الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفغانستان بين اللاهوت ودولة القانون - 01

داليا سعدالدين
باحثة فى التاريخ

(Dahlia M. Saad El-din)

2021 / 8 / 19
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


في تطور الإنسان خلال العصور السحيقة عبر جمع الثمار، فالصيد ثم الاستقرار؛ عمد إلى تكوين المستوطنات؛ التي أوجدتها روابط أسرية أو مصالح متعلقة بنجاة وصمود الجماعات البشرية الأولى أمام قوانين الطبيعة. وخلال هذا الوقت العصيب، ربما تكون العلاقات القبلية قد نشأت إما على أساس التفاهم أو على أساس الصراع؛ إذ كانت العلاقات ضمن عملية التطور الاجتماعى لتخليق وتأسيس نظام مجتمعي محدد اقتصاديا وسياسيا. ومن ثم توالى ظهور القبائل المتحالفة أو المتصارعة للاستحواذ على أراض أخرى خاضعة لغيرها، بينما كانت هناك قبائل أخرى أضعف خضعت لسيطرة الأقوى. ما ادى إلى تطورات وتحولات؛ نقلت العلاقات السياسية القديمة إلى نوع من التحالف السياسى البدائى على مدى العصور التاريخية.
غير أن ذلك التطور البشرى لم يكن ليحدث دون سيطرة الضمير على أهواء أولئك المتعطشين للدماء. ومن خلال الضمير حدد الإنسان طبيعة علاقاته الأخلاقية، فى شتى مناحى الحياة الاجتماعية والاقتصادية وبالتالى السياسية، فى كل محيطه. ومع ترسيخ مبدأى استقرار الجماعة البشرية والضمير، تم التفاهم على صياغة الأعراف المتوارثة ليظهر القانون. بالتالى تحولت الجماعات البشرية من حالة القبالة والترحال المستمر، إلى حالة تأسيس الممالك السياسية فى المدن. وبفضل القانون؛ الذى سمح بتطور الجماعات المستقرة، ظهرت الحضارات الأولى للبشرية فى وادى النيل وبلاد بين الرافدين.
وعبر مراحل العصور القديمة، فرضت كلا الحضارتين نفوذهما السياسى والاقتصادى على مناطق كبيرة وشاسعة فى محيطهما الجغرافى. حتى أن مصالحهما الاقتصادية والسياسية مرت بمراحل تباينت بين المواجهات العسكرية، والتحالفات السياسية، بل والعلاقات الدبلوماسية فى مناسبات أخرى؛ لإرباك استرايجيات التوسع لإحداهما على حساب مصالح الأخرى. ولنا فى رسائل العمارنة نموذج لدبلوماسية العصور القديمة ذات القيم القانونية؛ إذ لم تفرض أيا من الحضارتين قيمها الدينية الراسخة فى أذهان ملوكها، على الأخرى. كما أن ما حدث من مواجهات عسكرية لم يكن يهدف إلى إعلاء ديانة حضارة أو فرضها على الأخرى، بل كانت مواجهات تهدف للسيطرة الاقتصادية، لا لسيطرة قيم دينية على أخرى. وإن كان فرض تعاليم وقيم دينية محددة على شعب مصر خلال فترة حكم الملك آمينحوتب الرابع/ إخناتون باستخدام القوة الجبرية والترهيب، كان أحد مظاهر استغلال قوتى السلاح والمشاعر الدينية لتحقيق أهداف اقتصادية.
ومع توارى تلك الحضارات البشرية فى طيات النسيان، برزت حضارات وإمبراطوريات فرضت على بعض الكيانات السياسية الخاضعة لنفوذها، اتباع قيم دينية محدد. إذ كان ذلك قبل زمن طويل على مجمع نيقية المسكونى الأول فى عام 325 م. برعاية، أو بالأحرى بزعامة؛ قنسطنطين الأكبر - Constantine the Great (306- 337 م.). ورغم أن الجماعة اليهودية كانت خلال أغلب الفترات المتاخرة للعصور القديمة، هم الاستثناء؛ إذ نجوا من فرض القيم الدينية للإمبراطورية الرومانية، سواءا قبل أو بعد قنسطنطين الأكبر. إلا أن ذلك لم يكن حائلا لظهور التطرف الدينى؛ إذ ظهرت جماعة السيكارى – Sicarii فى القدس خلال عام 70 م. الذين عارضوا تعاون أقرانهم اليهود مع السلطة الرومانية آنذاك، حيث طبقا للتعاليم الدينية اليهودية؛ اعتبروهم كفرة إذ أنهم يتعاونون مع السطات الرومانية الكافرة. ومن ثم كانوا يخبئون الخناجر تحت عبائاتهم، ويظهرون بين الحشود، حيث يطعنون ضحاياهم من مثقفى اليهود المتعاونون مع الرومان، وبعد ذلك يذوبون بين الجموع. ورغم ذلك لا يمكن اعتبار منهج السيكارى الفياض بالتعاليم والمشاعر الدينية أنه كان يهدف إلى فرض قيم دينية على الجماعات غير اليهودية فى المجتمع.
ثم تحل فترة أواخر القرن الحادى عشر على التاريخ الإنسانى لتظهر أحد اخطر جماعات الدين السياسى، الا وهى جماعة الحشاشين، حيث استولى حسن الصباح على قلعة تعلو جبل فى المنطقة الحدودية الواقعة حاليا بين إيران وأفغانستان، عرف مقر جماعته حينئذ باسم قلعة "الموت" وتعني باللغة الفارسية عش النسر. وفى سبيل محاولات الصباح لفرض قيم دينية تغلف أهدافًا سياسية، لم يكن هو أول من ابتكر فكرة الاغتيالات لترويج وفرض سياسة محددة؛ تنعكس لتصبح ذات صبغة دينية فى تاريخ الحضارة الإنسانية. وهنا تبرز قصة موت أو صلب يسوع المسيح، بتهمة التمرد على السلطة الرومانية الحاكمة، بتحريض من رجال الدين اليهود لتعارض تعاليم السيد المسيح معهم.
هكذا تحولت الفلسفة الأخلاقية التى انتجها الضمير الإنسانى للتعايش السلمى من خلال تعاليم مقدسة تبلورت فى قيم الأديان، وتطورت بمرور عصور التاريخ الإنسانى لتشهد على عظمة المنهج الفلسفى فى التفكير؛ لأن تصبح هى ذاتها أحد أسلحة دمار القيم الأخلاقية من خلال تخليق إيديولوجيا الدين السياسى، ليس فقط منذ بزوغ شمس الحضارة الإسلامية فيما اصطلح علية حديثا من منطقة الشرق الأوسط. لذا، ومن أجل تحليل الموقف فى أفغانستان؛ لابد من تفكيك وإعادة ترتيب أحداث التاريخ المدرسى ليس فقط فى الشرق، بل فى عالم رأس المال اللاهوتى للديانات الإبراهيمية، والمهيمن على مجريات التاريخ الحديث والمعاصر بهدف انجاز مصالح اقتصادية- سياسية ذات أبعاد دينية.
وللحديث بقية ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد مع فراس وراند.. مين بيحب التاني أكتر؟ | خلينا نحكي


.. الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟ • فرانس 24 / FRA




.. تكثيف الضغوط على حماس وإسرائيل للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النا


.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل يقترب إعلان نهاية الحرب في غزة مع عودة المفاوضات في القاه