الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوضاعنا المزرية ما بعد تشرين 2019

عامر الدلوي

2021 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


منذ إندلاع موجة التظاهرات الإحتجاجية التي هزت العراق و المنطقة في الأول من تشرين الأول 2019 وشملت المحافظات الجنوبية و بغداد إحتجاجا ً على التردي الشامل في أوضاع الناس الإقتصادية و الإجتماعية مقابل نمو كبير لشبكات الفساد المالي و الإداري المؤدي لتراكم الثروة في أيدي شلة قليلة ضالة من المسؤولين الكبار هناك و جلهم من أحزاب الإسلام السياسي المهيمنة على مقدرات البلد من خلال عملية بريمر السياسية المشبوهة و ما أفرزته من تداعيات هزيلة تحت يافطة الإنتخابات الديمقراطية .
منذ ذلك اليوم الذي سيخلد في تاريخ الوطن المبتلى بحكومات أعطت صك حسن السلوك لنازية هتلر و فاشية ماسوليني بفعل أعمالها القذرة في التصدي بإستخدام القوة المفرطة و السلاح الحي ضد المتظاهرين السلميين العزل من الشبيبة التي ولدت مع ورود مطايا الإحتلال على دبابته لحكم البلد و لم تعش في معظمها يوما ً واحدا ً تحت حكم النظام البائد رغم إنها أتهمت بكونها من بقاياه الأمر الذي أدى لإستشهاد قرابة ألف منهم و إصابة أكثر من ثلاثين ألف سببت إصابة خمسة آلاف منهم عوق دائم لهم في مناطق شتى من أجسادهم الغضة .
منذ ذلك اليوم و أنا متوقف عن الكتابة في الشأن السياسي العراقي بما يحمل من تشابكات معقدة تزداد غموضا ً يوما ً بعد آخر لإنشغالي بالتواجد مع البعض من الشباب في الساحة (ساحة التحرير) و العمل على توجيههم بعدم الإندفاع نحو مواجهة قوات السلطة و أسلحتها الفتاكة بصدورهم العارية و ضرورة التحكم بالمشاعر بغية الحفاظ على أرواحهم لأننا كنا نتوسم في الكثير منهم أن يكونوا قادة للمستقبل .
و منذ التوقف المؤقت للإحتجاجات وجدت نفسي و أصدقاء كثر لي من أبناء جيلي منغمرين في دوامة البحث عن أرضية مشتركة لتوجهاتهم المتشعبة إضافة مع جل إحترامي ( لأرواحهم الثورية و نقاوة الغاية التي خرجوا من أجلها ) البحث عن طرائق تتيح لنا زيادة وعيهم بالعامل الوطني عبر تنقية ما يحمله بعضهم من جذور قومية و عرقية و طائفية . لكن المؤسف في الأمر أن البعض منهم وضمن النرسيسية العالية لديه أخذ يطرح نفسه و كأنه (الداعي الرباني) لإنتفاضة تشرين الباسلة و أنه مفجر أحداثها الوحيد .
وصار يتكلم بعالي الصوت على أنه القائد الأوحد و أن من هم على شاكلتنا و من هم من الأجيال التي سبقتنا في النضال ضد الحكم الملكي و العارفي و الصدامي من الذين أكتسبوا خبرة طويلة في قيادة التظاهرات و الإضرابات العمالية و الجماهيرية أن نزيح أنفسنا من طريقهم ضمن ما طرحه أحدهم الذي خرج من شرنقة أحد الكتل الفاسدة ليؤسس حزبا ً مد نفسه كذراع لتلك الكتلة في جسد الإنتفاضة , و مفهومه الجديد (الإزاحة الجيلية) .
منذ الأيام الأولى للإنتفاضة ( وهنا تركيزي على إعتصام ساحة التحرير في بغداد ) كنا نطرح حلولاً لكثير من الإمور التي تتعلق بالصيانة لكنها لم تلقى صدى ً لدى الكثير ممن تزعموا قيادة الخيم و كنا نرفض الإجتماعات الليلية في خيمة ما من الخيم و لأغراض الصيانة كنا نطلب أن تكون تلك الإجتماعات بعيدة كليا ً عن الساحة التي أفتقدت لقيادة موحدة للإعتصام و إفتقدت كليا ً (كنتيجة) لصمامات الأمان في منع الإندساس , حيث تواجد الكثير من منتسبي جهاز الأمن الوطني و المخابرات ضمن تلك الإجتماعات كما أوضح لنا بعضهم من الذين كانت نياتهم مخلصة للتعاطف مع الإنتفاضة لكنهم أجبروا على المشاركة كواجب مكلفين به .
و المؤسف مما نراه اليوم كظاهرة طفت و طغت على السطح هو حالة التسقيط الصبياني بين مجموعة و أخرى من المنتفضين و بين أسم لامع في التظاهرات و آخر مثله , كل يصم الآخر بأنه باع أهداف الإنتفاضة مقابل حفنة دولارات أو منصب أو تعيين لدى الأحزاب الفاسدة و حكومتها , و في الوقت ذاته مازالت الهجمة الإعلامية الشرسة لتلك الأحزاب و جيوشها الإليكترونية مستمرة و بزخم عالي ضد طرفي أبناء تشرين الذين يسقط بعضهم الآخر في صراع فارغ على تبوأ الرمزية في القيادة .
و لعل من الأسباب الرئيسية في حصول هذا هو غياب الدور الرئيس لأحزاب وطنية متمرسة بالنضال ضد الأنظمة البوليسية و التي عملت خلال عقود من الزمن على بناء قاعدة وعي سياسي شعبي أسهمت في ضوئه قطاعات واسعة من أبناء الشعب و الطبقة العاملة في النضالات الكبرى ضد تلك الأنظمة رغم عدم إنتمائها الفعلي لتلك الأحزاب , لكن خيارات تلك الأحزاب و للأسف الشديد بعد 2003 قادتها للمشاركة في العملية السياسية التي أنشأها بريمر و جلست بصف من باعوا أنفسهم و وطنهم كخونة للمحتل و لهدفهم الأسمى في الولاء لمرجعية دينية خارج الوطن إنتصارا ً لمذهبهم كونهم الأغلبية كما صدروا لذلك وفق التقسيم الإثني و الطائفي المشبوه الذي أوجدوه و القائم على أساس (عربي / كردي / تركماني – شيعي / سني ) و الذي يتناغم مع مشاريع تقسيم البلد المطروحة من بعض السياسين الكرد منذ العام 1983 و الواردة في مقابلة صحفية لأحدهم مع جريدة (الفيغارو) الفرنسية عندما سئل عن تصوره في أي زمن و وضع جيوسياسي سوف تتاح إمكانية إستقلال كردستان عن العراق ؟ فأجاب عندما يتقسم العراق إلى ثلاث أقسام ( كردي / سني / شيعي ) و هذا هو عين تصور (بايدن) الآن عن الوضع في وقت لم نكن قد سمعنا بإسمه في عالم السياسة الأمريكية .
إن لم يكن هذا الدور المقصود للأحزاب الوطنية سببا ً مهماً في تأخير إندفاع إنتفاضة تشرين نحو شكلها المتقدم كثورة شعبية ضد أكبر فشل مر على تاريخ الوطن على مدى 16 عام و المتمثل بحكم الأحزاب الإسلامية و من تضامن معها ليكون بروازا ً تجميليا ً لأوسخ وجه لعملية سياسية (ديمقراطية كما يزعمون) فبلا شك إنه السبب الأهم في مجمل ما حصل .
و هذا السبب من وجهة نظري التي قد تكون متطرفة بعض الشيء و لربما ستجعلني عرضة للنقد من قبل دراويش هذه الأحزاب الوطنية , كان عاملا ً مهما ً في تأخير إفلات المجرمين من كبار المسؤولين في الدولة من العقاب عبر المجاملة و السكوت عن المطالبة بمحاسبة الرأس الكبيرة المشؤولة عن كل ما جرى و المتمثلة برئيس مجلس الوزراء و من سانده في القمع الوحشي من رؤساء كتل الفساد الإسلاموية بطرفيها .
هذه المجاملة و عدم تنمية الوعي السياسي و الأمني لدى القطاعات الواسعة من الشبيبة المنتفضة أدت لأن يكون هؤلاء قد تركوا كما يبدو لقمة سائغة أمام المليشيات المنفلتة التي أمعنت فيهم قتلا ً و خطفا ً و ترويعا ً مع صمت كصمت القبور من حكومة الكاظمي التي تلت حكومة عبد المهدي المقال بفعل الغضب الشعبي المتصاعد إثر زيادة عمليات التنكيل بالمتظاهرين السلميين .
هذه المجاملة التي أدت لزيادة الشقة بين مجاميع الشباب المنتفض التي حاولت الحفاظ على هويتها الثورية و لم تبع نفسها للأحزاب الفاسدة و لا لحكومة الكاظمي , مثلما فعل البعض منهم عندما أعلنوا سقوطهم الأخلاقي بقبولهم العظمة التي رماها لهم الكاظمي المتمثلة بعمل بعضهم كمستشارين له بأسم إنتفاضة تشرين وسقوط البعض الآخر في أحضان الكتل المشبوهة بعمالتها و التي لم تتوان بضخ الأموال لهم ليؤسسوا أحزابا ً تحت راية تشرين لكن الواقع فعل فعلته السديدة ليفضحهم بأنهم أذرع لتلك الكتل , عبر تصريحاتهم و عبر ما نشروه من برامج سياسية لأحزابهم التي لم تبتعد في حقيقتها عن برامج أسيادهم السياسية .
لذا فإن ما يجري اليوم في عراقنا تتحمل نتائجه المزرية تلك الأحزاب مضافا ً إليها مجاميع الشباب المخلصة التي لم تستطع التخلي عن نرسيستها و لم تنظر لعظمة الهدف الذي قامت إنتفاضة تشرين لأجله , عبر تشظيهم الحالي و عدم التنسيق بين مجاميعهم لا بل إلى حالة التناحر عبر وسائل الأتصال الجماهيري , الأمر الذي يشكل عيبة ٌ كبرى بحق إنتفاضة تشرين و يوجب و بالضرورة على هذه المجاميع الإبتعاد عن كل سلبية تسيء لسمعة هذه الإنتفاضة التي دقت بيد من فولاذ على بوابات التاريخ لتجبر مدونيها على نقش أسماء شهدائنا و جرحانا فيها بمداد من ذهب لا تستطيع أي قوة في الكون أن تجبر القطعان الجاهلة على تناسيها مهما أمتلكت من وسائل ترهيب و ترغيب و تجهيل و ضحك على الذقون .
لذا نحن واثقون ثقة عمياء بأن مسرحية إعادة تدوير نفايات المنطقة الخضراء في مهزلة إنتخابات شهر تشرين الأول القادم سوف لن يكون لها نصيب سوى الفشل مهما حصل من تراجعات متوقعة لبعض المقاطعين و مهما بذلت هذه النفايات من جهد و مال سياسي مسروق من قوت الشعب لإنجاح تلك المسرحية , و هذا الفشل لا يمكن تحققه إلا بتوحيد الجهود بين الشبيبة الثورية النقية و بين الأحزاب و التيارات الوطنية و الإجتماعية الديمقراطية التي قررت مقاطعة تلك المهزلة .
و مالم تستثمره الأحزاب الوطنية و التيارات الديمقراطية قيادات المجاميع الوطنية المخلصة حقا داخل ساحات الإحتجاج في المحافظات السبع في ذروة صعود إنتفاضة تشرين هو عدم الدعوة للعصيان المدني الذي هو الطور الأعلى في النضال السلمي ضد الأنظمة الباغية و هو حق مكفول في شرعة حقوق الإنسان الدولية , الأمر الذي كان سيرعب زمر الفساد من قادة المليشيات المسلحة و المسيطرين على مفاصل الحكومات المتتالية من نيسان 2003 و لحد يومنا هذا .
نحن ندرك أن عبودية الموظف للدولة عبر تحكمها في مصير مرتباته الشهرية كان مانع أمام قطاعات واسعة منهم لعدم المشاركة في الإنتفاضة و ليس العصيان في حال الدعوة له , ولكن بما أن تنظيما ً جيدا ً للتحركات لم يكن موجودا ً , و في نفس الوقت لم يكن هناك عمل سري منظم في صفوف الموظفين لغرض تهيئتهم للعمل القادم , و دونية البعض من هؤلاء الموظفين الذين أقحموا في هياكل مؤسسات الدولة من قبل أحزاب الفساد بعد سقوط النظام و الذين كانوا يداومون على الحضور في الساحة ( ساحة التحرير – بغداد ) صباحا ً أثناء توجههم لمحلات عملهم و ظهرا أثناء الخروج منها لتناول و وجتي طعام الفطور و الغذاء مجانا ً و بشراهة كأنهم لم يجدوا في بيوتهم ما يقيم أودهم .
ماهو مطلوب اليوم ؟ ما هو الحل لمشكلنا ؟
المطلوب أولا أن تنزل قيادات الأحزاب الوطنية و التيارات الإجتماعية الديمقراطية من بروجها العاجية في مقراتها و مكاتبها و تكون في جولات مكوكية بين المحافظات المنتفضة و بين ثوارها في الساحات تمدهم بالخبرة النضالية و الوعي بأهمية التنظيم السياسي الجيد حتى و إن كان خارج تنظيمات هذه الأحزاب , لا كما تشكلت الأحزاب الذيلية التابعة من قبل بعض شباب الإنتفاضة اللاهثين وراء المال و المناصب .
و المطلوب ثانيا ً أن تنزل بعض القيادات الشبابية من بروجها العاجية في الساحات و تتقبل فكرة إنها قليلة خبرة في القيادة و ترضى بالنصح و الإرشاد من قبل من شاركوها الهم و الغم و شاركوها الأيام العصيبة على مدى أكثر من شهرين في ساحة التحرير برحابة صدر من أجل الوصول إلى خطة عمل تنقذ العراق من الوصول إلىى قعر الهاوية التي قادتها إليه السياسة الفاشلة للمحتل و منع سقوطه بيد الفصائل الولائية و عدم تكرار تجربة أفغانستان الماثلة للعيان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة