الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معالجة ديون العراق والاقتصاد المنهار بيد عصا البنك الدولي السحري!

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2021 / 8 / 19
الادارة و الاقتصاد


احدى الشروط القاسية التي فرضتها قروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي جنبا الى جنب بتناغم، هو تغيير سعر صرف الدينار العراقي امام الدولار الأمريكي، تأثرت بها في النتيجة سلباً رواتب الموظفين والمتقاعدين. ان هكذا ابتزاز هو انتهاك لحقوق الانسان. أمريكا تُسَير المؤسسات المالية الدولية، ومنها وكالة البنك الدولي التي أنشئت بموجب ميثاق الأمم المتحدة، والمفترض ان تعنى بالتنمية، وتمويل البلدان الفقيرة بهدف التطوير، بالإضافة الى تشجيع وحماية الاستثمار العالمي. لكن كلما تعمقت في نتائج إجراءاتها، لا تجد غير النفاق والاكاذيب! تجد في واجهة هذه المؤسسات المالية شعارات واهداف رائعة، من الاستثمارات في البنية التحتية الاجتماعية، في المدارس، والنظم الصحية، والاحتياجات الأساسية مثل مياه الشرب، والصرف الصحي - حتى حماية البيئة - فوق كل ذلك "تخفيف حدة الفقر"، أي عالم خالٍ من الفقر!! وانت ترى بأم عينيك واقع المجتمعات التي تداينت بشروط هذه المؤسسات، حيث نصحى يوميا على واقع مخيف من الابتزاز والاستغلال وزيف وخداع، على مرأى أمم العالم! الامم المتحدة حلت محل عصبة الامم، وتشكلت الاخيرة نهاية الحرب العالمية الاولى، وكانت مقرها في سويسرا، وكانت تهدف الى نزع السلاح والحفاظ على السلام الدولي من خلال تحقيق الامن الجماعي، ويتكفله اقوى 52 دولة مستقلة شاركت في انشائها، التزمت على المحافظة على السلام والأمن الدوليين، وتطوير العلاقات الودية بين الدول وتعزيز التقدم الاجتماعي، وتحسين مستويات المعيشة للإنسان والحفاظ على حقوقه. استطاعت شرف الغاية لتحقيق هذه الاهداف النبيلة المعلنة من قبل هذه الدول، ان تحافظ على هذا العقد والميثاق (النبيل) لعشرون عاماً فقط!!!! ثم ولدت حربا بين الدول المؤسسة للعصبة نهاية الثلاثينات من القرن المنصرم، امتدت للعالم وخلفت 60 مليون قتيلاً! وبعد عام من نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 تم انشاء منظمة الأمم المتحدة لتحل محل عصبة الامم، من قبل نفس الدول التي أسست عصبة الأمم إلا ان مقرها تحولت الى أمريكا كمهزلة نفاق، مما يجعل الناس يعتقدون أن قادتهم الأقوياء يريدون السلام فقط...
أصبحت الأمم المتحدة فيما بعد، توفر الغطاء القانوني للدول الغربية القوية لسلب الدول غنية الموارد والضعيفة عسكرياً، أصبحت غِطاءاً شرعيا لسرقة الثروات الطبيعية للدول الفقيرة! والاستغلال وانتهاكات حقوق الانسان. كما أصبحت مقدرات الأمم المتحدة خلال مؤتمراتها تحت الرعاية الامريكية، اقوى واغنى دولة في العالم والفائز في الحرب.. تَسَيدت الولايات المتحدة الامريكية الموقف المالي للعالم بشكل خفي، تم إنشاء صندوق النقد الدولي رسميًا "لتنظيم" العملات الغربية، ما يسمى بالعملات القابلة للتحويل، تلك التي اشتركت لتطبيق قواعد معيار الذهب الجديد، أي 35 دولارًا / 31.1 جرامًا). لاحظ أن معيار الذهب، على الرغم من أنه ينطبق بالتساوي على 44 دولة حليفة، كان مرتبطًا بسعر الذهب المحدد بالدولار الأمريكي، وليس على أساس سلة بقيمة 44 عملة وطنية!!! لكنها مُرِرت بموافقة الدول المؤسسة وخبرائها الاقتصاديين (الوطنيين!) ولم يشككوا في النظام المستقبلي، مما يدل على وجود اتفاق خفي بينهم.
تأسس البنك الدولي، أو بنك التعمير والتنمية رسميًا، لإدارة خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا التي دمرتها الحرب. كانت خطة مارشال بإدارة البنك الدولي، تبرعًا من الولايات المتحدة وتم تسميتها على اسم وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال، كلفت في النهاية أكثر من مائة مليار دولار امريكي وامتدت حتى أوائل الستينيات.. ونتجت عنها التبعية بين الولايات المتحدة وأوروبا، وأوروبا نفسها التي دمرت إلى حد كبير من قبل قوات الحلفاء الغربية، الاتحاد السوفيتي قاومت الى اخر قطرة دم من أبنائها التي بلغت 30 مليون قتيلاً، وقد خرجت خالي الوفاض رغم دورها الفاعل في حسم الحرب العالمية الثانية. وكما يقول المثل العراقي (يامن تعب ويامن شقى، ويامن على الحاضر لقى). تم تصميم خطة مارشال كدرع ضد روسيا الشيوعية ايضا. وأصبح الاعمار الاوروبي قائما على الدولار الأمريكي، وكان يمهد الطريق لعملة واحدة، في نهاية المطاف لغزو أوروبا (ما نعرفه اليوم باليورو). اليورو ليس سوى الطفل الذي يحتضنه الدولار، حيث تم إنشاؤه تحت نفس صورة الدولار الأمريكي، إنه عملة ورقية، لا يدعمها أي شيء. بأموال خطة مارشال، اشترت الولايات المتحدة تحالف أوروبا، وهو تبعية لم تنته حتى يومنا هذا. كانت الحرب الباردة التي أعقبت ذلك ضد الاتحاد السوفيتي، تستند إلى الأكاذيب الفاضحة، شهادة مباشرة على مهزلة دعائية غربية أخرى، والتي لم يستوعبها معظم الأوروبيين والى يومنا هذا.
تستمر الولايات المتحدة الامريكية هيمنتها على مؤسسات البنك الدولي، لتشمل غالبية دول العالم الذي يفتعل بها حروب وثورات وانتفاضات بضمنها دول الربيع العربي، وتجعل من وظائف البنوك المركزية لهذه الدول (ان صح التعبير)، كلاب مراقبة. لأن كل دولة من هذه الدول لديها بنك مركزي خاص بها، على الرغم من انها ناقصة السيادة.
لا تريد الولايات المتحدة دولاً قوية سواء في الشرق او في اوروبا، على الصعيدين الاقتصادي وربما أيضاً عسكرياً. والدول الأوروبية التي لها بنوك مركزية خارج الاتحاد الأوروبي، تعيش مستقلة ومرفهة، لو اختارت اليونان على سبيل المثال، الخروج من منطقة اليورو عندما تعرضت "للأزمة المالية" 2008-2009، لتعافت بدون الانجرار لأهواء وإملاءات صندوق النقد الدولي، والمفوضية الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، كان بإمكانهم اختيار تدابير اقتصادية لمعالجة ديونها الداخلية التي كانت تمثل ثقل الدين، بترتيبها دون الحاجة إلى الاقتراض من صندوق النقد او البنك الأوروبي، ومشروطتها المالية التعسفية.
وقع العراق على قرضين من صندوق النقد الدولي، بشروط مذلة ومهينة قد تهدد سيادته الوطنية، وتمهد للوصاية عند الاخلال بتلك الشروط في المستقبل. في حين كان لدى العراق امكانيات كثيرة تمهد لبدائل اقتصادية ناجعة. من تلك الأولويات، ترتيب البيت الاقتصادي وجدولة الديون، والتفاوض مع الشركات النفطية(الاستثمارية) التي تستنزف نصف الاقتصاد، وفي الوقت عينه بناء الدولة بالعدل واحترام حقوق الانسان الذي كرمه الله وعلى أساس المواطنة الحقة فحسب، ووضع نظم إدارة الدولة في حماية وطنية خالصة دون تدخل القوى الإقليمية. وايلاء الاهمية للصناعة والزراعة وحمايتهما. وقبل كل ذلك تحرير البنك المركزي العراقي، موضوع البحث، لتحافظ على سياستها المالية السيادية ولا تعتمد على البنك الدولي..
اثناء جميع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لم يحرك البرلمان ساكناً للدعوة على الاستفتاء الشعبي لمطالب الشعب بشأن الانقاذ الاقتصادي، إن لم يكن مفتعلاً! بسبب مساسها بالسيادة الوطنية، تلك الديون الضخمة التي تحتاج الى خطة انقاذ شعبي، لا ان يكون الشعب ضحية لقرار اداريين وبرلمانيين غير مؤهلين واحتيال سياسي. كانت نتيجتها وضع الشعب في بؤس مدقع، مع أعلى معدلات بطالة في تأريخ الحكومات العراقية السابقة، والفقر المتفشي، ومعدلات الجريمة والانتحار المرتفعة، وبانتظارنا مستقبل مخيف...
واليوم وفي ضل الوباء الخطير الذي يهدد حياة البشرية، أصبح الأمر سهلاً نسبيًا. تعمل البلدان الفقيرة، ولا سيما في جنوب الكرة الأرضية، المثقلة بالفعل بالوباء، على زيادة ديونها الخارجية من أجل تزويد سكانها بالاحتياجات الأساسية. أو هكذا يجعلونك تؤمن. معظم الديون المتراكمة على البلدان النامية هي ديون محلية أو داخلية. إنها لا تحتاج حقًا إلى مؤسسات إقراض أجنبية، تعود لسادة المال في العالم للقضاء على الديون المحلية بعصاها السحرية. فهل رأيت دولة غنية تقترض من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي للسيطرة على ديونها؟
لماذا تنهار اقتصاديات دول عالم الثالث المتقدمة مثل البرازيل وتركيا بسبب هذا الوباء؟ بسبب تزايد ديونها الخارجية لتأمين احتياجاتها للوقوف ضد سلالات الوباء التي لن تنتهي! وتتغلغل المؤسسات المالية الدولية بالفساد والاكراه والابتزاز، والاخيرة أحد أكبر الجرائم الدولية التي يمكن تخيلها، يرتكبها قبل كل شيء المؤسسات المالية الدولية المعتمدة من قبل الأمم المتحدة، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.. ان أصحاب المال الدوليين يملكون السيادة على العالم، والصندوق احدى وسائلها، ويجسدون للدولة العميقة التي تتحكم في العالم من وراء الستار. لا يوجد منحة او دين منخفض الفوائد من البنك الدولي الا بشرط الإفادة من الموارد الطبيعية للدول النامية ودول العالم الثالث. وتستخدم (أصحاب المال) منظمة الصحة العالمية كوسيلة لفرض الاغلاق التام للمرافق الاقتصادية في دول العالم (الاخر)، وتسويق التطعيم، وجميع إجراءاتها تستهدف اقتصاد هذه الدول وبالتالي التضخم وارتفاع المديونية، ثم تأتي لتقدم ديوناً بتسهيلات لخوفهم على ارواحنا وارواح البشرية، تماماً مثل خوفهم على بلداننا التي طحنتها الحروب وافتقدتنا الملايين من الأرواح البريئة في السابق..
ربما سأعود الى هذا الموضوع مستقبلاً..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24


.. الرئيس الفرنسي يحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز آليات الدفاع و




.. تقرير أميركي: طموحات تركيا السياسية والاقتصادية في العراق ست


.. إنتاج الكهرباء في الفضاء وإرسالها إلى الأرض.. هل هو الحل لأز




.. خبير اقتصادي: الفترة الحالية والمستقبلية لن يكون هناك مراعي