الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا انهار الجيش الأفغاني بين ليلة وضحاها ؟

اسكندر أمبروز

2021 / 8 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


تضاربت الآراء , وكثُرت التحليلات والتبريرات والتفسيرات , لسقوط الجيش الأفغاني المقدام الذي كان سيخلف الولايات المتحدة في السيطرة والنفوذ في بهيم ستان , وبين من يشمت بهذا الجيش المسكين داعماً لإرهابيي طالبان , ومن يتعجّب لسقوطه مستهجناً لانهزام 300 ألف مقاتل أفغاني مسلحين بأحدث الأسلحة والمعدات بهذا الشكل السريع والغير مسبوق.

ولكن هل هذه هي الحقيقة ؟ كلا طبعاً.

فأولاً أرقام الجيش الأفغاني لم تكن واقعية ولا حتى قريبة من الواقع , حيث أفادت رويترز أن عدد الجنود في جيش البلاد الذي بلغ حوالي 300 ألف على الورق , لم يكن في الواقع حتى سدس هذا الرقم , فهذه أول كذبة إعلامية منتشرة في هذه الفترة.

فالحقيقة وراء هذا السقوط المتوقع , ونعم أقول المتوقع , حيث تنبأ وتوقّع عشرات المحللين والمسؤولين الأمنيين الأمريكان وغيرهم لسقوط هذا الجيش وضعفه وانهزامه الذي كان مسألة وقت فقط بعد خروج أمريكا من المعادلة , فحتى طالبان نفسها لم تكن متوقعة لهذا السقوط السريع , حيث أنهم صرّحوا سابقاً بأنهم يتوقعون سقوط الجيش والحكومة الأفغانية خلال أشهر أو سنة على الأكثر , ولكن وكما رأينا في الأيام الماضية الأمر لم يستغرق حتى شهر واحد !!

ولهذا السقوط المتوقع والذي أراه شخصياً منطقي جداً , له عدّة أسباب سنستعرضها بشكل سريع ومختصر قدر الإمكان.

فكما استعرضنا فيما سبق , الجيش الأفغاني لم يكن قوياً بما فيه الكفاية كما هو مروّج. حيث ساهم انتشار وتفشي الفساد والمكافآت والمحسوبيات وضعف القيادة ونقص التدريب والانحدار النفسي والمعنوي لسنوات في تدهور وضع هذا "الجيش" والذي لم يعدوا عن كونه مجرّد ميليشيا منعدمة التدريب والتنظيم والأهداف , وهذا كلّه في كفّة , ومشاركة أفراد الجيش وقوات طالبان ذات الأيديولوجيا الداعشية في كفّة أٌخرى.

فمن أين هو مصدر القوّات للجيش الأفغاني ؟ من الشعب الأفغاني نفسه , وما هو العامل المشترك بين "الجيش" الأفغاني وطالبان ؟ نعم إنها الايديولوجيا الداعشية البول بعيرية , وقد يدعي البعض أن هذا إجحاف بحق "الجيش" الأفغاني ومقاتليه , ولكن لنلقي نظرة على بعض الإحصائيات لنرى مدى تأييد طالبان لدى الشعب الأفغاني نفسه , الذي تشكل منه هذا الجيش الواهن...حيث وجدت المنظمة الآسيوية الغير الربحية ومقرها الولايات المتحدة في عام 2009 أن أكثر من نصف الأفغان - معظمهم من البشتون والأفغان في المناطق الريفية - يتعاطفون مع جماعات المعارضة المسلحة , وبالأخص طالبان.

وهذا ما يفسّر لنا حالات الهجر الشائعة الانتشار في صفوف "الجيش" الأفغاني والتي حذر بشأنها مفتشو الحكومة الأمريكية منذ فترة طويلة.

وحتى وضع من قرر الالتزام والقتال ضد البهائم من أفراد الجيش الأفغاني لم يحظوا بما يجب من الدعم المادي حتى , حيث صمد الموقع الحكومي في حي الإمام صاحب في ولاية قندز لمدة شهرين ضد حركة طالبان. ولكن سرعان ما تضاءلت الموارد والذخائر. وقال تاج محمد أحد الضباط الأفغان , لصحيفة وول ستريت جورنال: "في الأيام الأخيرة , لم يكن هناك طعام ولا ماء ولا أسلحة". وفي نهاية المطاف , هربت القوات المتبقية إلى العاصمة الإقليمية , التي انهارت هي نفسها بعد أسابيع.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن القوات الموجودة على خط المواجهة في قندهار , ثاني أكبر مدينة في أفغانستان , أعطيت "صندوقاً من الورق المقوى مليء بالبطاطس اللزجة" لحصص الإعاشة اليومية لوحدة الشرطة بأكملها الأسبوع الماضي !! في صورة واضحة لمدى تفشي الفساد والنهب وانعدام أي شكل من أشكال التنظيم العسكري وحتى الاهتمام الحكومي لأمور الجيش وقدراته.

وقالت شرطة قندهار قبل سقوط المدينة إنهم لم يتلقوا رواتبهم خلال تسعة أشهر الماضية , وفقاً لصحيفة واشنطن بوست , مما جعل عروض طالبان
المادية والنفسية أكثر إغراءً.

حيث قام بهائم طالبان بخلط التهديدات والرشوة , إلى جانب الدعاية والحرب النفسية والأيديولوجية الدينية , مما أدى لاستيلائهم على مدينة تلو الأخرى دون مقاومة تذكر لا بل وحتى بدعم وتأييد من قبل غالبية السكان المحليين لتلك المدن والقرى , حتى استولوا في النهاية على العاصمة.

واستسلم أيضاً ما لا يقل عن 26 موقعاً وقواعد عسكرية في أربع مقاطعات - لغمان وبغلان ووردك وغزنة - بعد أن استخدمت طالبان شيوخ القرى لتوصيل رسائل إلى المواقع الأمامية للاستسلام أو الموت , حسبما قال بعض كبار السن والمسؤولين الحكوميين لصحيفة التايمز.

فهو ومن خلال هذه الأمثلة نرى أن الوضع كان يرثى له منذ البداية , ولم يحظى الجيش المنيع الأفغاني بأي فرصة حتى , وهذا ما يفسّر عمليات الهروب والهجر العسكري الكبيرة , لا بل وحتى الانضمام لصفوف طالبان بالجملة.

وهو ما يمكن تفسيره من خلال الأيديولوجيا المشتركة لدى كل من قوات "الجيش" وطالبان , فمثل هذا "الجيش" كمثل تأسيس أمريكا لمعسكر من القوات الألمانيّة المتشبّعة بالأيديولوجيا النازيّة لمحاربة هتلر والنازيين !! فكيف لك أن تحارب نازياً بنازي , أو شيعوياً بشيوعي , أو إسلاميّاً بإسلامي ؟ الأمر مستحيل حتى لو امتلك "الجيش" الأفغاني أسلحة دمار شامل. (مع الاعتراف بوجود بعض الأفغان الوطنيين من صفوف هذا الجيش طبعاً) ولكن الغالبية العظمى كما ذكرت هي من ذات الشرائح الشعبية المكوّنة لطالبان ذاتها.

ولو أضفنا على هذا كلّه فساد وانعدام القيادة الأفغانية سنرى استحالة المواجهة أو حتى المقاومة ضد طالبان , فحتى قوات أمراء الحرب المستقلين عن الحكومة نوعاً ما والمعادين لطالبان , لم تصمد بسبب تهاون وتخاذل الحكومة , ورؤية الأمراء هؤلاء أن المعركة خاسرة وأن الطرف المعادي لطالبان ألا وهو الحكومة الأفغانية وجيشها منهزمة وفاسدة ومنتهية قبل أن تبدأ المعركة من الأساس.

وهذا الحال كان متوقعاً كما ذكرنا , فالحرب الأمريكية كانت فاشلة منذ البداية , لعدم اهتمامها للجانب الأيديولوجي لهذه المعركة ضد طالبان , فهي ومنذ البداية لم تدعي أنها على حرب مع دين بول البعير , وأنه دين مسالم ولطيف وكيوت...والخ من كلام سفيه مغيّب عن أبسط الحقائق المتعلقة بواقع هذه الشعوب الموبوئة بالطاعون الاسلامي.

والجيش الأفغاني وسقوطه المتوقع كان نتيجة من النتائج العديدة لهذا الفشل الأمريكي والغباء والجهل الرهيب لدى صنّاع القرار الأمريكان فيما يتعلّق بخطورة دين رضاع الكبير كأيديولوجيا فاشيّة مسمومة مريضة ممرضة للشعوب والأمم.

وهو أي هذا الجيش متمثلاً بحكومة الرئيس الهارب أشرف غاني , ليس سوى امتداد لتلك السياسة الحمقاء الأمريكية , وسقوطه من بقائه كان مرهوناً بالنفوذ الأمريكي الذي انتهى منتهياً معه هذا الكيان السخيف المسمى "بالجيش" الأفغاني.

-----------------------------------------------------------------------

لمصادر:
https://www.thesun.co.uk/news/15508168/taliban-new-weapons-us-afghan-officials-flee/

https://thehill.com/policy/defense/555772-dozens-of-afghan-military-bases-outposts-surrendered-to-taliban-this-month?rl=1

https://www.npr.org/2021/08/20/1029451594/the-afghan-army-collapsed-in-days-here-are-the-reasons-why

https://www.france24.com/en/asia-pacific/20210816-why-didn-t-they-fight-speed-of-afghan-collapse-surprised-even-the-taliban

https://www.reuters.com/world/asia-pacific/afghan-cities-taken-over-or-contested-by-taliban-2021-08-10/

https://english.alarabiya.net/features/2021/08/15/Explainer-How-did-the-Afghan-military-collapse-so-quickly-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذته مسيرة لحزب الله | #غرفة_ا


.. صاعد المواجهات بين الجيش السوداني والدعم السريع | #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: دخولنا إلى رفح خطوة مهمة جدا وجيشنا في طريقه للقضاء


.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب الإدارة الأمريكية التي عليها




.. مياه الفيضانات تغمر طائرات ومدرجات في مطار بجنوب البرازيل