الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين يبيع الغشيم شعرنا رخيصاً

كمال سبتي

2006 / 8 / 16
الادب والفن


أقرأ أحياناً كلاماً عن الشعر ، فأتذكر الكلمة في اللغات الأوربية :Inocente في الإسبانية و Innocent في الإنجليزية و كل واحدة من اللغتين تمثلان بالطبع عائلتيهما : اللاتينية والجرمانية.
والكلمة معناها : بريء ، وسليم النية وبسيط القلب وساذج وغير رشيد وأضيف معنى إليها لا يقوله القاموس : غشيم.
فأنت لا تصف صديقاً أوروبياً بهذه الكلمة في حوار لأنه سيغضب عليك ، لكنه سيتمنى سماعها من القاضي في المحكمة حين يكون متهماً بجرم مّا ، فهي كلمة (بريء) المستخدمة في قرارات القضاة ، ووقتها سيفرح بها ويقيم احتفالاً.
وفي العربية نفصل بين المعنيين ( البريء والساذج) بمفردتين مختلفتين ، كما لا يخفى ، وإن وضع بعضُ القواميس (البريءَ) شرحاً للغشيم.
لكن لنبقَ في الكلمة الأوربية.
فإنني أتذكرها حين أقرأ كلاماً يبيع به صاحبه شعرنا العراقي رخيصاً لأدونيس .
وليس ثمة عقدة شعرية عند صاحبنا الشاعر العربي أحكمَ من الشعر العراقي.
مؤكد أن الكلمة الأوروبية لا تذكّر بأدونيس ، لا قليلاً ولا كثيراً ، أي أن أدونيس ليس غشيماً كمن كتب ذاك الكلام.
فلم يمتدح يوماً شعر العراق "للاشيء" في كلمة مكتوبة.
لكنه كان يهينه ويجد عراقياً يردد إهانته في الصحافة العراقية.
لا يمتلك أدونيس حضوراً فنياً قوياً في الشعر العراقي ، كما كان يشيع هو.
والشعر العراقي لا يعيش أزمة كما يشيعها هو بين جلاسه العراقيين من غير الشعراء.وإن كان أحد يعيشها منذ عقود فهو أدونيس نفسه.
الشعر العراقي متطور فنياً بمحطات كثيرة مقارنة بالشعر العربي في بلدان أخرى ، لا بأدونيس المتوقف عن النمو وغير القادر على الخروج من المأزق اللغوي البارد الذي أوقع نفسه فيه منذ مرحلة مبكرة.
الشاعر العراقي وهو في السبعين من العمر يجرب أشكالاً جديدة في الكتابة ، عكس أدونيس تماماً. وتلك لعمري هبة قدرية من ربة الشعر ، يفعلها الجواهري ، كان ، ويفعلها مواطنوه من الشعراء في الكتابة الحديثة ، الآن.
لم يفتقر شعر في التاريخ المعاصر إلى دراسة اتجاهاته الفنية دراساتٍ منهجية مستمرة ومتعاقبة كالشعر العراقي بسبب من المأزق السياسي الطويل الذي يعيشه العراق. فلم تركز انجازاته في الذهن نهائياً .هي انجازات معلومة لكنها غير موثقة منهجياً وثابتة في التاريخ .
القصيدة العمودية هي قصيدتنا ولم يرحل فتاها وشيخها الجواهري إلا قبل أعوام ، وقصيدة التفعيلة هي قصيدتنا ولنا فيها الأسماء كلها ، ومنها المعلم بدر.
وقصيدة الكتابة الحديثة المتطورة كثيراً على قصيدة النثر التي كان لنا فيها باع ، هي قصيدتنا التي دخلت أروقة الجامعات الأوروبية والأميريكية وقاعات درسها نموذجاً كونياً للكتابة الشعرية الحالية في العالم.
والشاعر العراقي شاعر مثقف تراثياً وحداثياً فهو ، بعامة ، متمكن من لغته العربية أولاً قبل أن يتمكن من لغات أخرى أيضاً..
وقد تكون ميزة عراقية ألا يذهب الشاعر منا إلى الحداثة ما لم يتمكن من معارف كلاسيكية أساسية في الأدب ، حتى سئلتُ ذات مرة في لقاء صحافيّ في الصحافة اللبنانية عن قوة التقاليد في الشعر العراقي. فأجبت فرحاً : ( نعم هناك تقاليد قوية في الشعر العراقيّ ، لكنها تقاليد لصالح الكتابة الشعرية لا ضدَّها.)
فأنْ يباع ، شعر العراق رخيصاً في كلام يُنشَر في بغداد ، فأمر لا يذكرني إلا بالكلمة الأولى وبمعناها الذي أضفته أنا : غشيم. فكاتب ذاك الكلام غشيم. ولأنه ليس متهماً بجرم البيع عن سبق اصرار فهو بريء بمعنى الكلمة ذاتها.
وليزن كلماته لاحقاً بميزان..
وليتروَّ قبل أن يطلق قولاً مّا عن شعرنا..
وإن أراد مدحَ أحدٍ آخرَ فليفعله باسمه وبدون أن يجرّ شعرنا معه ليُذبَحَ بالغشامة قرباناً إلى الممدوح ، فلا أحد خوّله تضحيةً بشعرنا كهذه..
ولن يخوّله أحدٌ تضحيةً كهذه أبداً..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى