الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوط كابل وآلة الانتحار الجماعية للإمبراطورية الأمريكية

كريس هيدجيز

2021 / 8 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


الهزيمة الأمريكية في أفغانستان، التي ستنتهي إلى فوضى بسرعة البرق خلال الأسابيع القليلة المقبلة وتضمن عودة طالبان إلى السلطة، هي علامة أخرى على نهاية الإمبراطورية الأمريكية. عقدان من القتال، تريليون دولار أنفقناه، إرسال 100 ألف جندي لإخضاع أفغانستان، والمعدات عالية التقنية، والذكاء الاصطناعي، والحرب الإلكترونية، و طائرات "ريبر" بدون طيار مدججة بصواريخ "هيل فاير" وقنابل GBU-3 وطائرات "جلوبال هاك" بدون طيار التي تحمل كاميرات عالية الدقة، قيادة العمليات الخاصة المكونة من حراس النخبة، القوات الجوية ومقاتلي النخبة والقوات الخاصة، التعذيب، المراقبة الإلكترونية، الأقمار الصناعية، الطائرات الهجومية، جيوش المرتزقة، ضخ ملايين الدولارات لشراء ورشوة النخب المحلية وتدريب جيش أفغاني قوامه 350 ألف جندي، لم يُظهر أبدًا إرادة القتال، وفشل في هزيمة جيش جماعة مسلحة قوامها 60 ألف جندي، قامت بتمويل نفسها من خلال إنتاج الأفيون والابتزاز في واحدة من أفقر البلدان على وجه الأرض.

ومثل أية إمبراطورية في مرحلة انهيارها النهائية، لن يتحمل أي شخص المسؤولية عن هذه الكارثة أو الكوارث الأخرى في العراق أو سوريا أو ليبيا أو الصومال أو اليمن أو أي مكان آخر، لا الجنرالات، لا السياسيون، لا وكالة المخابرات المركزية ووكالات الاستخبارات ولا الدبلوماسيون، لا رجال الحاشية الأذلاء في الصحافة الذين يخدمون كمشجعين للحرب، لا الأكاديميون والمتخصصون ولا رجال صناعة الأسلحة. الإمبراطوريات في النهاية هي آلات انتحار جماعي. يصبح الجيش في الإمبراطورية في مراحلها المتأخرة غير خاضع للتوجيه، وغير خاضع للمساءلة، ومستديما ذاتيًا إلى ما لا نهاية، بغض النظر عن عدد الأخطاء، الأخطاء الفادحة والهزائم التي يضعها على جثة الأمة، أو مقدار الأموال التي ينهبها، مما يؤدي إلى إفقار المواطنين تاركًا المؤسسات الحاكمة والبنية التحتية المادية تتدهور.

أما المأساة الإنسانية - قُتل ما لا يقل عن 801 ألف شخص بسبب أعمال عنف الحرب المباشرة في العراق، وأفغانستان، وسوريا، واليمن، وباكستان، وهُجر حوالي 37 مليونًا في ومن أفغانستان، والعراق، وباكستان، واليمن، والصومال، والفلبين، وليبيا، وسوريا وفقًا لمعهد واتسون في جامعة براون -فقد تم اختزالها إلى هامش مهمل.

ما يقارب من 70 إمبراطورية خلال الأربعة آلاف سنة الماضية، بما في ذلك الإمبراطوريات اليونانية والرومانية والصينية والعثمانية وإمبراطورية هابسبورغ والإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية اليابانية والبريطانية والفرنسية والهولندية والبرتغالية والسوفيتية، انهارت في ذات العربدة العسكرية الحمقاء. استمرت الجمهورية الرومانية، في أوجها، لمدة قرنين فقط. نحن كإمبراطورية أمريكية عازمون على التفكك في نفس الوقت تقريبًا. لهذا السبب، في بداية الحرب العالمية الأولى في ألمانيا، أطلق المنظر الشيوعي كارل ليبكنخت على الجيش الألماني، الذي سجنه ثم اغتاله فيما بعد، "العدو من الداخل".

كتب مارك توين الذي عاش في القرن الـ19، الذي كان معارضًا شرسًا لجهود زرع بذور الإمبراطورية في كوبا والفلبين وغوام وهاواي وبورتوريكو، تاريخًا متخيلًا لأمريكا في القرن العشرين حيث دمرت "شهوتها للغزو" الجمهورية العظيمة، لأن "الدوس على الضعفاء في الخارج علمها، من خلال عملية طبيعية، أن تتحمل بلامبالاة ما شابه ذلك في الدخل؛ فالجموع الذين صفقوا لسحق حريات الآخرين في الخارج، عاشوا ليتألموا من خطيئتهم هذه في الداخل".

عرف توين أن الاحتلالات الأجنبية، المصممة لإثراء النخب الحاكمة، تستخدم السكان المحتلين كفئران تجارب لتقنيات السيطرة والهيمنة التي سرعان ما تعود إلى الوطن. كانت ممارسات الاستعمار الشرطية الوحشية في الفلبين، والتي تضمنت شبكة تجسس واسعة إلى جانب عمليات الضرب والتعذيب والإعدام الروتينية، قد أصبحت نموذجًا للممارسة الشرطية المركزية المحلية وجمع المعلومات الاستخباراتية في داخل الولايات المتحدة. بالضبط كما تقوم صناعة الأسلحة والرقابة والطائرات بدون طيار الإسرائيلية بإختبار منتجاتها على الفلسطينيين.

إنها إحدى المفارقات المظلمة أن الإمبراطورية الأمريكية، بقيادة مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر، زبغنيو بريجينسكي، هي التي أحدثت الفوضى في أفغانستان. أشرف بريجنسكي على عملية سرية لوكالة المخابرات المركزية بمليارات الدولارات لتسليح وتدريب وتجهيز العصابات الاسلاموية المتطرفة لمحاربة السوفييت. لقد أدى هذا الجهد السري إلى تهميش المعارضة العلمانية والديمقراطية وأكد على صعود حركة طالبان في أفغانستان، إلى جانب انتشار الإسلام الراديكالي في آسيا الوسطى السوفيتية، بمجرد انسحاب القوات السوفيتية. سوف تجد الإمبراطورية الأمريكية نفسها، بعد سنوات، تحاول يائسة تدمير الوحش الذي خلقته. في نيسان 2017، في مثال كلاسيكي على هذا النوع من الإرتداد العبثي، أسقطت الولايات المتحدة "أم القنابل" - أقوى قنبلة تقليدية في الترسانة الأمريكية - على مجمع كهوف تابع لتنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قد أنفقت عليه ذاته الملايين لبنائه وتحصينه في السابق، لحلفائها الـ"مجاهدين".

لم تكن هجمات 11 سبتمبر 2001 تشكل تهديدًا وجوديًا للولايات المتحدة. لم تكن ذات أهمية سياسية. لم تخلّ هذه الهجمات بتوازن القوى العالمية. لم تكن عملاً من أعمال الحرب، لقد كانت أعمال إرهاب عدمية.

الطريقة الوحيدة لمحاربة الإرهابيين هي عزلهم داخل مجتمعاتهم. كنت في الشرق الأوسط مراسلاً لصحيفة نيويورك تايمز بعد هجمات 11 سبتمبر. أصيب معظم العالم الإسلامي بالفزع والثورة من الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت باسم الإسلام. لو كانت لدينا الشجاعة في حينه لإدراك أن هذه الأحداث كانت تستلزم حربًا استخباراتية، وليس حربًا تقليدية، كنا سنكون أكثر أمانًا واستقرارًا اليوم. هذه الحروب في الظل تستغرق شهورًا، بل حتى سنوات من العمل، ولم تكن تستلزم حربًا تقليدية مثل التي شنتها الولايات المتحدة.

لكن هجمات 11 سبتمبر، أعطت النخب الحاكمة المتلهفة للسيطرة على الشرق الأوسط، وخاصة العراق الذي لا علاقة له بالهجمات، ذريعة لتنفيذ أكبر خطأ استراتيجي فادح في التاريخ الأمريكي - غزو أفغانستان والعراق. لم يكن مهندسو الحرب، بمن فيهم السناتور جو بايدن آنذاك، يعرفون الكثير عن البلدان التي تم غزوها، ولم يدركوا حدود الحرب الصناعية والتكنوقراطية أو رد الفعل الذي سيجعل الولايات المتحدة مكروهة في جميع أنحاء العالم الإسلامي. لقد اعتقدوا أن بإمكانهم زرع أنظمة عميلة بالقوة في جميع أنحاء المنطقة، واستخدام عائدات النفط في العراق، لأن الحرب في أفغانستان ستنتهي في غضون أسابيع، لتغطية تكلفة إعادة الإعمار واستعادة الهيمنة الأمريكية العالمية بطريقة سحرية. لكنها فعلت العكس.

غزو ​​العراق وأفغانستان، وإلقاء قنابل على القرى والبلدات، وخطف وتعذيب وسجن عشرات الآلاف من الأشخاص، استخدام طائرات بدون طيار لبث الرعب من السماء، أعاد إحياء الجهاديين الراديكاليين الذين كانوا فقدوا مصداقيتهم، لكونهم الآن أداة فعالة للتحشيد للقتال ضد الولايات المتحدة والناتو. كانت الولايات المتحدة أفضل شيء حدث لطالبان والقاعدة.

كان هناك هامش معارضة ضئيل داخل هياكل السلطة على هذه الغزوات في الولايات المتحدة. لقد صوت الكونجرس بـ518 صوتا مقابل صوت واحد لصالح تمكين الرئيس جورج دبليو بوش من شن حرب، كانت النائبة باربرا لي هي المنشقة الوحيدة التي صوتت ضد الحرب من بين جميع أعضاء الكونغرس. أولئك الذين تحدثوا منا ضد حماقة إراقة الدماء التي تلوح في الأفق تعرضوا للافتراء، وحُرموا من منصات وسائل الإعلام، وألقوا وحدهم في البرية، حيث بقي معظمنا. أما أولئك الذين روجوا للحرب فاحتفظوا بمكبرات الصوت الخاصة بهم ومنصاتهم ومواقعهم، مكافأة على خدمتهم للإمبراطورية والمجمع الصناعي العسكري، بغض النظر مدى تهكمهم أو حماقتهم.

يسمي المؤرخون نزعات المغامرة العسكرية المهزومة ذاتيًا للإمبراطوريات في مراحلها الأخيرة "العسكرية الصغرى". خلال الحرب البيلوبونيسية (431-404 قبل الميلاد) غزا الأثينيون صقلية، وخسروا 200 سفينة وآلاف الجنود وأثاروا ثورات في جميع أنحاء الإمبراطورية ضدهم. هاجمت بريطانيا مصر عام 1956 في نزاع على تأميم قناة السويس وأهينت وأذلت عندما اضطرت إلى سحب قواتها، مما عزز مكانة القوميين العرب مثل جمال عبد الناصر في مصر.

كتب المؤرخ ألفريد ماكوي في كتابه "في ظلال القرن الأمريكي: صعود وانحدار القوة الأمريكية العالمية"، أنه "في حين أن الإمبراطوريات الصاعدة غالبًا ما تكون حكيمة، بل وعقلانية في استخدامها للقوة المسلحة للغزو والسيطرة على الملكيات الخارجية، فإن الإمبراطوريات المتآكلة تميل إلى عروض القوة غير المدروسة، وتحلم بضربات عسكرية مغامرة من شأنها أن تعوض بطريقة ما هيبتها وقوتها المفقودة" وأضاف:"غالبًا ما تكون هذه المغامرات غير عقلانية حتى من وجهة نظر إمبراطورية، يمكن أن تؤدي هذه العمليات العسكرية الصغيرة إلى نفقات منزفة أو هزائم مذلة تؤدي فقط إلى تسريع عملية الانهيار بالفعل".

إن الضربة القاضية للإمبراطورية الأمريكية، كما كتب ماكوي، ستكون خسارة الدولار كعملة احتياطية للعالم. ستؤدي هذه الخسارة إلى إغراق الولايات المتحدة في كساد معطل وطويل الأمد. سيؤدي إلى تقلص هائل في البصمة العسكرية العالمية للولايات المتحدة.

الوجه القبيح للإمبراطورية، مع خسارة الدولار كعملة احتياطية، سوف يصبح مألوفًا هنا في داخل الولايات. المشهد الإقتصادي الكئيب، مع اضمحلاله ويأسه، سيسرّع مجموعة من الأمراض العنيفة والمدمرة للذات بما في ذلك عمليات إطلاق النار الجماعي، وجرائم الكراهية، والجرعات الزائدة من الأفيون والهيروين، والسمنة المرضية، والانتحار، والمقامرة، وإدمان الكحول. ستستغني الدولة بشكل متزايد عن خيال سيادة القانون بالاعتماد حصريًا على الشرطة العسكرية، وجيوش الاحتلال الداخلية بشكل أساسي، والسجون، التي تضم بالفعل الآن 25 بالمائة من سجناء العالم على الرغم من أن الولايات المتحدة تمثل أقل من 5 بالمائة من سكان العالم.

من المحتمل أن يأتي إحتضارنا هنا في الولايات المتحدة بسرعة أكبر مما نتخيل. يشير "مكوي" إلى أنه عندما تنكمش الإيرادات والعائدات أو تنهار، تصبح الإمبراطوريات "هشة". إن الاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على الإعانات الحكومية الضخمة لإنتاج الأسلحة والذخائر بشكل أساسي، بالإضافة إلى تمويل المغامرات العسكرية، سوف يدخل في حالة من الانهيار بسبب انخفاض قيمة الدولار بشكل كبير، وربما ينخفض ​​إلى ثلث قيمته السابقة. سترتفع الأسعار بشكل كبير بسبب الزيادة الحادة في تكلفة الواردات. ستنخفض الأجور بالقيمة الحقيقية. إن تخفيض قيمة سندات المالية سيجعل دفع عجزنا الهائل مرهقاً، وربما مستحيلاً. سوف يرتفع مستوى البطالة إلى مستويات عصر الكساد. سيتم تقليص برامج المساعدات الاجتماعية أو إلغاؤها بشكل حاد، بسبب الميزانية المتعاقد عليها. هذا العالم البائس سوف يغذي الغضب والقومية العنصرية التي وضعت دونالد ترامب في البيت الأبيض. سوف تفرز دولة استبدادية للحفاظ على النظام، وأتوقع، دولة فاشية مسيحية.

أدوات السيطرة التي نستخدمها للهيمنة على الامتدادات الخارجية للإمبراطورية، والتي هي بالفعل جزء من وجودنا، ستصبح منتشرة هنا في داخل الولايات المتحدة. المراقبة الجماعية، وإلغاء الحريات المدنية الأساسية، والشرطة العسكرية المخولة باستخدام القوة المميتة العشوائية، واستخدام الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية لإبقائنا تحت المراقبة والخوف، إلى جانب رقابة الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، المألوفة للعراقيين والأفغان، هي التي ستعرّف أمريكا في المستقبل. لسنا الإمبراطورية الأولى التي تعاني من هذا المصير. إنها نهاية مألوفة. الإمبريالية والعسكرة هي سموم تقضي على الفصل بين السلطات التي صممت إلى منع الاستبداد وحماية الديمقراطية. إذا لم تتم محاسبة أولئك الذين دبروا هذه الجرائم في أفغانستان والعراق وكل مكان على إمتداد هيمنة الامبراطورية، وهذا يعني تنظيم مقاومة جماهيرية مستمرة، فسوف ندفع ثمن غطرستهم وجشعهم، وقد ندفعه قريبًا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة