الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مغالطات النقد الترقيعي

صلاح زنكنه

2021 / 8 / 18
الادب والفن


(المشهد الأدبي العراقي) كتاب تعريفي صدر مؤخرا عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق, والذي يضم بين دفتيه نصوصا شعرية لـ (43) شاعرا من محافظة ديالى مع مقدمة نقدية بقلم الدكتور جاسم محمد جسام.
أعتقد جازما أن العنوان أعلاه, عنوان فضفاض جمع بين الغث والسمين في بودقة واحدة من دون أي معيار أدبي أو نقدي أو ثقافي غير معيار الجمع والتجميع تحت يافطة مهلهلة (المشهد), والذي يحيلك مباشرة الى (القطيع) وأعني قطيع من الشعراء متباينين ومختلفين في كل شيء, سنا وشعرا وتجربة وأداةً, ولا يجمعهم سوى الرقعة الجغرافية (ديالى).
إن الجمع والتجميع بهذه الطريقة العشوائية وحسب الحروف الهجائية يدل دلالة قاطعة على جهل الجامع الذي لا يفرق بين القصيدة والعصيدة, والذي اطلق تصريحات نقدية في غاية السذاجة في مقدمته الترقعية التعويمية والتي لا تمت بأي شكل من الأشكال الى النقد الاكاديمي الذي ينتمي إليه (دكتورا).
كان الأجدر بالسيد الجامع (وهو أستاذ اكاديمي وناقد) أن لا يخلط بين أنماط القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر, وأن يبعد القصائد الركيكة شعريا وفنيا, ويخصص لها خانة (فصلا) خاصة, فضلا عن ترتيب القصائد الأخرى وفق معطياتها الأنفة الذكر (العمودي) ثم (التفعيلة) ثم (قصيدة النثر).
فخالد الداحي وأنمار الجراح ومحمد الصيدواي وجلال عبدالله وجلال جليل وعامر هادي وفريد مسعود ومرشد العنبكي وقاسم عباس أمير وفالح الكيلاني وعبد الرحمن العبيدي وضمد كاظم الوسمي وكريم القيسي شعراء عموديون, لكن شتان ما بينهم, فلكل منهم اشتغاله, وللداحي والجراح اشتغال ورصانة شعريتان يفوقان الآخرين طرا, كون معظم الأخرين ينظمون كلاما منمقا مزركشا لا ينتمي الى الشعر إلا وفق الوزن والقافية.
وثمة شعراء آخرون غادروا الشعر نهائيا وما نصوصهم إلا فتات من دفتر الذكريات الذي تهرأ.
وما اقحام الشاعر الستيني ياسين طه حافظ (الأكثر نضوجا ورسوخا كتجربة شعرية) في هذا المشهد العشوائي إلا طامة كبرى, كون الشاعر اقام بضع سنوات في بعقوبة وغادرها الى الأبد, مثلما أقام فيها حسين مردان قبله.
بينما خلا (المشهد) من الشعراء أمين جياد وأحمد المانعي وجلال زنكابادي وجاسم درويش وخضر الكيلاني وخليل المعاضيدي وحسين الحمداني وسفيان الخزرجي ومعمر حميد ناجي ووديع العبيدي الذين ينتمون للمدينة حسب التصنيف المناطقي للمشهد (القطيعي) الذي وثق لكل من سطر بضعة أبيات من الشعر هنا أوهناك ولم يصدر مجموعة واحدة طوال مسيرته الشعرية التي تجاوزت الأربعين عاما (هابياض)؟؟؟ !!!
إن ترسيم الشعر والشعراء وفق منظومة مناطقية ضيقة اهانة للشعراء وبصقة نقدية على الشعر برمته, فالشعراء ابراهيم البهرزي وأمير الحلاج وعمر الدليمي مثلا (لا حصرا) ينتمون لحداثة الشعر العراقي ومن المعيب تنميطهم وتقزيمهم مناطقيا (ديالى).
هؤلاء شعراء عراقيون يقيمون مكانيا في هذه البقعة الجغرافية (ديالى) لكنهم يشتغلون شعريا في مديات الشعر الخالص, ويتلاقحون ويتوائمون مع تجليات الشعرية العراقية والعربية والعالمية على حد سواء.
لكن السيد الناقد الحصيف جمع (كل من هب ودب وفق كوكتيل منوع) دون مراعاة الخصائص الفنية لكل شاعر في كتاب جامع مانع (المشهد الأدبي العراقي .. شعر .. ديالى) كما يجمع فلاح متهور (الذئب والنعجة والثعلب والدجاجة والكلب والأرنب والحمار والجمل والقرد والدب والخنزير والأسد والغزال) في زريبة أو حظيرة واحدة كونهم كلهم حيوانات دون أن يفرق بين فصيلة هذا عن ذاك.
واختزل صديقنا الناقد تجارب (43) شاعرا عبر مقال مقتضب (خاط وخربط) بمزاجية وأريحية عجائبيتين .. وإليكم بعض فذلكاته النقدية التي هي بمثابة فرقعات انشائية, لا تليق بناقد محترف.
1- يظل محور اللغة الشعرية هو المحور الأهم في هذا التجريب المستمر.
ترى أين هو التجريب المستمر ؟ وعند أي شاعر ؟ وفي أية قصيدة ؟ وماذا يعني باللغة الشعرية ؟ وهل ثمة قصيدة بلا لغة شعرية ؟
2- لأن علاقة الكلمات وأبعادها المجازية تتأتى بشكل تبيئيري وبطاقة مشحونة بهذا التعدد.
أي تعدد ؟ وما هو الشكل التبئيري ؟
3- أن الحرف لا الكلمة فحسب له دلالته القوية في بعض القصائد.
عجبا كيف يكون للحرف (مجردا) دلالة ؟ بل حتى الكلمة لا تكون لها دلالة إلا في سياق الجملة, وأين هي الحروف والكلمات التي يعنيها في بعض القصائد ؟
4- إن هذه النصوص في أغلبها الأعم تخضع للنظام اللغوي المنكسر, والذي يؤسس للنص معنى المعنى.
يا سلام على النظام اللغوي المنكسر !!! ومعنى المعنى والمستتر والمضمر الذي شمل به (30) شاعرا لا يجمعهم أي مشترك شعري أو بيئي أو ثقافي.
ثم يحشر( 13) شاعرا آخرا في النظام اللغوي الدائري الذي هو (كيف تبدأ الجملة الدالة وكيف تنتهي) و(ما العلاقات التركيبية بين المفردات والصيغ) و(كيف تتشكل المكونات الظاهرة والمضمرة) هكذا يتساءل الناقد ويضيف (وبالتالي تخلق ارتباطات من وراء ذلك يعود الى السياق والانزياحات متعددة الخطوات والدرجات)
أليست هذه تهويمات وطلاسم وكلام فارغ يا أيها النقاد ؟؟؟
5- إن هذه القصائد (ويعني جميع الشعراء بلا استثناء) تخضع لمفهوم لغوي جديد (ولا ندري أهو المنكسر أم الدائري) يدور حول رفض القواعد والاشتراطات النحوية, وإهمال الارتباطات المنطقية بين المفردات، ونسف البنية التركيبية للجملة.
تصوروا معي .. قصائد ترفض القواعد والنحو, أي بمعنى تنصب المرفوع وترفع المنصوب ثم تهمل الارتباطات المنطقية (حتى السريالية والدادائية لم تفعلان ذلك) وتنسف البنية التركيبة للجملة (ماذا تبقى للأدب) لتتحول القصائد الى (أحاجي وحزورات وأفلام كارتون) وفق هذا التوصيف الغريب والتنظير العجائبي الأكثر غرابة.
ترى أين الموضوعية والصدقية والمسؤولية في مثل هكذا كتابة نقدية ؟ أين الحرص الاكاديمي ؟ وأين الاشتغال النقدي الجاد ؟
وأخيرا أجزم أن صديقي الناقد د. جاسم لم يقرأ القصائد قراءة وافية واعية, بل مر عليها مرور الكرام, ولم يلحظ حتى الأخطاء النحوية والاملائية التي تخللت بعض القصائد (جلال جليل العزواي مثالا).
أتمنى على اتحاد الأدباء أن لا يصدر الجزء الثاني والثالث على هذه الشاكلة العشوائية المربكة, وأن تتبني المشروع لجنة مختصة من الشعراء والقصاصين والنقاد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي