الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حضور المرأة في قصيدة -أيام كان الحب- كميل أبو حنيش

رائد الحواري

2021 / 8 / 23
الادب والفن


حضور المرأة في قصيدة
"أيام كان الحب"
كميل أبو حنيش
كلما عزمت الابتعاد عن شعر "كميل أبو حنش" تجذبني رائحة شعره، وتسحبي من بين الجموع إلى نسائمه العطرة، متجاهلا ضيق الوقت وتلك الكتب التي تنتظرني، والتي أتلهف لسبر أغوارها، فأقف مستمتعا بما يقدمه من قصائد، منتشيا بها، هذا ما يفعله بي شعر "كميل أبو حنيش".
أن تخرخ قصيدة مترعة بالعاطفة من خلف الجدران فهذا بحد ذاته أنجاز يحسب للشاعر، وأن تأتي القصيدة محمولة بلغة هادئة وناعمة، رغم صدأ الأقفال فهذا انجاز إضافي يحسب لأدب السجون في فلسطين، وأن يستمتع المتلقي بالقصيدة فهذا يعد أبداعا شعريا صافيا، بعيدا عن الإنحياز لواقع الأسر الذي يعيشه الشاعر.
يفتتح الشاعر القصيدة:
" والآن في هذا الغياب
يعيدني التّنقيب في الماضي البعيد
إلى رؤاي كعاشق، يرنو إليك وأنتِ
في ذاك الزّمان تحدقين إلى النّجوم
لتحدسي نبأ.. سيكشف ما تخبئه السّماء
وتهمسي: إنّ اللّيالي لا تدوم، وأنّ فجر الليل
يوشكّ أن يطلّ ويختفي هذا العناء"
الزمن/الوقت أحد العوامل التي تثقل كاهل الأسير، لهذا نجده حاضرا في القصيدة من خلال: "والآن، الماضي، الزمان، الليالي، فجر، الليل" وهناك ألفاظ أخرى متعلقة بالوقت، أو تحتاج إلى وقت: "يعيدني، التنقيب، يرنو، تحدقين، سيكتشف، تدوم، يوشك، يطل، يختفي" رغم هذا الثقل إلا أن الشاعر قدمه/أوصله بطريقة ناعمة، رغم استخدمه اشارات خفيفة: "يرنو إليك" إلا أن أثرها محى/أزال ثقل الوقت، واعطا الفاتحة لمسة ناعم تجذب المتلقي ليتقدم منها، فهناك ألفاظ متعلقة (بكنز) مخفي: "التنقيب، سيكتشف، تخبئه"، وإذا علمنا أن الحوار يدور مع المرأة ـ أحد عناصر الفرح التي تجذب القارئ ـ فبالتأكيد سيكون هناك (اندفاع) نحو معرفة ما يجري بينهما، فصوت المرأة أو الحديث عنها أحد أهم عوامل المتعة في الأدب.
يتقدم الشاعر ليرد على ما قالته الحبية:
" فأنبري لأردّ: أنّ اللّيل أطول في البلاد
إذا تقاطرت الذّئاب.. وأُفزِعت فيها الظباء..
فلا تقولي: إنّ هذا اللّيل أقصر، كلّنا متسربلين
سواده كعباءة، ما دامت القطعان
من هذي الذّئاب مرابطات بالفناء..
صدقت رؤاي إزاء تنجيم الهوى
وتنبؤاتك للأماني الحالمات،"
نلاحظ أن هناك ذكر للحيوانات: "الذئاب (مكررة)، الضباء"، وألفاظ متعلقة بها: "تقاطرت، أفزعت، قطعان، مرابطات، بالفناء"، وهناك الفاظ سوادء: "الليل، سواده" وهذه اشارة إلى حجم الألم الذي يعانيه الشاعر، فبدا (صوت الشاعر) وكأنه يفرغ لها ما فيه من ألم للحبيبة، فهي الأقرب عليه، لما فيها من حنان وما تمنحه من حنين وتحمله من عاطفة، فكانت المخلص له من أوجاعه، فأفرغ ما فيه لها وبها، من هناك جاء السواد كثيف ومراكم.
"... يا قمري المطلّ
عليّ من زمن قصيّ
كي يؤانسني؛
فأحظى بالقليل من الضّياء..
والآن في هذا الغياب..
سأحتمي متدثرًا بالذّكريات..
أراك في مرآة قلبي تهرعين كظبية نحوي..
وتتخذين من صدري كناسًا آمنًا..
تتمشطي بأناملي وتدندني بالأغنيات..
فحينها كنّا وكان الحبّ يولد وحده
من دون قابلة..
ويحيا دون ماء أو هواء"
بعد أن أفرغ الشاعر ما فيه من وجع وألم، يذكرها، ب"يا قمري" وهنا ينجلي الليل ويظهر الضياء والبياض: "قمري، المطل، يؤانسني، فأحظى، الضياء، متدثرا، بالذكريات، أراك، مرؤآة، قلبي، كظبية، صدري، كناسا، آمنا، تتمشطين، وتدندني، بالأغنيات، الحب، يولد، ويحيا، ماء، هواء"، حجم البياض المستخدم ينم عن الأثر الهائل الذي تركته المرأة، فبوجودها تخلص الشاعر من السواد والقسوة، وهذا بحد ذاته انجاز لها، وجعلته يتقدم من الفرح/البياض، وهذا تحول إيجابي، ما كان ليكون دونها، فهي تُشفي من الأوجاع، وتمنح الصحة والعافية، وتوجد القوة والطاقة على التقدم بحيوية نحو الحياة.
فالصورة الشعرية:
" تتمشطي بأناملي وتدندني بالأغنيات "
جاءت كتويج للعافية التي حدث له، لهذا جاءت الصورة مذهلة بنعومتها وجمالها ورقتها، وبهذا نجد اثر المرأة فاعل ومؤثر وحاضر في الشاعر ومن ثم على ما يقدمه من شعر.
الشاعر يعي بأن حضورها أثر عليه إيجابا، ومنحه ما يحتاجه من فرح وحياة، لهذا يبقى متشبثا بها:
"وتهمسي: الحبّ يلهج بالكلام بمهده..
فأردّ: لا تتعجلي.. لا تقطفيه قبيل
أن يصل النّضوج، دعيه يكسر قيده..
لا ترغميه على المسير في أيّ درب..
واتركيه على السّليقة والعماء..
هو الكفيف بطبعه يمشي الهوينا أعوجًا مترنحًا..
ويشق دوماّ دربه متعرجًا..
لا وزن يضبط خطوه..
أن تنهضي لتقوّميه.. ستكسريه بغفلةٍ
لا تطلبي تقويم ما لا يستقيم..
دعيه أعوج مثلما شاءت طبيعته السّقيمة..
حاذري أن تطلبي منه الوفاء بعهده..
فبطبعه يأبى التّقيد والقبول بأيّ شرط..
وامتثال البقاء على الوفاء..
فحالما تتعثر الخطوات يهرب كالجبان..
كأنه ما كان أعمى ذات يوم..
ولا نعي إن فرّ منّا للأمام أو الوراء"..
نلاحظ أن الشاعر يكاد أن يكون (قامعا) لها، لهذا لا يتركها تتحدث بحريتها، حتى أنه جعل كلامها ضعيف/"تهمسي"، وكأنه يريد/يفضل أن يسهب في كتابة القصيدة، بعد أن وجد نفسه كشاعر متألق فيها.
ونلاحظ أنه يمارس دوره كذكر من خلال كثر النواهي التي يلقيها عليها: "لا تتعحلي، لا تقطفه، لا ترغميه، لا تطلبي، حاذري" ومن خلال الطلبات التي بدت وكأنها صادرة من معلم لتلميذته: "وتركيه، دعيه".
إذن، بحضور المرأة حدث تحول في الشاعر، فقد وجد نفسه كشاعر متعلق، ووجد نفسه حرا طليقا، يعيش حياة (عادية) في المجتمع، لهذا تخلص من حالة الأسر وأخذ يمارس دوره في الحياة كأي فرد آخر، هكذا يبدو (شكل) المقطع من الخارج، لكن إذا ما توقفنا عند ما جاء في المقطع، نجد أن الشاعر يتقمص (الحب) ليتحدث عن نفسه هو، فهناك العديد من الصفات أقرنها الشاعر بالحب، لكنها متعلقة بالشاعر نفسه: "دعيه يكسر قيده/ وتركيه على السليقة والعماء/ هو الكفيف بطبعه..يشق دربه متعرجا/ إن تنهضي لتقوميه سيتكسريه/ طبعه يأبى التقيد" فمن خلال هذه الفقرات يمكننا القول ان الشاعر يتقمص/يتوحد/يتماهي مع الحب، ليكونا شيئا/جسما واحدا، فهو يضع حالته/ما يعيشه/ما يرغب به ويريده، في الحب، وهذا يأخذنا إلى ـ العقل الباطن للشاعر ـ فحديثه عن الحب وكيف يريده أن يكون، يشير إلى رغباته في الحياة السوية بعيدا عن كل المعيقات والموانع والجدران وما فيها.
بهذا يكون "كميل أبو حنيش قد أوصل لنا فكرته/رغبته/حاجته للحرية بطريقة غير مباشرة، وبصورة جليه، فهو يمارس تألقه كشاعر، ودوره كرجل، يجد نفسه متصوفيا متوحدا مع ما يحب ويرغب، الحب.
بعد أن تخلص الشاعر من السجن والجدران والسجان، وبعد أن حصل على الحياة التي يريدها، ووجد نفسه كشاعر متألق، يتقدم إلى الأمام أكثر:
"والآن في هذا الغياب..
تدفّقي كالحلم في زنزانتي..
كي تزهر الجدران والأبواب..
حتّى تملأيني بالحياة..
وتُرجعي زمنًا يصرّ على المجيء..
فلا يبارحني الرّجاء..
وقبليني.. ولتذوبي في فمي..
فأنا نسيت بأن أخبىء
بعض طعمك في دمي..
ونسيت أن رضاب ثغرك لي دواء..
لكنّني خبأت حلمًا دافئًا..
اقتات منه على الجفاف..
وأستعين به على وجعي وأيام الجفاء..
وربّما أرشو به قدري.. ليفتح بابه الأبديّ
كي أخطو إليك.. ترقبيني ريثما آتي
إليك محمّلًا بقصائدي.. وشموخ رأسي المشرئب..
تهيأي لتعانقيني ربّما سيعود للزّمن القديم بهاؤه..
وتعود أيّام الوداعة والصّفاء..
كأنّني ما غبت عنك سوى سويعات..
تُقاس بعمرنا العشقيّ، كأنّني آتي إليكِ..
كعادتي متأخرًا عن موعدي..
متذرعًا في زحمة الطّرقات فتهدأي..
وتمرري بذكاء كذبتي الصّغيرة..
تقبلي بهديتي وتعانقيني باحتفاء..
لا تكبري يا ظبيتي..
فأنا كسرت عقارب الساعات
في عمري وعمرك..
حينما كنّا نحدق في النّجوم..
وننتشي بسعادة
أيام كان الحبّ يولد وحده
من دون قابلة..
ويحيا دون ماء أو هواء"
بعد نجاح الشاعر في تقمصه للحب، يتقدم نحو المرأة التي يريدها، فهي امرأة من جسد وروح، فوجدها يخلصه من السجن: "الزنزانة، الجداران، الأبواب"، ثم تمنحه البلسم ليتخلص مما علق به من أوجاع وآلام: "تملأني بالحياة، وأستعين به"، ثم يتألق كأي إنسان آخر: "ننتشي بسعادة".
هذا التسلسل منطقي ويتماثل تماما مع كل من يمر بحالة مرض، أو حالة غير عادية، فالبداية تبدأ بالتخلص من الأوحاع، ثم التقدم من الحياة العادية والسوية، والتي ستفتح آفاقا للتألق والإبداع، وهذا ما نجده في هذا المقطع الذي تتكاثف فيه الصورة الجميلة رغم أنها صادرة من خلف الجدران، والتي نجدها في: "كي تزهر الجدران، أخبئ طعمك في دمي، رضاب ثغرك دواء، خبأت حلما، اقتات منه" فالصور الشعرية تشير إلى أن الشاعر لم يتخلص/يشفى من مرضه/الجدران، فحسب، بل يتقدم كشاعر متألق يرسم بالكلمات، من هنا نجده يستخدم: "بقصائدي" فهي الهدية الأهم التي يمنحها للحبيبة:
" كي أخطو إليك.. ترقبيني ريثما آتي
إليك محمّلًا بقصائدي..
... تقبلي بهديتي وتعانقيني باحتفاء"
فتركيز الشاعر على كونه شاعر لم يأتي إلا بعد أن منحته المرأة ما يرغب به منها، من هنا نجده يتحدث عنها كامرأة حقيقية: "وقبليني، رضاب ثغرك، لتعانقيني/وتعانقيني" فالشاعر يتجاوز رغبته/حاجته للمرأة كعاطفة/كجمال، إلى حاجته الجسدية منها، لهذا نجده يذكر ما يرغب به ويريده منها.
وكأنه بهذا الطرح يريد أن يؤكد على كونه بشريا/إنسانا، له رغباته الجسدية كأي بشري آخر، وهذه دعوة ـ غير مباشرة ـ إلى رغباته/حاجته إلى ممارسة حياته كأي إنسان في هذه الحياة.
القصيدة منشورة على صفحة شقيق الأسير كمال أبو حنيش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم