الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طالبان .. أين وقف العالم بالأمس؟

أيوب بوعمري
(Ayoub Bouamri)

2021 / 8 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


اختلف مع من يجزم بفهمه السطحي على أن أمريكا هي المسؤول الأول والأخير عما يحدث في أفغانستان. فهذا جهل أولا بجغرافية أفغانستان وتاريخها وثانيا بالوضع السياسي الغير مستقر في المنطقة. تتشارك أفغانستان الحدود مع 3 دول شديدة التأثير في المشهد الدولي وهي الصين، إيران وباكستان. وتؤثر عليها أيضا 5 دول بارزة في المنطقة وهي روسيا، الهند، قطر، السعودية وتركيا. ثم هناك أمريكا والحلفاء. وبالتالي فتقزيم هذا الخليط السياسي على أمريكا فقط هو ناتج عن فهم سطحي للوضع.

أولا: طالبان هي صناعة أفغانية-باكستانية محضة. من دعم طالبان في التسعينيات هي الحكومة الباكستانية التي زودت طالبان بالسلاح والمؤن والتخطيط. فطالبان لم تكن تفكر في الخروج عن حدود قندهار ودخول كابول إلا بعد تحريضها من الجارة باكستان. وأهداف باكستان من ذلك اقتصادية محضة. من يعرف جغرافية المنطقة سيفهم هذا الكلام جيدا. فباكستان تحدها الهند جنوبا (وهي العدو الكلاسيكي)، وأفغانستان شمالا (كانت تحكمها حكومة شيوعية لم تكن على وفاق مع باكستان). لذا فمن البديهي أن تدعم باكستان أي حكومة بديلة في أفغانستان تسهل عليها التجار مع دول آسيا الوسطى. وهكذا فإن باكستان كانت اول دولة تعترف بحكم طالبان.

ثانيا: أفغانستان هي المرأة الحامل. ما فعلته باكستان هو إخراج هذا المولود. الأوضاع المضطربة داخل البلاد بسبب الأحزاب الجهادية التي غنمت البلد بعد طرد السوفيات ساهمت في ظهور طالبان. فتفشي الاستغلال وحرب المجاهدين وتقسيم البلاد واضطهاد السكان ناهيك عن ما سمي ب "تفشي المناكر" في بلد إسلامي محافظ؛ سرّع بظهور جبهة معارضة من خارج المشهد السياسي. طالبان (بدعم من باكستان) لم تجد صعوبة في السيطرة على الولايات. فمن جهة وجدت شعب بائس ومنهك. ومن جهة أخرى وجدت فصائل المجاهدين خائرة بسبب الاقتتال في ما بينها.

إذا فأفغانستان هي المرأة الحامل. حامل بالاضطرابات وانعدام الاستقرار والجهل والفقر والتعصب الديني. ولفهم هذه الأخيرة وجب الحديث عن منعرج في تاريخ البلاد اعتبره شديد الأهمية. في عام 1928 عندما حاول الملك أمان الله خان السير على خطى كمال أتاتورك في تركيا، ووجه من طرف العلماء فاتُّهم بالكفر وخلع فقتله الثوار. لو اتخذ التاريخ مسارا آخر عندها لكانت "ربما" أفغانستان دولة علمانية أكثر استقرارا كما هو الحال في تركيا. نلاحظ إذا أن العلماء هم أصحاب القرار لشدة تعلق الشعب بهم. وعلى مر التاريخ خلعوا ملوكا وبايعوا آخرين. وبالتالي فإن الإسلام (أو نسخة أفغانية منه) له دور كبير في تشكيل الجنين داخل بطن أفغانستان. ودليل آخر على ذلك هو أن أفراد التنظيم الإرهابي تم تفريخهم في مدارس متأثرة بالديوبندية (أزهر الهند) كدار العلوم الحقانية ودار العلوم والجامعة الإسلامية والجامعة الفاروقية ومنبع العلوم وعربية مطلع العلوم والجامعة الأشرقية وغيرها من المدارس الإسلامية.

فالحال إذا بالنسبة لطالبان هو أن الحمل حدث في أفغانستان وسط جبالها وسهولها وعلى ضفاف أنهارها. ما فعلته باكستان هو إخراج هذا المولود ومساعدته على النضوج وتحقيق ذاته. وما يروى هنا هو الحال نفسه بالنسبة إلى جميع التنظيمات الإرهابية. فهي تنبثق من شوارع وشرائع الدول المسلمة. ثم تُدعم من دول أجنبية ترى في دعمها مصالح سياسية واقتصادية.

ثالثا: عندما سيطرت طالبان على 95% من البلاد، تُرِكت 5% من مساحة أفغانستان تحت سيطرة التحالف الشمالي بزعامة أحمد شاه مسعود. هذا التحالف الذي ما كان ليصمد لولى دعم موسكو له. فروسيا ترفض قيام دولة أصولية متشددة في جوارها. وروسيا لها تاريخ في كابول تريد الثأر له كما لأمريكا تاريخ في طهران. ثم هناك الهند التي تخالف باكستان في كل شيء. لذا بدا بديهيا أن تدعم هي الأخرى التحالف كيدا في عدوها الكلاسيكي. والسيناريو بين الهند وباكستان يتكرر في إيران كذلك عندما دعمت الهند الثورة الإسلامية حتى تضغط على باكستان. ومن جهة أخرى هناك أمريكا التي بدأت الحرب على الإرهاب وكانت مستعدة لتقلب الدنيا رأسا على عقب من أجل إيجاد أسامة بنلادن. وفي سبيل ذلك دفعت مجلس الأمن لفرض الحصار.

رابعا: إيران المختلفة أيديولوجيا عن طالبان دعمت أحمد شاه مسعود سياسيا. وعليه يمكن استنتاج رأي السعودية (العدو الكلاسيكي لإيران) بخصوص طالبان دون اللجوء إلى التاريخ. فالسعودية هي أحد الدول الثلاث بالإضافة إلى الإمارات وباكستان التي اعترفت بطالبان.

في 1996 استلمت طالبان كابول (ومعها معظم أراضي أفغانستان) على شكل حطام بنايات. بلد دمرته الحرب حتى أصبحت البنايات السليمة في كل مدينة محسوبة على رؤوس الأصابع. كان البلد يعاني من مشاكل في الكهرباء والتواصل اللاسلكي والتعمير والبنيات التحتية. حتى أن الطرق التي تربط المدن كانت شبه مدمرة؛ حيث أصبحت رحلة الخمس ساعات تستغرق يومين. في فترة حكمها مُورِس على طالبان الحصار من طرف المجتمع الدولي. حصار مارسته طالبان بدورها على الشعب الأفغاني. زاد الشعب الفقير فقرا وجهلا ومجاعة. خيم شبح الموت على "الإمارة". أصبح عدد اللاجئين بالملايين. قُطِعت أطراف السارق وسُجِن حالق اللحية وحُبِست المرأة في المنزل. كثر المتشردين والمرضى والجثث. مُنِعت السينما والرسم والموسيقى. اسْتَلَمت طالبان بلد بائس، فزادته بؤسا.

أخيرا: في رأيي الشخصي أعتبر أن طالبان أقرب من أن تكون نسخة لأحد أشد أعدائها: إيران وإسرائيل. ففي النهاية حاولت طالبان بناء دولة على أساس ثيوقراطي لا يكن الاحترام الكامل لغنى المجتمع الأفغاني الذي تتعدد فيه الأعراق واللغات والأديان. والأمر ذاته يتكرر في تجربة ولاية الفقيه في إيران والمشروع الصهيوني في إسرائيل. الفرق هو أن إيران وإسرائيل دول مؤسسات وفصل السلط. كما أنهما أكثر مواكبة للعصر إذا ما قارناهما بطالبان السلفية. ناهيك عن أنهما ناجحتان اقتصاديا وسياسيا وعسكريا واجتماعيا بفضل الكوادر والكفاآت. هذه الأخيرة التي تكاد تغيب في تجربة "الإمارة". لكن أبرز وجوه الاختلاف تكمن في الأيديولوجية بحد ذاتها. فبينما تمتلك إيران وإسرائيل رؤية واضحة لمشروعهما الديني العقائدي. تتخبط طالبان بين السلفية والوهابية وتجربة الإخوان المسلمين. فبالرغم من أنها تنظيم سني يتَبنى المذهب الحنفي، إلا أن التباين والارتجال كان واضح على مواقفها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا