الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جاهزية التلقي والنقد المسرحي

فاضل خليل

2021 / 8 / 21
الادب والفن


" ان جمهور المسرح المعتاد ليس دائما جمهورا حيا " (بروك)

توقفت كثيرا امام الذي قاله المخرج الانجليزي، الروسي الأصل، بيتر بروك، حين فقد ثقته بالجمهور المعتاد في المسرح. والمعتادين هم الجمهور المتخصص والخاص، الذي يعج بالفنانين والمثقفين، باختصار انهم الجمهور ـ النخبة. يضاف الى ذلك انه قصد الجمهور الذي تعود عليه بروك، وهم جمهور المسرح في الدول المتحضرة التي عرفت المسرح منذ قرون. وربما يكون قد عنى به الجمهور الانجليزي !! وهنا علينا ان نتوقف قليلا لنناقش ما قصده بروك من قوله: بأن الجمهور المعتاد للمسرح ليس دائما هو جمهور حي ؟؟ من المؤكد بأنه لم يذهب ابعد من أن هذا الجمهور في غالب الاحيان يكون مشاكسا الى حد رفض التجارب التي يستقبلها، لأسباب ربما تكون ايجابية، كأن تكون مكررة، أو انها بعيدة عن محاكاة مشاكل الواقع واسئلته وفرضياته ؟ ربما... لكن هل معنى ذلك ان يكون هذا النوع من الجمهور جمهور غير حي ؟ من المؤكد لا... لربما اذن هي ذات المعاناة التي نشكو منها في مسرحنا المحلي. وعلى الرغم من ان لدينا ذات الجمهور النخبوي، لكن هذا الجمهوريمتلك عيوبا غاية في السلبية. المر الذي يجعلني أطرح اشكالية الأراء في المنجز التي تسبق المشاهدة في المسرح، وبمعنى أدق، هنا هي ظاهرة الرأي الجاهز في التلقي، اي اطلاق الاراء التي لا تحمل قراءة صاحبها. فالكثير من الأراء التي يطلقها الجمهور المعتاد ـ حسب بروك ـ هي آراء جاهزة لا تأتي من تحليل وقراءة خاصة، بل تنطلق عن تأثيرات ذاتية صرفة، خارجة عن كل ماهو ذاتي. بل غالبية القادمين الى المسرح يرتادونه، وهم يحملون الرأي بالمنجز الابداعي قبل مشاهدته، تحكمه العلاقة المتشجنة بين الرائي وصاحب الرؤيا، أو رأي خاص بمتلقي اقرب الى الرائي من المبدع. وهي بالتأكيد عادة ليست بالحسنة ولا بالحميدة، بل وتعتبر من أكثر أمراض المسرح خطورة،
نلمسها جليا من قدوم البعض، وغالبيتهم من التخصصين في المسرح أو المهتمين به. هذا البعض ليس بالقليل نسبة الى الخاصة من مرتادي المسرح الجاد، ولو كان هذا البعض قليلا سوف لن يشكل ظاهرة تجعلنا نضعها في حوار انطلاقا من كون التلقي، هو ثقافة، بل وثقافة مهمة. ولكن العدد الذي يمكن ان يدخل ضمن هذه الظاهرة التي نخضعها للنقاش، كم لا يستهان به. تنطلق ارائهم وفقا لسوء العلاقة أو لقربها، من هذا المبدع أو ذاك.
مرة كنت وواحد من اهم نقاد المسرح في العراق نشاهد عرضا لأحد المبدعين، واتفقنا بأن العرض الذي نشاهده هو أقل جدا من مستوى المبدع، ونحن في طريق خروجنا من العرض، استفسرت من الناقد: هل سيكتب في العرض؟ وهل سيشير الى كون الذي شاهدناه اليوم هو أقل مسوى من عروضه السابقة، وانه يحمل تكرارا في مفردات من عروض سابقة له؟ أجاب: لا سوف لن أشير الى ذلك، لأن ( فلانا ) صديقنا، ومن غير اللائق، أن أشير الى سلبياته أمام الآخرين من ذوي التخصص قد أضعه في موضع الشماتة ؟؟!! وقس وفق هذا النموذج من نماذج كثيرة، بعضها يمارس النقد، وآخرين لا يمارسونه، لكنهم أشد خطورة من ذلك، بما يتناولونه في مجالسهم من تغيير الحقائق. متناسين من أن الاختلاف، لايفسد في الود قضية، ومن شأن هذا الاختلاف يصحح من مسيرة الذي أخفق في عمل ما. والصداقة الحقيقية تجعلني أقول الحقيقة، خدمة لمسيرة صديقي، سلبا كان هذا الرأي ام ايجابيا.
كأن يكون هذا الواحد هو، المؤلف، أو المخرج، أو الممثل الاول، أو أي من المبدعين في مجالات التكوين المسرحي الأخرى. المهم أن هؤلاء يأتون الى العرض المسرحي، وهم محملون بالرأي – السلبي غالبا – الذي أملته عليهم علاقاتهم المغلوب على أمرها مع أحد المنافسين لأحد أو كل أعضاء الفرقة المسرحية. والخلاصة أنهم يتلقون العرض وهم يحملون الرأي الذي غالبا ما يكون رأيا في غير صالح العرض الذي يتلقون. أما المنصفون منهم – أحيانا - فيعترفوا بأن ما حملوه من الراي الجاهز الذي أجبروا على حمله لسبب أو لآخر انما هو رأي ليس فيه من الصواب الى القليل – وغير المحسوس، وبعيد كل البعد عن رأيهم الخاص الذي وصلهم من المشاهدة.
على العموم ان هكذا آراء هي حالة غير صحية، وتحمل من السلبية الكبيرة في التلقي الذكي الذي يفخر به الاذكياء من مرتادي المسرح. كما ويفترض بالمسرحي الابتعاد عن تلك العادة غير المحمودة تماما في تلقي الرأي عن الآخر، فهو مثلبة لاتحسب للمبدعين، بل تحسب ضد ثقافة التلقي المساهمة في المسرح، والتي نطالب بها نحن كمسرحيين، باعتبار( الجمهور ) واحد من أركان المسرح الخمسة ( النص، المخرج، الممثل، المنصة، الجمهور )، والتي بدون أحدها يصعب النهوض بالحركة المسرحية اينما كانت.
على العموم وفي كل الاحوال فأن الجهود المسرحية، ومهما كانت نتائج المسرح، والعرض المسرحي، فأن تلك الجهود التي بذلت يجب ان تحمد. فليس من المعقول أن مبدعا خلاقا يقوم على تأسيس عرض مسرحي يطمح من خلال نتائجه الشتيمة، بل على العكس، ان ما ابتغاه هو ان تشكر الناس جهوده التي بذلها من أجل اسعاده وايصال المتعة والفائدة اليهم. فبدل أن تحمل الرأي الجاهز الذي أخذته من الآخرين خجلا، وتذهب الى العرض لتهنئ العاملين بعدها كذبا. ليكن ديدنك الذهاب والتهنئة على ما استقبلته من جهود مهما كانت، وانت تعرف انها كانت تبغي الحصول على رضاك واسعادك اولا واخيرا. على ان نعرف بأن مباركة الجهود الابداعية من الصفات الحسنة، والمحمودة. ومباركة جهود الآخرين عادة جميلة، حتى وان لم تأت النتائج لصالح جهودهم.
اذن على المتلقي ان يستقبل فكر المسرح وخطابه مباشرة وبعيدا عن التأثيرات الجانبية النابعة عن مواقف شخصية صرفة بعيدة عن الموضوعية.، بما يملكه المتلقي نفسه من استعدادات معرفية خاصة وشخصية وقدرة على استقبال القراءة الخاصة به خاضعا مشاهدته الى التحليل، الذي هو كفيل بايصاله الى ما يريد. وحتى الاعتماد على رأي النقاد أصبح ثانويا في ظل الثقافة الموسوعية التي يمنحها المسرح، من خلال التعددية في مكوناتها التي بات من العسير معها هضم كامل مكوناته من التأليف، ولسينوغرافيا بمكوناتها من الممثل، المنظر، الضوء، الازياء، الموسيقى، المكياج وبقية المستلزمات المتبقية. لذلك نرى الكثير من النقد يؤكد على الجانب الادبي ويترك بقية المستلزمات التي اذا ما مر عليها سيتناولها بوجهات نظر انطباعية صرفة. لذلك يسعى الكثير منهم ـالنقاد ـ من الذين لايمتلكون الرأي الخاص بهم، يسعون الى تجميعه من الآخرين الأكثر تخصصا والأقرب الى المسرح منهم. هذا الاستقراء لآراء الآخرين الذي يسبق كتاباتهم مع ذوي الرأي الحصيف ليكون هو خلاصة الرأي الذي سيقدمون من خلاله موضوعاتهم النقدية، التي في احيانا كثيرة ترهب الاخرين. فغالبية النقاد من القراء المهمين وليس لهم علاقة لا من قريب ولا من بعيد. الأمر الذي يجعلهم يطلقنون العنان للعناتهم غالبا دون خوف منهم على المسرح، في أن الذي قالوه سيبد الكثيرين من الذين قد يكون لهم مستقبلا طيبا في المسرح اذا ما استمروا، قبل ان يحبطهم الرأي الجاهز غير الخاص من قبل من تعارف عليهم الوسط المسرحي، على أنهم نقاد، وليسوا جامعي أفكار ليس الا. هؤلاء اللذين يطلقون العنان لانطباعاتهم كمشاهدين عادين لا يفهمون النقد الا في تحليل النص والمدح القليل لهذا او ذاك كي يقال انه لم يتركوا في النقد شاردة أو واردة الا اتوا عليها ومن الذم مالذ وطاب، منطلقين من تعريف للنقد بات مستهلكا وهو أن النقد لا يعني غير كشف العيوب والمحاسن ؟؟!! لا غير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا


.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟




.. الفنان الكوميدي بدر صالح: في كل مدينة يوجد قوانين خاصة للسوا


.. تحليلات كوميدية من الفنان بدر صالح لطرق السواقة المختلفة وال




.. لتجنب المشكلات.. نصائح للرجال والنساء أثناء السواقة من الفنا