الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلب بنيّ غامق – قصة للكاتب الأمريكي ستيفن كرين ترجمة رقية كنعان

رقية كنعان
شاعرة وكاتبة

(Ruqaia Kanaan)

2021 / 8 / 24
الادب والفن


ترجمة رقية كنعان

كان طفل يقف على زاوية شارع، انحنى بكتفه على سياج ٍعالٍ وأرجح الأخرى إلى الأمام والخلف وهو يركل الحصى بلامبالاة، كانت أشعّة الشمس تضرب الحصى وريح صيفية كسولة تثير الغبارالأصفر لتشكّل سحباً أسفل الجادة تتحرك الشاحنات المقعقعة خلالها دون أن تكون مرئيّة بوضوح، والطفل وقف يحدّق حالماً.
بعد قليل جاء كلب صغير بنيّ غامق مهرولاً بمزاج إصرار أسفل الرصيف و حبل قصير يتدلّى من رقبته وفي بعض الأحيان كان يدوس على نهايته ويتعثّر به، توقّف الكلب مقابل الطفل وعاين الاثنان بعضهما البعض باهتمام، تردّد الكلب للحظة ولكنه قام ببعض التقدّم بواسطة حركة ذيله، مدّ الطفل يده وناداه، اقترب الكلب بسلوك اعتذاري وتبادل الاثنان هزّات وإيماءات ودودة إلى أصبح الكلب أكثر حماساً مع كل دقيقة من اللقاء لدرجة أنّه في وثباته المرحة كاد أن يقلب الطفل، وعندئذ رفع الطفل يده وطرق الكلب بضربة على رأسه.
ذاك الشيء بدا وكأنه هزم وأدهش الكلب البنيّ الغامق الصغير وأصابه في القلب، غرق في اليأس عند قدميّ الطفل، وعندما تكررت الضربة مصحوبة بتحذيرات طفولية، انقلب على ظهره ورفع كفّي قدمه بوضع غريب، وفي الوقت ذاته وبواسطة أذنيه وعينيه قدّم صلاة صغيرة للطفل متضرّعاً.
ظهر بشكل كوميدي وهو على ظهره رافعاً أقدامه، فشعر الطفل بالتّسلية وأعطاه ضربات صغيرة بشكل متكرّر ليبقيه كذلك، ولكن الكلب الصغير أخذ العقاب بأقصى الجديّة وبدون شكّ اعتبر أنه اقترف جريمة خطرة لأنّه تلّوى نادماً وأبدى التوبة بكل ما في وسعه فترافع أمام الطفل وتوسّل وقدّم له المزيد من الصلوات.
أخيراً شعر الطفل بالضّجر من هذه التّسلية واستدار عائداً للبيت، كان الكلب يتضرّع في ذلك الوقت، استلقى على ظهره وأدار عينيه تجاه الشكل المبتعد، وبدأ يكافح واقفاً على قدميه وركض وراء الطفل، مشى الأخير بطريقة روتينية إلى بيته متوقّفاً بعض الأحيان لتفحّص بعض الأمور، و خلال واحدة من هذه التوقّفات اكتشف الكلب البنيّ الغامق الصغير الذي كان يتبعه متلصّصاً كقاطع طريق.
ضرب الطفل مطارده بعصا صغيرة وجدها، استلقى الكلب وتضرّع إلى أن انتهى الطفل من الضرب وواصل رحلته، ثم اعتدل وبدأ بالملاحقة ثانية، في الطريق إلى المنزل استدار الطفل وضرب الكلب عدّة مرّات مصرّحاً بإيماءات طفولية أنّه يزدريه ككلب عديم الأهمية بدون قيمة عدا لحظة واحدة، و لكونه من هذا النّوع من الحيوانات فإنّ الكلب اعتذر وعبّر عن الأسى ببلاغة ولكنه استمرّ بملاحقة الصبي خلسة، تصرّفه يوحي بشعوره بالذّنب لدرجة أنه انسلّ كسفّاح.
عندما وصل الطفل عتبة بيته، كان الكلب بالكاد يمشي متمهّلاً على بعد خطوات في الخلف، كان مضطرباً مرّة أخرى مع شعوره بالخجل عندما واجه الطفل فنسي الحبل المتدلّي وداس عليه وسقط إلى الأمام.
جلس الطفل على الدرجة وكان للاثنين مقابلة أخرى، أجهد الكلب فيها نفسه ليسرّ الطفل، قام ببعض الوثبات بانغماس تام إلى أن رآه الطفل –فجأة- شيئاً ذا قيمة فقام بحركة خاطفة وسريعة وأمسك الحبل وسحب أسيره إلى قاعة ثم صعوداً عبر أدراج طويلة في مبنى سكني مظلم. قام الكلب بجهود راغبة ولكنه لم يتمكّن من الصّعود بمهارة إلى أعلى الدّرج لأنه كان صغيرا جداً ودقيقاً، خطوات الطفل المنهمك تسارعت بحيوية لدرجة أنّ الكلب أصابه الذعر، في ذهنه كان يُسحب تجاه مجهول مروع، عيناه غدتا وحشيّتان والرعب يملأهما، صار يهزّ رأسه بشكل محموم ويثبّت سيقانه. ضاعف الطفل جهوده، كان لديهما معركة على الدرج، والطفل كان منتصراً لأنه منغمس بالكامل في هدفه كما أنّ الكلب كان صغيراً جدّاً، جرّ الطفل مقتناه إلى باب بيته وأخيرا ظفر بالنصر عبر العتبة.
لم يكن هناك من أحد في الداخل، جلس الطفل على الأرض و نادى الكلب الذي لبّى فوراً وابتهج بعاطفة نحو صديقه الجديد، وفي وقت قصير كانا رفيقين دائمين. عندما ظهرت عائلة الطفل ثار جدل كبير، كان الكلب يُفحص ويعلّق عليه ويشتم بأسماء مختلفة، سُلّط الازدراء عليه من كلّ العيون حتى غدا محرجاً ومنحنياً كنبات محترق، لكنّ الطفل ذهب إلى وسط الأرضية بثبات وبأعلى صوته ناصر الكلب وصادف أنه كان يزأر معترضاً وذراعاه متشابكتان حول الكلب عندما جاء ربّ الأسرة من العمل .
طلب الأب أن يعرف بأيّ جحيم يدفعون الولد للصراخ فشرحوا له بكلمات كثيرة أن الولد الجهنميّ أراد أن يقدّم كلباً حقيراً في العائلة، تمّ عقد مجلس عائلي اعتمد عليه مصير الكلب الذي لم يهتمّ فقد كان مشغولاً بمضغ طرف ملابس الطفل. الاجتماع انتهى بسرعة وربّ العائلة -كما يبدو- كان في مزاج وحشيّ بشكل خاص ذلك المساء وعندما أدرك أنّه سيُدهش ويُغضب الجميع إن بقي هذا الكلب قرّر أنّه سيبقى.
الطفل وهو يبكي برفق أخذ صديقه إلى جزء معزول من الغرفة ليداعبه بمودّة بينما الأب يواجه ثورة شرسة من زوجته، وهكذا حصل أن صار الكلب عضواً في البيت، ترافق هو والطفل في كلّ الأوقات عدا وقت نوم الطفل، وصار الطفل راعياً وصديقاً، إن ركلوا الكلب ورموا الأشياء عليه فإنّ الطفل يقوم باحتجاجات عالية وعنيفة.
مرّة عندما كان الطفل يركض محتجّاً بصوت عالٍ و الدّموع تمطر على وجهه وذراعاه ممدودتان ليحمي صديقه، أصيب بضربة في رأسه بطبق كبير من يد والده الذي كان غاضباً من قلّة الكياسة لدى الكلب. بعدها، أصبحت العائلة أكثر حذرا في كيفية رمي الأشياء على الكلب الذي أصبح خبيراً بدوره في تجنّب القذائف والأقدام، في غرفة صغيرة تحوي موقداً و طاولة و خزانة صغيرة وبعض الكراسي كان يبدي قدرة استراتيجية بنظام متفوّق، فيراوغ و يخادع و يعدو بين الأثاث و يستطيع أن يجبر ثلاثة أو أربعة أشخاص مسلّحين بالمقشّات و العصيّ وقطع الفحم أن يستعملوا كلّ عبقريتهم ليصيبوه بضربة، وحتى عندما يفعلون ذلك، فنادراً ما كانوا يسبّبون له أذى خطيراً أو يتركون أيّ أثر.
ولكن عندما يكون الطّفل حاضراً لا تحدث هذه المشاهد، أصبح مفهوماً أنّ مضايقة الكلب ستجعل الطفل ينفجر بالبكاء، والطفل عندما يبدأ ذلك يصبح مشاغباً ولا يمكن تهدئته، الكلب لديه إذن حارس.
على كلّ الطفل لم يكن دائماً بالقرب، في اللّيل وعندما يكون نائماً فإنّ صديقه البنيّ الغامق سيرفع من زاوية سوداء بكاء وحشيّاً منتحباً، أغنية من الذلّة اللانهائية واليأس ترتجف وتبكي بين بنايات الحيّ السكني وتجعل الناس يشتمون، في تلك الأوقات كان المغنّي يُطارد عبر المطبخ كلّه ويضرب بأنواع متعدّدة من المواد.
الولد نفسه كان يضرب الكلب أحياناً، رغم أنه لا يُعرف إن كان لديه ما يمكن اعتباره سبباً مبرّراً، كان الكلب دائما يتقبّل هذه الضربات بروح مذنب معترف، كان كلباً أكثر من أنّه يتطلّع لأن يكون شهيداً أو يخطّط لانتقام، يستقبل الضربات بتواضع عميق، وفوق ذلك قد كان يسامح صديقه لحظة انتهاء الطفل من الضرب ويكون مستعدّاً لملاطفة يد الولد بلسانه الأحمر الصغير.
عندما يصاب الطّفل بسوء الحظّ وتهزمه المشاكل، كان يزحف تحت الطاولة ويلقي برأسه الصغير المكروب على ظهر الكلب، والكلب كان دائما متعاطفاً، لم يكن مفترضاً أنّه في حالات كهذه سيستغلّ المناسبة ليسترجع الضربات غير العادلة التي أعطاه إيّاها صديقه وهو مغيظ .
لم يحرز الكلب أيّ درجة ملحوظة من الألفة مع الأعضاء الآخرين في العائلة، لم يكن يثق بهم، والخوف الذي يعبّر عنه عند اقترابهم العابر منه يثير سخطهم جدّاً، اعتادوا أن يحرزوا بعض الرضا في قلّة إطعامه، ولكنّ بدأ صديقه الطفل أخيراً بمراقبة الأمر ببعض الاهتمام، وعندما ينساه كان الكلب عادة ينجح سرّاً لنفسه.
وهكذا تقدّم الكلب، طوّر صوت نباح كبير كان مستغرباً من تلك السجادة من الكلب الصغير، وتوقّف عن النباح بإصرار خلال اللّيل، أحياناً -وفعليّاً خلال نومه- كان يئنّ ببعض الصرخات وكأنّما من الألم، ولكن ذلك حدث بلا ريب عندما واجه كلاباً ضخمة متهيّجة في أحلامه تهدّده بفظاعة.
تعاظم إخلاص الكلب للطفل حتى بلغ أوجه، يهزّ ذيله عند اقترابه، يغرق في اليأس عند مغادرته، وكان يمكنه التقاط صوت خطوة الطفل من بين كل ضوضاء الحيّ، كانت كالصوت المنادي له.
مشهد رفقتهما كان مملكة محكومة من قبل الحاكم الرهيب؛ الطفل، ولكن لا انتقاد ولا تمرّد سكن للحظة قلب الرعيّة المفرد، زهور الحبّ أشرقت مع الولاء والإخلاص التامّ في روح الكلب ومشاعره التقيّة.
كان للطفل عادة الذهاب في رحلات استكشاف الأشياء الغريبة في الجوار، في هذه الحالات فإنّ صديقه يعدو بطموح خلفه، وربما أحياناً يذهب أمامه، وهذا يتطلّب ضرورة الدّوران كل ربع دقيقة ليتأكّد أن الطفل قادم، كان ممتلئاً بفكرة ضخمة عن أهميّة تلك الرحلات، كان سيحمل نفسه لمزاج كهذا! كان فخوراً لأن يكون حافظ ملك عظيم.
في أحد الأيام سكر ربّ العائلة بشكل مفرط، جاء وعمل كرنفالاً مع أدوات الطبخ و الأثاث وزوجته، كان في منتصف ترفيهه عندما دخل الولد متبوعاً بالكلب البنيّ الغامق الغرفة عائدين من رحلاتهما.
عين الولد المدرّبة فوراً لمحت حالة والده، غاص تحت طاولة حيث علّمته التجربة أنها مكان آمن جدّاً، أمّا الكلب فكان يفتقر للمهارة في أمور كهذه وبالطّبع غير مدرك لحقيقة الوضع، نظر بعينين متأثّرتين إلى غوص صديقه المفاجئ وترجمه ليعني: وثب ومرح، بدأ يهمهم على الأرضيّة لينضمّ إليه، كان صورة كلب بنيّ غامق صغير في طريقه إلى صديق.
رآه ربّ العائلة في تلك اللحظة و أطلق صيحة كبيرة من الفرح، ثمّ طرح الكلب أرضاً بإبريق قهوة ثقيل، تلوّى الكلب وهو يصيح بأقصى الذهول والخوف على قدميه وركض بحثاً عن ملجأ، ركله الرجل بقدم ثقيلة دفعت الكلب أن ينجرف كما لو سحبه التّيار، ثم طرحته ضربة أخرى من إبريق القهوة على الأرض.
وهنا جاء الطفل مطلقاً صيحات عالية ببسالة فارس، لم يعر ربّ العائلة اهتماماً لهذه النداءات من الطفل و تقدّم بمرح تجاه الكلب، الكلب وقد سقط مرتين بتتابع سريع فقد الأمل في الهرب، انقلب على ظهره ورفع كفوف أقدامه بغرابة، وقدم التضرّع في الوقت ذاته بعينيه وأذنيه.
ولكن الوالد كان في حالة مزاجيّة للتّسلية وخطر له أنّه سيكون شيئا جيداً رمي الكلب من النافذة، ولذا مدّ يده إلى الأسفل منتزعاً الحيوان من رجله، رفعه بارتباك عالياً، أرجحه مرّتين أو ثلاث مرّات بصخب قرب رأسه وقذفه بدقّة كبيرة عبر النافذة.
الكلب المحلّق خلق مفاجأة في الحيّ، إحدى النساء كانت تسقي النباتات في نافذة مقابلة أطلقت صرخة لا إرادية وأسقطت أصيص أزهار، رجل في نافذة أخرى انحنى بشكل خطر ليراقب طيران الكلب، وامرأة كانت تنشر ملابسها في الساحة بدأت تقفز، فمها كان مملوءاً بمشابك الغسيل ولكنّ ذراعيها تصرّفت بانفعال وكانت في مظهرها كسجين مكمّم، الأطفال ركضوا يشهقون.
الجسد البنيّ الغامق ارتطم متكوّماً على سطح أدنى بخمسة طوابق، ومن هناك تدحرج إلى رصيف الزّقاق، الطفل في الغرفة اندفع في صرخة كأنّها ترنيمة جنائزية طويلة ودرج بتهوّر من الغرفة، أخذ منه ذلك وقتاً طويلاً ليصل الزّقاق لأن حجمه أجبره أن ينزل الدّرج بشكل عكسي، خطوة خطوة في كل مرّة وأن يتمسّك بيديه الاثنتين بالدرجة التي فوقها، عندما جاءوا إليه فيما بعد، وجدوه بقرب جثّة صديقه البنيّ الغامق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم