الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدقات الفاسدين بين القرآن والقانون

سالم روضان الموسوي

2021 / 8 / 18
الفساد الإداري والمالي


ان فترة الانتخابات تعد من الفترات التي يتسابق فيها الفاسدين في عرض النفاق والرياء، فاذا اقترنت تلك الفترة بمناسبة دينية فان نشاطهم يتضاعف، وتكاد تكون هذه السنة مثالية لطرح هذه النماذج وتشخيصها للجمهور لأنها تزامنت مع اهم مناسبة دينية في العراق ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام الذي خرج ضد الباطل والفساد بقوله (إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين) ، وما لفت الانتباه ان اغلب الأشخاص الذين ادينوا بأحكام قضائية تتعلق بذممهم المالية وبجرائم الفساد أو الذين تطالهم شبهات الفساد، فهؤلاء قد ظهروا في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وهم يدفعون إلى بعض المواطنين المتعففين أموال نقدية لا تغني ولا تسمن وانمار بقصد الظهور الإعلامي، أو من الذين يوزعون بعض المواد الغذائية ويضعون عليها أسمائهم وعناوينهم الانتخابية، كما ظهر احدهم يمجد شخصاً يعمل في النشاط التجاري ويزعم انه يمنح بعض فئات المجتمع سلال غذائية مجانية لمدة محددة، وكلهم يزعمون إنها من باب مساعدة المواطنين، واكثر من شخص من هؤلاء ظهر في وسائل الإعلام وزعم ان تلك العطايا ليست لأغراض انتخابية أو تسويق لهم، وإنما تعد من باب الصدقات، لكن القرآن الكريم كان واضحاً في توضيح الصدقات التي يتقبلها الله تعالى بقوله في الآية الكريمة (264) من سورة البقرة (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) لان من شروط التصدق ان تكون من مالٍ طيبٍ حلال، وأن لا يتبع المتصدق صدقته بالمَّنِ والأذى، والإعلان عنها عبر الإعلام لان فيه رياء لغرض نيل المكاسب الدنيوية وفيه منة على الناس وغيرهم، كما ان تلك الأموال التي يتصدق منها لم تأتي من مالٍ طيبٍ حلال وانمار من سحت الصفقات والرشى وإفساد الذمم، وهذه لا تكون محلاً للصدقات لأنه اكلٌ لأموال الشعب بالباطل ، وهذه الصدقات فيها أذى للناس لأنها تشجع على الفاسد في الغلواء في فساده ويتوهم بانه على حق، و استمراره في نهجه الفاسد هو أذىً للناس، لأنه يسرق أموالهم التي إما كان مؤتمن عليها أو قام بسرقتها والحصول عليها بطرق وأساليب حرمها الله وجرمه القانون، لذلك فان تلك الصدقات ان صح القول في وصفها، فهي لا تكون بمنزلة القول المعروف فان قولاً معروفاً عند الله افضل من صدقة يتبعها أذى وعلى وفق ما ورد في الآية الكريمة (263) من سورة البقرة (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)، أما في القانون فإنها بلا ادنى شك تعد أموال متحصلة من أفعال غير مشروعة جرمها القانون، فان كانت عن طريق الرشى فان قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل قد جرمها في المادة (307) وقرار مجلس قيادة الثورة رقم 160 لسنة 1983 قد جرمها أيضاً في المادة (ثانياً/1) ، واذا كانت عن طريق الاختلاس فان قانون العقوبات قد جرم الفعل على وفق أحكام المادة (316) وما يليها، وان كانت عن طريق الغش في التعهدات والمناقصات واستغلال المنصب والنفوذ وغيرها فان القانون قد جرم الفعل على وفق المواد ( 334، 335، 336) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل ، وحتى أولئك المتهربون من دفع الضرائب عن طريق دفع الرشى والتواطئ مع المكلفين بالجباية لان هذا الفعل قد جرمه قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982المعدل في المواد (56، 57، 58)، لذلك فان هذه الأموال التي يعطيها هؤلاء المدانين بجرائم الفساد المالي والإداري أو الذين تحوم حولهم الشبهات بالأدلة اليقينة، فان تلك الأموال لا يمكن ان تدخل باب الصدقات ولا تقبل عند الله على إنها صدقة، اذا ما كان مصدرها غير مشروع، حيث لا تخفى على الله ان تمكن الفاسد من إخفائها عن الناس، أما من يتعلل بانه حتى لما عرض على القضاء بتهم الفساد وافرج عنه، فقوله هذا لا يصحح من مركزه القانوني لان الإفراج عنه إما لتدليس منه أو لاتباعه السبل غير المشروعة لإخفاء الأدلة والتلاعب فيها، فضلاً عن الإفراج لا يعني براءته من التهمة الموجه اليه، وإنما الأدلة المتوفرة لا تكفي لإدانته، لذلك فان سوق الفاسدين الرائج هذه الأيام ليس بقصد التجارة مع الله كما وصفها عز وجل في قرانه الكريم بقوله في الآيتين (29و 30) من سورة فاطر (نَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) ، وإنما عطائهم فيه رياء وان قرينهم فيه الشيطان على وفق قول الله عز وجل في الآية الكريمة (38) من سورة النساء (وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا)، وان أفعالهم هذه ليس بخافية على الله عز وجل كما ليس بخفاء عند الجمهور وهو يعاني من أثار سرقاتهم وفسادهم فلا يتوهمون بانهم تمكنوا من الناس، لكن العوز الذي فيه الناس بسبب فسادهم هو الذي يدفعهم أحيانا لقبول تلك الأموال والعطايا.
قاضٍ متقاعد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا قررت مصر الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا في هذا التوقيت؟ |


.. بيسان ومحمود.. أجوبة صريحة في فقرة نعم أم لا ??????




.. دول أوروبية ستعترف بالدولة الفلسطينية في 21 مايو/أيار


.. -مطبخ مريم-.. مطعم مجاني ومفتوح للجميع في العاصمة اللبنانية




.. فيديو مرعب يظهر لحظة اجتياح فيضانات مدمرة شمال أفغانستان