الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


25 جويلية : الليلة التي حلقت فيها روح كارل شميت فوق قصر قرطاج

عبد الناصر جلاصي
باحث

(Abdennaceur Jelassi)

2021 / 8 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


"من حق الفوهرر أن يخرق القانون مستندا على سلطته كفوهرر وكقاضي أعلى، لحماية القانون من التجاوزات، الفوهرر هو قاضي بإستمرار" هذا ما قاله كارل شميت في أحد أخطر مقالته "الفوهرر يحمي القانون" (1934)
في هذا الإطار يتنزل رفض الرئيس سعيد قبول الوزراء الناتجين عن التحوير الوزاري في فيفري الماضي في رسالته الشهيرة على الطريقة العباسية بتعلّة فسادهم قبل أن يحسم القضاء في ملفاتهم. مبيّنا أنه القاضي الأعلى، هذا دون اتهام وزير المالية المباشر بسرقة خزينة الدولة على طريقة المسؤولين اللصوص الذين ينهبون الخزينة في بواخر تتجه نحو ميناء لوفورنو في أواسط القرن التاسع عشر ولم يتردد في تشبيهه بهم دون أي سند قانوني. وهنا لا يعتبر نفسه قد زاحم القضاة في اختصاصهم الذي تمنحه لهم الدولة الحديثة كسلطة ثالثة مستقلة (بغض النظر عن ما يسودهم من خور) بل لأنه قاضي أعلى و أن الفصل بين سلطة الفوهرر وسلطة القضاء يجعل من القاضي في وضع مضاد للفوهرر حسب شميت ( في هذا الإطار يتنزل تنصيب الرئيس نفسه على رأس النيابة العمومية ليلة انقلابه على الدستور قبل أن يتراجع عن هذا القرار) كما وضّح الرئيس أن تعاطيه مع القسم الدستوري كإجراء دنيوي فردي يعني مؤديه وحده في المهام الموكولة له (من المعطيات التي سهى عنها المشرعون في الدستور مسألة وضع القرآن للقسم بدل الدستور والتي تظهر كقطع للطريق لغير المسلمين لتولي مسؤوليات ي الدولة و التي ظهرت سريعا مع وزير السياحة اليهودي الديانة روني الطرابلسي في تعدي صارخ على حرية المعتقد والضمير) أن له استتبعات في الآخرة ويحاسب عليه أمام الله ومصطلحات من قبيل المشي على الصراط ويوم الحساب في حديثه مع أمين عام اتحاد الشغل وتكفير مجرمي الاحتكار بمنطوق القول انهم ليسوا مسلمين الأسبوع الفارط و التشكيك في قبول أضحيات رئيس الحكومة وحزامه البرلماني في اللقاء مع وزير الصحة المقال (دون أن يحرك أحد ساكنا) وغيرها من المعجم اللاهوتي في تبني واضح لما قاله شميت في كتابه اللاهوت والسياسة (1922) والذي اعتبر فيه "الحالة الاستثنائية" بمثابة "المعجزة الالاهية"، هذه الحالة الاستثنائية وضع لها شميت قاعدة لاهوتية مغلقة على ثلاثي مفاهيمي هو "السيادة" و "الدكتاتورية" و "القرار" كتنظير لما بعد جمهورية فايمر/ ما بعد 25 جويلية في تونس رافقها الغاء للدستور القديم كحل لحالة عدم الاستقرار السياسي والاضطراب طارحا بديل سيادة الزعيم الذي يلغي كل السلطات ويمركزها في يده لصالح سلطة الفوهرر السيادية الاستثنائية ليتحول بعدها الاستثناء لقاعدة. وبالتالي الغاء لدولة الحق القائمة على القوانين والفصل بين السلطات والحقوق الأساسية والفردانية وما يترتب عنه من دمج قسري كامل للمجتمع مع الدولة. وفي ظلّ غياب نظرية قانونية لحالة الاستثناء يرجع شميت المسألة لأطروحات لاهوتية مثل "المعجزة".
البرلمان الذي وصفه شميت بالغرف المظلمة (نفس المصطلح الذي يردّده الرئيس بطريقة قهرية منذ ما يناهز السنة حتى في لقاءاته الخارجية دون أن ينورنا عن ماهيتها) في صراعه مع جمهورية فايمر في كتابه ذي النزعة الهوبزية "الليفيثان أو الجبروت المطلق" في نقد الحكومات الائتلافية الضعيفة الشبيهة بالعشرية الأخيرة التي عاشتها تونس كنتاج للحرب العالمية الأولى في ألمانيا ونتاج للثورة في تونس. إعتبر شميت أن النقابات والبروليتاريا تعني كل ما هو "لاعقلي" وأنها "أخطر من الزواحف الضارة" وأن أي اتفاق معها هو "اتفاق مع الشيطان ذاته" (الهجمة القادمة لأنصار الرئيس ستكون ضد اتحاد الشغل). في فيفري 1933 قام أنصار هتلر بحرق الرايخستاغ (البرلمان الألماني) وعلّق بعدها بيوم كل القوانين الدستورية وتمّ إعتقال أكثر من 5000 شيوعي ومنع حزبهم من دخول البرلمان ليتم لاحقا بعد أقلّ من شهر اصدار قانون "إغاثة الشعب والرايخ" كتطبيق لأطروحات كارل شميت التي اعتبر فيها أنا سياسيي البرلمان في جمهورية فايمر "تفتقر إلى القيادة المحبوبة من الشعب" وأن حكم الفوهرر "يضع حدا للدولة متعددة الأحزاب التي تدمر منهجيا الدولة والدستور".
الشرعية والمشروعية والتي لا يتردد سعيد في تناولها بمناسبة او دون مناسب، بنفس التوجه الذي ذهب له شميت فيما يتعلق بالأساس القانوني والسياسي للدولة تدور في فلك الفوهرر وحده (اعتمادا على المشروعية الكاريزمية التي تحد عنها ماكس فيبر) "صاحب السيادة هو من يحدد حالة الاستثناء" و أن القرار السياسي للزعيم ولا يحتاج لأي أن يستند على أي مصدر آخر، وبالتالي تصبح السيادة للزعيم الشخص وليس للقانون وليحل قرار الزعيم القوي محل القانون المجرد وهو ما يقود لالغاء كل السلطات ومركزتها في سلطة واحدة مثلما هو الحال منذ 25 جويلية مع ما يفتحه من تحويل وجهة وانحرافات بالسلطة. ويعلم الجميع أين قادت لاحقا تنظيرات كارل شميت وماذا جنت على الالمان وعلى البشرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من