الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطالبان: العودة الأخونة الجذور المصرية

عادل جندي

2021 / 8 / 20
الارهاب, الحرب والسلام


بينما العالم منشغل بأخبار وصور حرائق دول جنوب أوروبا بعد أن بلغت درجات حرارة الجو معدلات لم يسبق تسجيلها، فوجئ بحرائق مهولة لكن مختلفة: الطالبان في كابول. يكفي مشاهدة «صورة القرن» لآلاف الأفغان يجرون خلف وحول طائرة أمريكية حربية عملاقة متشبثين بها حتى بعد إقلاعها. لماذا يهرب هؤلاء من جماعة لا تنوي سوي تطبيق «شرع الله»؟!

هذه ملاحظات سريعة، أطول وأكثر تشابكا من اللازم لأن الموقف أعقد مما يبدو.

أولا: أمريكا ومحاولة فهم دورها:
ـ الخروج الأمريكي من أفغانستان هو في الحقيقة تنفيذ ـ بالغ الرداءة ـ لاتفاق الدوحة المُوقّع في فبراير 2020 بعد حوالي عام ونصف من المفاوضات بين أمريكا والطالبان برعاية قطرية (انظر أدناه). وهذا الخروج أمر تم إقراره منذ أيام أوباما لأن الهدف الأساسي للحرب كان تحطيم تنظيم القاعدة بعد أحداث سبتمبر وعقاب الطالبان على استضافتهم ومساندتهم. وبعد عشرين سنة (في سبتمبر القادم) ومئات المليارات من الدولارات وآلاف من القتلى والجرحى، أصبح في غاية الصعوبة إقناع الرأي العام الأمريكي بضرورة البقاء لأجل غير مسمى.
ـ الأصولية الإسلامية والتطرف الإسلامي والإرهاب الإسلامي أمور موجودة ومتجذرة في التاريخ وجزء لا يتجزأ من نسيج التراث الإسلامي ولم يخلقها «عدو» وهي ليست من صنع أية قوى خارجية. وإذا كانت أمريكا قد شجعت الطالبان في سبعينيات القرن الماضي (بتمويل خليجي وتعضيد مصري ساداتي) في إطار صراعها مع الاتحاد السوفييتي، فالانسحاب الحالي يدخل في إطار صراع جديد يدور في آسيا.
ـ أفغانستان لها حدود مع باكستان وإيران وثلاث جمهوريات «إسلامية» من الاتحاد السوفييتي السابق (تركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان) متاخمة لروسيا، ولها أيضا حدود مع الصين عبر شريط ضيق يفتح مباشرة على إقليم شينجيانج حيث تسكن الأقلية المسلمة الأيوغور، حيث توجد علاقات طويلة بين جماعاتها المسلحة التي تقاوم السلطات الصينية وبين الطالبان. إذن، في إطار الصراع الاستراتيجي الجديد في القرن الحادي والعشرين بين أمريكا (والغرب) وبين الصين ـ وإلى حد ما روسيا ـ يبدو أن ترك أفغانستان كقنبلة موقوتة هو طريقة لإنهاك جميع جيرانها..
ـ أمريكا طول عمرها يتنازعها تياران: الانعزال عن العالم (دولة قارية ذات موارد هائلة ولا تحتاج للعالم) من ناحية، والانشغال بالعالم (مصالح استراتيجية لها وللغرب بصفة عامة وتوازنات قوى) من ناحية أخري. التقلب بين التوجهين يتأثر بدورات تداول الحكم بين الحزبين الرئيسيين، مما يجعلها تبدو متقلبة وعاجزة عن الالتزام باستراتيجية بعيدة المدى.
ـ أمريكا ليست دولة احتلال، بمعنى التواجد على أرض غريبة لمدة طويلة. فبالمقارنة، يمكن ملاحظة أنه ـ عبر التاريخ ـ الاحتلال الأمريكي يدوم عقدا أو اثنين، والأوروبي قرنا أو اثنين بينما الاحتلال العربي الإسلامي مؤبد ويستحيل التخلص منه إلا في حالات نادرة (الأندلس).
ـ في جميع الأحوال ومهما فعلت أمريكا أو لم تفعل، فهي ـ لأسباب مختلفة ـ محل مزيج مركب من الانبهار والغيرة والكراهية من سائر العالم. إذا قامت بحرب ضد أفغانستان أو العراق فهي «دولة معتدية تقتل الأبرياء»، وإذا أنهت الحرب وانسحبت فهي «تتخلى عن مسئولياتها ولا تهتم بالديموقراطية وحقوق الإنسان». إذا تدخلت في نزاعات محلية فهي «شرطي ـ بلطجي العالم، غير المرغوب فيه» وإذا امتنعت عن التدخل فهي «أنانية وشريرة».

ثانيا: أخونة الطالبان
ـ طوال الوقت تحاول قطر ـ عاصمة الإخوان الحالية في العالم ـ بلا كلل ولا ملل ترويج الإخوان كنموذج للحكم الإسلامي وللدولة الإسلامية. ـوللعلم، قطر بها «سفارة» لطالبان منذ زمن طويل وحتى أثناء أحداث سبتمبر 2001
ـ كجزء من محاولاتها، قامت قطر بإقناع الطالبان بضرورة اتباع النموذج الإخواني ـ أي لا خلاف على الهدف النهائي (تطبيق الشريعة وإقامة دولة الخلافة) مع مراعاة الصورة والمظهر (نيو لوك). ولذا قام خبراء علاقات عامة بالمساعدة في تطوير «صورة» الطالبان من أجلاف متوحشين وغلاظ همجيين إلى شكل أكثر قبولا، مثل تغيير العلم وتدريبهم على عمل مؤتمرات صحفية (نجمها شخصيات «كيوت» مثل المجاهد ذبيح الله)، والظهور في حوارات تليفزيونية، والقبول بالتفاوض مع الكفار، وإعلان تمسكهم بحقوق المرأة (لكن «في إطار الشريعة» أي ـ عمليا ـ بلا حقوق!) الخ.
ـ طول الوقت هناك محاولات لتسويق «الطالبان الجدد» في الغرب على نفس الأسلوب المتبع مع الإخوان، أي على أساس أنهم أصبحوا «معتدلين» مقارنة بالدواعش، وأنهم مجرد أناس محافظين يتمسكون «بالتعاليم والقيم الإسلامية» وأنهم غير فاسدين (طبعا مع تجاهل أنهم أكبر منتجي وتجار الأفيون في العالم). هناك جهات كثيرة في الغرب ـ خاصة بين اليسار ـ مستعدة لقبول هذا الطرح، بل والترويج لفكرة «لماذا لا نعطيهم فرصة»؟
ـ طبعا دور قطر مقزز، ولكن هل ينكر أحد أن الإخوان صناعة مصرية بحتة وأن ملايين المصريين ـ بما في ذلك داخل عصب الدولة بكل فروعها ـ يتبعون فكرهم، حتى لو تخلوا عنهم تنظيميا في إطار المنافسة الحالية على الحكم بينهم وبين السلفيين؟

ثالثا: الجذور:
ـ الطالبان (جمع طلبة، بالأوردو) هم خريجو المدارس القرآنية التي انتشرت في باكستان ثم أفغانستان وعدد من دول جنوب شرق آسيا عبر العقود الأخيرة. ولمن لا يعرف فالجذور تعود للمحروسة! ففي خمسينيات القرن الماضي ـ تطبيقا لفكرة «الدائرة الإسلامية المحيطة بمصر» في «فلسفة الثورة» ـ كانت «الدعوة الإسلامية» في أفريقيا وآسيا وباقي أنحاء العالم أحد التوجهات الرئيسية التي بدأها الزعيم جمال عبد الناصر، ولهذا أنشئت مدينة البعوث الإسلامية التي افتتحها في 1959 لاستقبال آلاف (وفيما بعد عشرات الآلاف) من الطلبة الأجانب. وبعد عودتهم بدأ هؤلاء في نقل ما تعلموه في الأزهر لبلادهم وانتشرت فكرة المدارس القرآنية، وبدأت أعداد الخريجين في التكاثر السرطاني. إذن فنحن أمام الجيل الثالث من «الطلبة» الذين لا يريدون عمل أي شيء سوى ما تعلموه في مدارسهم!
ـ لا يوجد أي فرق عقيدي بين طالبان أفغانستان وطلبة مدارس باكستان (القرآنية) وبين طلبة المعاهد الأزهرية في مصر. ولمن يحاول الاستهبال والاستعباط، نذكّر بأن في مصر اليوم حوالي عشرة آلاف معهد أزهري وجامعة أزهرية توسعت بطورة أخطبوطية بل سرطانية عبر أرجاء مصر. ينخرط بهذا التعليم الموازي حوالي ثلاثة ملايين طالب من الحضانة حتى «الدكتوراه». ونذكّر بأن هناك ما يتراوح بين عشرة وعشرين مليونا من المصريين ـ طلبة ومدرسين وخريجين ـ الذين يعيشون مع وعلى «التعليم الديني». ونذكّر بأن الحاصلين على الثانوية الأزهرية أصبح لهم الحق (على يد المشير طنطاوي في أواخر حكم مبارك) في دخول كافة الكليات العسكرية ولذلك فهناك آلاف الضباط في الشرطة وكافة أفرع الجيش الذين لا يختلفون فكريا وفي داخل أعماقهم عن الطالبان. الخ الخ
ـ مجرد مراجعة ردود أفعال المصريين الحماسية الذين يهللون ويكبرون ويسبحون بعد «انتصار الطالبان» يبين بصورة واضحة أن بين أفغانستان ومصر مجرد «فركة كعب».

رابعا: احتمالات المستقبل
ـ هل سيصدق الرهان الأمريكي المذكور أعلاه مع الوقت؟ لا أحد يعرف بالتأكيد، لكن أغلب الظن هو أن الطالبان سيمتنعون عن مساندة الإرهاب على الأراضي الأمريكية ـ على الأقل في المستقبل القريب، لأنهم يعرفون ماذا ستكون النتيجة..
ـ ما هو تأثير الانتصار الطالباني على مئات من حركات الإرهاب الإسلامي العالمي ـ من شباب الصومال إلى داعش ومن بوكو حرام إلى القاعدة، ومن جماعة أبو سياف إلى حماس ـ التي يبدو أن شعورها بالزهو والانتصار سيساعد على تصاعد نشاطها في أنحاء العالم؟ في السنوات الأخيرة تزايدت تقديرات «الخبراء» في أنحاء العالم بأن الإسلام السياسي والإرهاب الإسلامي في حالة انحسار وتراجع. لكن غالبا سوف يستيقظ العالم على مدّ إرهابي يطول مختلف مناطق العالم وخاصة أوروبا.
ـ ما هو رد فعل الأفغان لانتصار الطالبان؟ طبعا سيدفع الشعب ـ وخاصة المرأة ـ الثمن الباهظ لهؤلاء القادمين بوعد تطبيق «شرع الله». لكن هل يثوروا دفاعا عن آدميتهم؟ الحقيقة هي أن عشرين عاما من الوجود الغربي قد أحدثت تغيرات اجتماعية وثقافية لا يمكن إنكارها. لكن هل تكفي هذه لإحداث نقلة نوعية للحكم في المستقبل؟
ـ ما هو تأثير ما حدث على مصداقية الولايات المتحدة أمام حلفائها وأعدائها؟ لا شك أن المصداقية ستتأثر، لكنها ليست المرة الأولى..
ـ هل سيتحرك العالم «الإسلامي» لمجابهة الطالبان، وبصورة أوسع الإرهاب الإسلامي العالمي؟ غالبا لن يحدث شيء لأن هذا يستوجب ثورة فكرية وعقيدية تبدو حلما بعيد المنال..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
عادل رزق ( 2021 / 8 / 20 - 15:36 )
رائع كعادتك دائما استاذنا الغالى /عادل باشا


2 - الحقيقة المصرية الصادمة!
رعد الحافظ ( 2021 / 8 / 23 - 16:03 )
شكراً للأستاذ عادل جندي لهذا العرض والتحليل الهاديء الرصين والواقعي أيضاً
نعم (للأسف الشديد) ورغم حبّي وولعي الشديد بمصر أم الدنيا ,لكنّها عملياً كانت لا أقول اُمّ الإسلام السياسي ,لكن مدرسته وجامعته التي خرجّت وأخرجت هذا الفكر الظلامي بطريقة يتقبلّها على الأقل المسلمون العاديّون البسطاء,عن طريق دغدغت احلامهم بالعودة الى الدولة الإسلاميّة المزعومة التي لم تكن يوماً حقيقة واقعة ,حتى زمن الخلفاء الراشدين أنفسهم ,حيث كان صراع السلطة متوفر وثلاثة منهم قتلوا على أيدي منافسيهم!
مشكلة الشعوب العربية والإسلاميّة عموماً أنّهم غير متصالحين مع أنفسهم أصلاً ,يقولون ما لايفعلون ويدّعوون الحضارة والإنسانية وهم غالباً يسيرون بخطى بعيدة عنها!
ليس أفغانستان (طالبان) فقط مثال على ذلك!
في بلدي الأم (العراق) ,عندما حرروه الإنكليز أعقاب الحرب العالمية الأولى من أقذر إستعمار عثماني متخلف ,قام الكثير من الناس بعد بضع سنوات بما سميّ ثورة العشرين ضدّ المحرر!
وتكرر نفس الامر عام 2003 ,عندما حرّر الامريكان العراق من أبشع طاغية عرفه الكوكب يوماً ما ..تحياتي لك / رعد الحافظ


3 - الصومال الشقيق
سيد مدبولي ( 2021 / 8 / 24 - 12:31 )
الصومال الشقيق
بيقول لك يا عزيزى اثناء زيارة شيخ الازهر للصومال (يوم الجمعة) خرجت علينا مشيخة او مشخخة الازهر الارهابية بالتصريح الاتي: في إطار العلاقات المتصلة بين الأزهر والصومال علميًّا ودعويًّا واجتماعيًّا، قرر شيخ الأزهر زيادة عدد المنح الدراسية لطلاب الصومال، وإرسال قافلة إغاثية ومعها مجموعة من المتخصصين لدراسة الخريطة الصحية في الصومال من أجل إرسال قافلة أخرى طبية وثالثة دعوية، مؤكدًا أن الأزهر لن يتأخر ولن يدخر جهدًا في دعم أشقائنا في الصومال بكل السبل الممكنة من أجل أمن واستقرار ووحدة هذا البلد الشقيق. انا شعرت يا عزيزى ان دى مش مصر دى دولة الازهر ولاد الشرمو.. فين الدولة اللى تحاسب هذا المنحط؟ من اعطي الحق لهذا السافل ان يبدد ميزانية التعليم- دة لو فيها تعليم من اصله؟ هل تم اخذ موافقة دافعي الضرائب على وقاحة هذا الازهري الجاهل المتخلف؟ تاني: ميزانية الازهر تأتى من اموال دافعي الضرائب فمن يعطي الحق لهؤلاء المتخلفين تبديدها ومن يحاسبهم؟ قال العلاقات المتصلة بين الأزهر والصومال علميًّا!! يخرب بيت التخلف.

اخر الافلام

.. باريس تسلم -بري- الورقة الفرنسية المتعلقة بوقف إطلاق النار ب


.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن| #أميركا_ال




.. الخارجية الأميركية: 5 وحدات في الجيش الإسرائيلي ارتكبت انتها


.. تراكم جثامين الشهداء في ساحة مستشفى أبو يوسف النجار برفح جنو




.. بلينكن: في غياب خطة لعدم إلحاق الأذى بالمدنيين لا يمكننا دعم