الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق: قلب الشرق الاوسط .. ح 10

عباس موسى الكعبي

2021 / 8 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


ريتشارد كوك
ترجمة: عباس موسى الكعبي

عام الأمل

"قلنا للأسد، أأنت أسد؟ فأجاب بارتياب: "ربما أنا كذلك" أو" أبدو كذلك "- المعري.

بزغ عام 1919 مليئا بالأمل لبلاد الرافدين. فقد انتهت الحرب العالمية بطريقة مقبولة لاسيما للفئات الذكية في مجتمعات بلاد ما بين النهرين. كانوا يتضرعون ويبتهلون لفترات طويلة في الخفاء عل الله يرزقهم بتدخل أوروبي أو أمريكي يحررهم من العبودية الجائرة التي يعانون منها تحت الحكم العثماني، وان يجعلهم على تواصل مباشر مع ما يجري في باقي دول العالم المتحضر. لقد اعتادوا على مدى أجيال أن ينظروا إلى البريطانيين بشكل خاص على أنهم صلة وصلهم بحياة الغرب المفعمة بالنشاط، ولم يميلوا حديثاً إلا نحو الألمان بسبب التكاسل والانحلال الواضح للبريطانيين أنفسهم؛ لأنه من الجلي أنه لا فائدة من قيام شعب ضعيف وتابع بمنح ولاءه لسلطة عاجزة، مهما كانت ودودة أو مألوفة. ولكن من دواعي سرورهم، وأيضًا دهشتهم، أن الإمبراطورية البريطانية قد نهضت في الحرب كما طائر الفينيق الذي بعث من تحت الرماد، وتخلصت من الكسل والإهمال الذي ساد العصر، وأظهرت شيئًا من الحيوية والنشاط الذي تمتعت به في السنوات السابقة. لقد تأكدوا بشكل مباشر، وبلغة مشتركة، انهم " ينتظرون انجلاء الوضع قبل اتخاذ القرار". لقد بذلوا كل شيء بإخلاص لاجل القضية البريطانية، وكانوا يتطلعون إلى رؤية المكافأة على إخلاصهم متجسدة في التطور الحضري الذي طال انتظاره لبلدهم.

ليس من السهل على أولئك الذين عاشوا حياتهم في الاجواء المثيرة للغرب، حيث يشكل التقدم التكنولوجي والفكري الخلفية الطبيعية للحياة، أن يدركوا الميول الذهنية لمواطن ذكي ازاء بلده المتخلف.

تخيّل، على سبيل المثال، احاسيس أحد ابناء بلاد ما بين النهرين الذي يشعر بنفسه أنه شاب نشط وحيوي وقادر على القيام بأشياء عظيمة، هذا الشاب، الذي اصبح رجلا، لا يجد سوى سبيلين امامه؛ اما البقاء في بلده ومواجهة الركود الفكري والأخلاقي؛ أو الهجرة إلى بلد اخر، وينغمس طموحه في حياة مهنية على حساب حبه لوطنه، وهو حب طبيعي مغروز في كل رجل سليم. لقد اضطر العديد من مواطني بلاد ما بين النهرين، بسبب سوء الحكم وفساد الادارة التركية، الى اتخاذ مثل هكذا قرار. فالولايات المتحدة والأرجنتين، وبدرجة أقل مدن أوروبا، مليئة بأبناء بلاد ما بين النهرين الذين اضطروا إلى إدارة ظهورهم لبلادهم من أجل الحصول على الفرصة التي تستحقها مواهبهم. وفي هذا السياق، وصل عدد لا بأس به من ابناء بلاد ما بين النهرين إلى مكانة مرموقة في دول اللجوء، ولعل أبرزهم، عائلة ساسون العظيمة في بغداد، الذين أظهروا في كل من الهند وإنجلترا أنهم قادرون على شغل أعلى المناصب في عالمي التجارة والسياسة في بلدان اللجوء. هناك مئات المدن والبلدات في الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية تضم عربًا ويهودًا وكلدانًا دفعهم السعي لتجربة حظهم في العالم المتقدم، لكنهم ما زالوا يخفون في قلوبهم حبًا مؤلمًا لبلاد الرافدين التي كانت ذات يوم بلاد عظيمة، لكنها باتت اليوم مقفرة.

بيد انه في بداية عام 1919 ، كان هناك ثمة شعور في الخارج بأن كل شيء قد انتهى، فقد ولى الأتراك، وجاء البريطانيون، وسيجري العمل على تطوير بلاد ما بين النهرين كما تطورت الهند ومصر، وسيتم الاستفادة من الأنهار، ومنع الفيضانات، وإدارة شبكات الري بصورة متقنة، وسيتم انشاء طرق وسكك حديد متطورة. وفي غضون سنوات قليلة، قد تصبح بلاد ما بين النهرين، بمناخها الشتوي المثالي، ليس فقط بلدًا زراعيًا عظيمًا، وانما منتجعًا سياحيًا ينافس مصر في تنوع معالمها وازدهارها. واخيرا، جاء الوقت الذي كان يحلم به جميع سكان بلاد ما بين النهرين المخلصين طيلة سنوات. ستنهض مدن البصرة وبغداد و الموصل، المدن التي كانت قذرة ومهملة، ستنتعش، تحت سحر اللمسات البريطانية، وستسترد بعض مظاهر عظمتها السابقة، من خلال اعمال تصريف المياه وإعادة البناء والتشجير واجراء كافة التحسينات ووسائل الراحة التي تتمتع بها المدن الحديثة..

يتبع..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و