الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدث ذات مرةٍ في الشرق

نوفل شاكر

2021 / 8 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


في مطلع القرن الماضي، كتب ( روديار كيبلنغ) الأهزوجة الشعبية، التي ذهبت مثلاً سائراً: " الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا"! ولا نعلم فيما إذا كان برنارد لويس، وريتشارد بيرل، و روبرت ساتلوف قد سمعوا بهذه الأهزوجة أم لا؟ ولكن الذي حصل مؤخراً في أفغانستان هو تجسيد حقيقي لهذه " النبوءة الشعرية".

عندما دخل الجيش الأميركي أفغانستان، قبل عشرين عاماً؛ كان كبير مراسلي ال " بي. بي. سي" (جون تومسون) يغطي هذا الدخول بكثير من الفرح والابتهاج… يا ترى: ما الذي أفرح هذا الرجل؟!

قبل ذلك بأعوام، بعد انهيار الاتحاد السوڤياتي، وتحديداً عام 1995 أعلن المحافظون الجدد أنّ " القرن المقبل سيكون القرن الأميركي". كما أن المفكر السياسي الشهير ( فرنسيس فوكوياما) أطلق عبارته الشهيرة " نهاية التاريخ" أمام أميركا المنتصرة في الحرب الباردة.

يقول الفيلسوف الأسباني ( جورج سانتيانا): " إنّ الذين لا يقرأون التاريخ؛ محكومٌ عليهم أن يكروره". ويبدو بأنّ منظِّري " المحافظين الجدد" وباحثي " معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" ومعهم " صُنّاع السياسة الأميركية" لم يقرأوا تاريخ الشرق بما يكفي، على الأقل بما يكفي من الوقت الذي تستغرقه قراءة أسماء 58 ألفاً ونيف من الجنود الأميركان القتلى في حرب ڤيتنام.

إنّ ما جرى في أفغانستان يعد بأبسط المعايير هزيمة أميركية نكراء، وقد عبرت عن ذلك صحيفة ال( ديلي تليغراف) اللندنية بعنوان ملفت: " الغرب يهرب، وطالبان تتولى" ربما الصحفيون هم الأقرب إلى فهم عقليات الشعراء ونبوآتهم من السياسيين..من يدري!

وزيرٌ بريطاني شبّه ما حدث في أفغانستان بما حدث في العدوان الثلاثي بالسويس. صحيفة ( الغارديان) وصفت سقوط كابل بأنه: " يمثل نهاية الخيال الغربي لما بعد الامبريالية". حتى الصحافة الأميركية قالت ذلك، فقد نشرت ال ( نيويورك تايمز) مقالاً وصف الرئيس الأميركي ( جو بايدن) بأنه " سيدخل التاريخ باعتباره الرئيس الذي أشرف على آخر عمل مُذل بأفغانستان"!

أين ذهب التفوق التكنولوجي؟
أين ذهب القطب الواحد؟
أين ذهب " القرن الأميركي"؟!
من سيكتب " نهاية التاريخ"؟؟

التجارب تقول بأنه لا مكان للكبرياء والتنطعات في عالم السياسة. فالدوافع العسكرية والجيوسياسية؛ التي كانت تحرك بريطانيا و أميركا في الثلاثينيات من القرن المنصرم، هي نفسها التي ستحرك الصين في أفغانستان اليوم ( إن لم تكن قد حركتها). فيكفي أن نعرف بأنّ نصف احتياجات الصين النفطية تستوردها من السعودية والإمارات وعمان والكويت والعراق وإيران. وبدون هذه الاحتياجات النفطية، لن تتمكن الصين من أن تتحول إلى قوة عالمية، وأنها لكي تؤمن هذا النفط لابد لها من حماية ممراتها البحرية والبرية.

إنّ التفاهمات التي توصلت إليها الصين مع باكستان تدل على ذلك، فبعد انتهاء الحرب الباردة، حلّت الهند محل الباكستان لدى الولايات المتحدة الأميركية. دلهي حليفة لواشنطن، وإسلام آباد ( ومعها طالبانها) أقرب إلى بكين، وهذا يعني بأن التنين الصيني على وشك أن يلهب الغرب بجحيمه الحارق.

وبناءً على ما تقدم، نستطيع أن نستشعر مدى الألم الكامن في عبارة زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب الأميركي ( كيڤن مكارثي) عندما وصف طريقة تنفيذ الانسحاب ب " الخطأ الذي سيخيم علينا لعقود"!، وسيكون تصريح دونالد ترمب الأخير ( برغم شهادته المجروحة) بأنّ " ما فعله جو بايدن في أفغانستان أسطوري وسيكون أكبر هزيمة للولايات المتحدة في التاريخ الأميركي" هو " الحصاد المر" للولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي… حصادٌ أراق الكثير من الدموع والدماء، و ربما سيعيد تشكيل العالم… حصادٌ حدث ذات مرةٍ في الشرق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: قتلى فلسطينيين في عميلة للجيش الإسرائيلي بقرب


.. غزة: استئناف المحادثات في مصر للتوصل إلى الهدنة بين إسرائيل




.. -فوضى صحية-.. ناشط كويتي يوثق سوء الأحوال داخل مستشفى شهداء


.. صعوبات تواجه قطاع البناء والتشييد في تل أبيب بعد وقف تركيا ا




.. قوات الاحتلال تنسحب من بلدة بطولكرم بعد اغتيال مقاومين