الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرار مجلس الأمن 1701 والحرب القادمة

محمد أيوب

2006 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن قرار مجلس الأمن متوازنا بالقدر المطلوب واللازم لنزع فتيل الأزمة اللبنانية، وقد جاء هذا القرار مليئا بالألغام الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في أية لحظة ، وربما كان السبب في انحياز القرار وعدم توازنه يكمن في تحول مجلس الأمن إلى مؤسسة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية التي تريد تشكيل العالم حسب مصالحها ومزاج قادتها الذين يفتقرون إلى الموضوعية .
وقد حاولت أمريكا من خلال هذا القرار إعطاء إسرائيل ما لم تستطع تحقيقه في ساحة المعركة ، فقد وضعت إسرائيل أمامها أهدافا متدحرجة بداية من الادعاء بأن هدفها الأساس هو تحرير الجنديين الأسيرين لدى حزب الله ، وصولا إلى الادعاء بأنها تريد تفكيك حزب الله وضرب بنيته التحتية ونزع أسلحته ، ولعل إسرائيل تأثرت بالعقلية العربية في المنطقة ، تلك العقلية التي تضع نصب عينيها أهدافا أكبر من طاقتها وقدرتها على تحقيقها ، وبالتالي تبدأ هذه العقلية في خفض سقف مطالبها ، ومع ذلك لا تستطيع تحقيق هذه المطالب بعد الانخفاض المستمر لسقفها ، فقد تراجعت إسرائيل عن العمل على تحرير الجنديين بالقوة لتقول على لسان قادتها بأنها ستتفاوض من أجل إطلاق سراح الجنديين ، وهنا من حق المواطن الإسرائيلي أن يتساءل ، ما دامت المفاوضات ستحصل في النهاية فلماذا خاضت إسرائيل الحرب ولماذا كل هذا الدمار وهذه الخسائر في الأرواح والأموال ، فقد خسرت إسرائيل المئات من القتلى والجرحى بين العسكريين والمدنيين إضافة إلى الدمار المادي والمعنوي الذي لحق بجنودها وبسكان الشمال فيها وبمصالحها الاقتصادية ، هل كانت هذه الحرب مبررة منطقيا ، وهل كانت هذه الخسائر ثمنا مناسبا لتحرير الجنديين الأسيرين ؟ أم أن الغرور والاستهانة بالمقاتل العربي وكذلك محاولة تحقيق الأطماع الصهيونية في لبنان هي الدافع الحقيقي وراء إشعال فتيل الحرب ؟ إسرائيل تطمح إلى وضع لبنان تحت وصاية الأمم المتحدة أي احتلال لبنان بقوات دولية ترفع راية الأمم المتحدة وتحقق أهداف إسرائيل في أن يصبح جيش لبنان كله مثل جيش جنوب لبنان الذي كان يقوده أنطوان لحد بعد موت مؤسسه الأول سعد حداد .
كما نزل سقف المطالبة بتفكيك حزب الله وضرب بنيته التحتية ونزع سلاحه إلى المطالبة بإبعاد حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني ، ولنفترض جدلا أن هذا الإبعاد قد تحقق فكيف يمكن لإسرائيل أن تضمن إبعاد خطر صواريخ حزب الله بعيدة المدى ؟ وكيف تضمن أن ينام صاحب الحق عن المطالبة بحقه في مزارع شبعا وفي تحرير أسراه ، إسرائيل لا تستطيع الحياة في بحر معاد لها ، ولن تنال الهدوء والاستقرار دون تفاهم ودون إعادة الحقوق إلى أصحابها ليس في لبنان فقط ولكن في المنطقة بأسرها ولو بصورة جزئية مرحليا .
لقد تحدث قرار مجلس الأمن عن ضرورة الإفراج غير المشروط عن الجنديين ولم يتحدث باللهجة نفسها عن الأسرى اللبنانيين بل قال إنه " يشجع الجهود الهادفة إلى تسوية مسألة السجناء اللبنانيين المعتقلين في إسرائيل " أي أن القرار يعتبر الأسرى اللبنانيين سجناء أو مجرمين وليسوا أسرى حرب يجب الإفراج عنهم بمجرد أن تضع الحرب أوزارها حيث تتم عمليات تبادل الأسرى كما جرت العادة في كل الحروب .
وقد طالب القرار بأن تفرض الحكومة اللبنانية سيطرتها على الأراضي اللبنانية في الوقت الذي يضع فيه قيودا على تزويد لبنان بالأسلحة التي تمكن الجيش اللبناني من الدفاع عن الوطن أمام أي غزو خارجي ، أي أن القرار يريد جعل لبنان منطقة مستباحة يمكن الدخول إليها بالقوة والخروج أو عدم الخروج منها حسب مزاج المعتدي ، وهم يطالبون الحكومة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله ، والسؤال المنطقي هنا : إذا كان ثلاثون ألفا من جنود ( الجيش الذي لا يقهر) لم يستطيعوا بعد ثلاثة وثلاثين يوما من القتال الشرس والضاري نزع سلاح حزب الله أو تحقيق أي من الأهداف التي حددتها حكومة إسرائيل ، هل يستطيع الجيش اللبناني بعتاده المتواضع أن يحقق لهم ما عجزوا عن تحقيقه ؟ أم أنهم يريدون إشعال نيران فتنة داخلية في لبنان تعيد إلى الأذهان مآسي الحرب الأهلية السابقة ، لقد حاولوا في فلسطين أن يضغطوا على قيادة السلطة كي تقوم بنزع سلاح حركة حماس بهدف إشعال فتيل حرب أهلية توقع بين فصائل المقاومة حتى تدمر بعضها .
لا توجد قوة تستطيع نزع سلاح حزب الله أو حتى مجرد المطالبة بنزعه ما لم يتم تحرير كافة الأراضي اللبنانية والأسرى اللبنانيين والعرب الذين تم أسرهم من الأراضي اللبنانية وما لم يكن للبنان جيش قوي يمكنه حماية أرض لبنان وكرامة المواطن اللبناني ، لقد قالها السيد حسن نصر الله بوضوح : لن تتوقف المقاومة ما دام هناك جندي محتل فوق أرض لبنان وما دامت مزارع شبعا تحت الاحتلال وما لم يتم الإفراج عن الأسرى ، على الأمم المتحدة أن تضع الأمور في نصابها وأن تتخذ قرارات متوازنة وغير منحازة حتى يعم السلام المنطقة ، وأن تستخدم البند السابع إن كانت جادة في إلزام إسرائيل بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المهملة في الأدراج منذ عام 48 قبل مطالبة الضحية بتنفيذها .
كما ينص القرار على اتخاذ خطوات فورية لتوسيع الدعم المالي والإنساني إلى الشعب اللبناني بدلا من تقديم أولمرت وعمير بيرتس إلى محكمة جرائم الحرب الدولية كما فعلت أمريكا مع ميلوسوفتش الذي لا تقاس جرائمه بما حدث في لبنان ، وبدلا من إلزام إسرائيل بدفع تعويضات عما ألحقته من أضرار بالمدنيين وممتلكاتهم دون ذنب اقترفوه سوى أنهم لبنانيون لم يثوروا ضد حزب الله كما توقع المخطط الإسرائيلي ، كيف يمكن تطبيق القرار وأولمرت يهدد في خطابه أمام الكنيست بملاحقة قادة وعناصر حزب الله وبأنه سيعاقبهم وكأنهم رعايا إسرائيليين خرجوا على القانون الإسرائيلي ، وكيف يمكن للوضع أن يستقر مع استمرار الحصار البري والبحري والجوي على لبنان ؟ أي منطق هذا ؟ وأي عالم هذا الذي تريده أمريكا ومجلس أمنها الدولي ؟ قرار مجلس الأمن يراوح مكانه ويدور في حلقة مفرغة تتركز في بؤرتها هواجس نزع سلاح حزب الله من خلال التركيز على القرارات العربية والدولية التي تدعم مثل هذا التوجه دون الاهتمام بمستقبل لبنان الكريم والذي يريد له أغنياء العرب أن يكون ماخورا يفرغون فيه قرفهم وشهواتهم الدنيئة .
وفي الفقرة التنفيذية رقم 18 يشدد المجلس على الأهمية والحاجة للتوصل إلى سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط على أساس قراراته السابقة 242 والمؤرخ في 22 تشرين الثاني 1867م ، ورقم 338 المؤرخ في 22 تشرين الأول1973م ، ولكنه يعود فيشطب هذه الفقرة حين يلحق بها الفقرة 19 التي يقرر فيها إبقاء المسألة قيد نظره الفعلي ، لتظل المشكلة على حالها أربعين سنة أخرى .
لقد بذر القرار 1701 بذور حرب جديدة وواسعة النطاق في المنطقة ، فهناك الكثير من الفجوات في هذا القرار والتي ستكون مصدر خلاف ومحل اجتهادات مختلفة في التأويل والتطبيق ، كما أن الجيش الإسرائيلي سيظل أسير الرغبة في استرداد هيبته التي مس بها حزب الله ، ولم تنجح أمطار الصيف في غزة في أن تحافظ على هذه الهيبة لأن الرياح العكسية أعادت هذه الأمطار إلى مصدرها ، بانتظار أمطار الشتاء وحرب قادمة ربما تفرز هزيمة جديدة لقادة إسرائيل ، لأن ما جرى في لبنان خلال أكثر من شهر يمكن اعتباره ام الهزائم التي ستنتج هزائم جديدة وكأن عصر الهزائم الإسرائيلي قد بدأ أمام فئة فليلة تتسلح بعقيدة راسخة وعزيمة صلبة كالفولاذ " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله " ، وهذا ما تؤكده الوقائع على الأرض في عصر الإسلام الأول وفي العصر الحالي ، وسيظل لبنان هو الشعلة التي أنارت الطريق أمام العرب وأسقطت ورقة التوت عن عورة الأنظمة العربية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR


.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما




.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟


.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح




.. إسرائيل تقدم ردها لمحكمة العدل الدولية على طلب جنوب إفريقيا