الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا أخلاقيات المعرفة التقليدية

فاتن نور

2021 / 8 / 16
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


هل المكانة الأخلاقية التي أنتجها البشر لعيشهم؛ أخلاقية فعلاً؟
تتأصل في الإنسان معارف بيئته وثقافتها السائدة التي ينمو ويترعرع في ظلالها، حتى يظن أنها جوهرية لبقائه وإنسانيته وأخلاقه. وقد يرتكب أكبر خطأ أخلاقي في حياته عندما يجعلها معياراً لا حيف فيه ولا جدال، للحكم على أخلاق الآخرين والثقافات المغايرة في العالم، بغض النظر عن مدى صلاحيتها أو حتى قدرتها على استيعاب وتصحيح مغالطاتها المنطقية. كما تؤسس هذه المعارف المتأصلة وتحدد طبيعة علاقته مع الوجود وغيره من الأحياء.

لا يكاد يخلو حقل أو مجال من الممارسات اللاخلاقية، المنوه عنها في الثقافات التقليدية كأخلاقيات ضرورية للعيش في كنف الجماعة، لا أخلاقيات مازالت تتمتع بمكانة عرفية وحصانة عقائدية في اللوائح القانونية والنظم المعمول بها في شتى أرجاء العالم. في هذا المقام سيكون التركيز على حقل غاية في الأهمية: الأخلاق البيئية.

لماذا لا نقيم لمفهوم البيئة وزناً أخلاقياً؟
لماذا نفتقر إلى التزامات أخلاقية صارمة في تعاملنا مع الطبيعة بشكل عام، بما فيها من موجودات حيّة وغير حيّة، مع وجود الكثير من المؤسسات والمنظمات الفاعلة في هذا المجال، واهتمام الجامعات ومراكز البحوث العالمية بتأثيرات الأنشطة البشرية على البيئة، سيما وأن الطبيعة كانت من المحاور الاساسية لفلسفة القرنين التاسع عشر والعشرين؟
لماذا تنحسر أخلاقياتنا البيئية في نظم أكاديمية متخمة بالتهميش لصالح المركزية التقليدية للبشر؟

ربما هي نوع من الرثاثة الفكرية التي أنتجت علاقة آلية شوهاء مع الطبيعة، فمنحنا قيمة عظمى لأشكال الحياة البشرية على حساب قيمة الأشكال غير البشرية، وتبنينا اعتقادات منكفئة بتداعياتها المريرة، فتصورنا أن للأشياء التي لا يمكننا البقاء بدونها، كـ الماء والهواء والتربة، على سبيل المثال لا الحصر، قيمة متدنيّة عن قيمتنا؟
إذا كنا نعّد سرقة رغيف خبز، عملاً لا أخلاقياً يحاسب عليه السارق، لماذا لا نعدّ سرقة سمكة من النهر عملاً لا أخلاقياً بالمقابل؟
ماذا لو صارت السمكة بعهدة صيّاد، هل سرقتها منه وهي ميتة، أكثر جرماً من سرقتها حيّة من النهر؟
هيمنة النظرة الاستعلائية ومفاهيم التسخير والإمتلاك في المعتقدات الفلسفية القديمة على العقل الجمعي؛ أنتجت مكانة مركزية خاصة للبشر تستوعب انماطاً ضارة من اللاخلاقيات عبر مراحل التطور من البداءة إلى الحضارة بقيمها الأخلاقية واللاخلاقية المشاعة. قد تقود إلى قتل من يطعن بها مثلما قتلت الكنيسة الكاثوليكية بقلب "محافظ" جاليلو الذي أطاح بمركزية الأرض الكونية بالحقيقة العلمية وعقله الجريء.

ولكن من يمتلك السمك، النهر أم الطبيعة أم الإنسان؟

هذه أسئلة غير نمطيّة قد لا يألفها البعض، وقد تكون مثار سخرية أو دهشة، سيما وأن العالم يمر بأوقات نمطيّة عصيبة. وأن البشر مهرة في ابتداع مفاهيم ضيقة الأفق وكأنهم في عزلة مكتفون بذواتهم عن بقية الكتل الأحيائية، وليس الكتلة الضيئلة والهامشية أو العرضية في هذا الوجود.

الشوفينية مثلاً كمفهوم متداول، هو بحد ذاته مفهوماً شوفينياً صرفاً يعزل الجنس البشري بعنصرية عن غيره من الكائنات، فالتعصب الأعمى للوطن والقومية، والنظرة الدونية للشعوب والقوميات الأخرى؛ أمور تتمحور بالأساس حول مركزية الإنسان في الطبيعة وتقتصر على شوفينيته مع أفراد جنسه وحسب، ولا تغطي شوفينيته الصارخة مع غيره من الأحياء. فيما لم يختلق اسلافنا في غابر الأزمنة هذه الطبقية والحدود المصطنعة بين مملكة الإنسان ومملكة الحيوان. ونكاد لا نرى للشوفينية كمفهوم وجودي واسع غير مخصخص لكتلة أحيائية معينة، حضور واضح في نظم الوعي البشري التي مازالت تعاني التقليدية وقيمومة البشر كمحور كوني.

ولو اقتربنا من مفهوم الشرف في الوعي البشري سنجده يقترن غالباً بما يفعله الأنسان بجسده ضمن الجماعة التي ينتمي إليها وما تفرضه من نواميس ووصايا، فيما لا حضور لمفهوم للشرف عندما يتعلق الأمر بما يفعله الإنسان بجسد الطبيعة، حتى مع وجود قوانين رادعة لبعض الاعتداءات على البيئة والطبيعة في الأنظمة العالمية، فهي في الغالب قوانين آليّة تخدم الاستدامة البيئية لصالح الإنسان كمركز وجودي.
إن هذا العالم، أقول ولست ساخرة-، ومع أنه قد بلغ من الهشاشة والزيف ما يتخطى التعامل معه بنمطيّة الأطر التقليدية بخلفياتها الثقافية والفكرية والعقائدية؛ لا يمكن له أن يوجد بأي حال من الأحوال، دون كوكب حاضن له. فيما لا يضير الكوكب عدم وجود هذا العالم المتهالك الذي صنعناه، بل عدم وجوده أصلح للكوكب وأبقى. إذ يمكنه استعادة عافيته ذاتياً، والتغلب على الأضرار الجسيمة التي لحقت به بأسم الإنسان والحضارة، وبوقت قصير نسبيّاً مقارنة بعمره البالغ 4.5 مليار سنة.

ومن المثمر ربما أن نسأل:
ما قيمة أية حضارة لا تتناغم حاجاتها وتنسجم مع حاجات الكوكب الحاضن لها؟
وهل وصفها بالحضارة الذكية مشبعاً حقاً للذكاء والحضارة؟


يتبع…








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة