً فأبتسم وقال لي (هذه الاطلاقات خاصة بالزواج والافراح وهي فقط صوتية)
اما الكلام في السياسة مع الاتراك فهو صفقة خاسرة لانهم لا يسامون على حبت تركيا ولا يسمحون لأي شخص انتقاد تركيا والثقافة التركية والعرف التركي.
ومن صفات الاتراك احترام الوقت والوعد وقد لمست هذا الامر بنفسي ففي العام 2009 اجريت حواراً مع السكرتير العام لحزب اليسار الديمقراطي DSP في استانبول حول دراستي لموضوع الدكتوراه (بولندا جويد ودوره في السياسة التركية) وقد ابلغني هذا الشخص وأسمه (أوردغان سيبخر) بأنه يرغب بإهداء نسخة الى مقر الحزب فوعدته بذلك وكلن نظراً لتمديد مدة الدراسة (6) أشهر إضافية وعندما ذهبت استقبلتني السكرتيرة وفوجئت بأنها تعرف اسمي وقالت (أهلا حامد بيه) وذكرت لي بأن السيد اردوغان سيبخر مسافر الى اليونان وغداً يأتي وقد ابلغني انه عندما حجي السيد حامد يرجى حجز غرفة خاصة له لحين عودتي وأدركت بأنه كان ينتظرني وعندما سألت أحد اصدقائي الاتراك عن هذا الامر قال لي نعم لقد اعطيتهُ وعداً والوعد عندنا مقدس ولو لم تأتي اليه وتهديه النسخة لاعتبرك كاذباً.
ومن الجديد بالذكر ان الاقليات في تركيا وفي مقدمتهم الاكراد والعرب ورغم تقاليدهم الاصيلة والمشهورة الاّ انهم اضافوا اليها عادات وتقاليد الاتراك فعندما تجولت لأيام في جنوب شرق تركيا وخاصة مدينة أورمة وبقيت ثلاثة أيام في مضيف الشيخ خلف العواجه (رحمه الله) شيخ مشايخ بنو حمدان في تركيا رأيت الكثير من الصفات والعادات المشتركة بين العرب والاكراد والاتراك مما يشكل عرفاً اجتماعياً سائداً ان هذا التعايش وهذه الاخلاق تجعل فرصة التعاون والمحبة اكثر وأوفر حظاً من التصريحات السياسية التي لا تخدم الطرفين وعندما صرح وزير الداخلية التركي قبل مدة بأنه سيدخل الاتراك مشياً على الاقدام الى العراق وسوريا بصراحة شكل هذا التصريح صدمة في الاوساط العربية وكأن هذا الخطاب يعود الى ما قبل العصور الوسطى
ولكن هذا التصريح قد يضر تركيا اولاً لان العالم الأوربي ايضاً سوف يأتي الى استانبول الغربية واعادة كنيسة آيا صوفيا كمرجع للكنيسة الارثدوكسية الشرقية وهذا التصريح قد يفتح شهية الروس للدخول مشياً على الاقدام ايضاً مدينة طرابزن وربما العراب يطالبون مجدداً لواء الاسكندرونه وكذلك اليونان ممكن ان تطرد الاتراك من جزيرة قبرص واعتقد ان الاتحاد الأوربي يثير مجدداً (الاعتراف بمجزرة الارمن) ووووو.......الخ
ولكن نود القول بأن هذا الوزير يمثل وجهة نظر حزبية ليس بالضرورة ان الاتراك موافقين على هكذا تصريحات اتمنى من الوزير التركي الاعتذار من الشعب العربي وترك الاحلام والطموحات والالتفات الى حل مشاكل تركيا المتفاقمة وخاصة هبوط ا لليرة المربع وصل مشكلة الاقليات وخاصة الكردية وكذلك ترميم علاقات تركيا الخارجية مع العديد من الدول التي توترت العلاقة معها وهي كثيرة. واتمنى من الوزير التركي قراءة مقال عن تركيا كتبه الزعيم العربي الخالد (جمال عبد الناصر) بعنوان (تركيا الشقيقة) وهذا نصهُ.
" مهما يكن الأمر بيننا وبين تركيا في الماضي او في الحاضر فهي منا ونحن ومنها كان ابوها وابونا اخوين في التاريخ تشاركا في سراء الحياة وضرائها وتقلبا معاً في نقمائها وفي بؤسها وحارباً جنباً الى جنب في ميدان واحد قروناً عدة لنصرة المثل العليا وحين تألبت قوى البغي والعدوان لتزحزحنا عن مكاننا في التاريخ كانت تركيا الهدف الاول وكنا نحن من ورائها ووطنناً ووطنها قطعتان من هذا الشرق العربي فهي دولة من آسيا وان وجهها الى أوربا وقرآننا واحد نزل به الوحي الأمين على محمد صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة وفسره مفسره في بغداد والشام ومصر وكتبه كاتبه بقلم النسخ في استانبول وما يزال يتلوه بلساننا قراء مسلمون في اضنة وديار بكر وانقره وأزمير وقونيه, ماضينا وماضيها فصلان من كتاب واحد في تاريخ الاسلام وحين وطئت اقدام الاتراك ارض أوربا لتقيم دولة عثمانية على انقاض امبراطورية قسطنطين كان شعار المحاربين من العرب والاتراك يومئذ واحد على كل لسان هو (الله اكبر) يهتف بها المصلون في آياصوفيا فيتردد صداه على مآذان المسجد الأموي بدمشق والجامع الازهر بالقاهرة وجامع الزيتونة في القيروان ومساجد أخرى في بغداد والكوفة وصنعاء وفأس وغرناطة
ونحن الى كل ذلك اصهار ففي كل دار من دور العرب على اتساع بلادهم عربي يمت الى الترك بخئولة وفي كل دار من دور الترك رغم اعتزالهم في ديارهم تركي يمت الى العرب بعمومه فقد اختلطنا نسباً صهراً ومواريث ثابتة ومنقولة وان قامت بيننا الحدود والسدود والاسلاك الشائكة
ونحن اليوم من تركيا كما كنا في الماضي أخوة مخلصين لأخت صالحة العرق والنسب واذا سلمت تركيا سلمنا فنحن لها الدرع الواقية وهي في موقعنا ازاء العدو درّع لنا الشعب التركي يؤمن بهذه الحقائق منذ كان فلم يكفر بها يوماً"
وهذه الصورة التي ينظر بها العرب الى تركيا فنحن أمة استوعبت العديد من الامم ودخلت هذه الشعوب في الدين الاسلامي على ايدي العرب المسلمون ونحن الآن لازلنا نقف مواقف ايجابية للجارة تركيا ولا نريد لمثل هكذا تصريحات سلبية (تصريح وزير الداخلية التركي) ان تعكر صفوف العلاقة بين الشعبين الجارين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24