الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعبئة الفكرية في رواية -الطريق إلى شارع يافا- عمار الزبن

رائد الحواري

2021 / 8 / 25
الادب والفن


في القرن الماضي وتحديدا بعد أنتصار الثورة البلشقية في روسيا، ظهر الأدب الموجه، الذي يعبأ المتلقين بالأفكار التي يُراد تقديمها، من هنا كانت هناك لجان خاصة تشرف على النشر، فتقوم بتعديل وحذف ما تراه يتناقض مع مصلحة الثورة والجماهير، حتى أن رواية "كيف سقينا الفولاذ" لنيقولاي اوستروفسكي تم التعديل عليها من قبل لجنة إجازة النشر، وهذا يشير إلى الدور الكبير الذي تلعبه تلك اللجنة/اللجان، في إظهار هذا الكاتب وطمس ذلك.
تفاجأت بهذا العمل لما فيه من توجيه وتعبئة لفكرة محددة، فكرة المقاومة الإسلامية (حماس)، فالرواية تقدم (حماس) على أنها الوحيدة التي تعمل ضد الاحتلال، متجاهلة الفصائل الآخرى، وإن ذكرتها قدمتها بصورة انتهازية تعمل على سرقة أنجاز (حماس): "غير أن التأجير يقلل من قوة التأثير المرجوة وخاصة بعد السرقة المفضوحة من جانب ذلك الفصيل، وتلك عادة سيئة درجت عليها بعض الفصائل أن تأخر الفاعل الحقيقي بالإعلان عن مسؤوليته" ص 227، والرواية لا تكتفي بهذا بل نجدها تتوغل أكثر في تقديم أفكار وعقيدة الحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فهناك أكثر من ثلاثين موضعا تم فيه استخدام المباشرة في طرح الأفكار المتعلقة بحماس، مهنا: "...تربينا على ذلك ما قبل عام سبعة وثمانين في محاضن جماعة الاخوان المسلمين التي انبثقت عنها حماس، إلا أن أكثر المجاهدين قاتلوا بمبادرة فردية، بأموالهم الشخصية" ص83، ولا تكتفي بهذا بل تجعل عناصر (حماس) هم الأفضل وأكثر حمية وقدرة على العمل: "...وأن يكون الشباب الفلسطيني والحمساوي على وجه التحديد، مستعدا بكل الأوقات، جاهزا للتضحية بنفسه ةماله" ص84، من هنا نقول أننا أمام رواية توجيهيه أكثر منها رواية أدبية، فهي لا تتوانى أن ذكر الفكر الأخواني: "...لذلك نأتي بفخر على كلام الإمام البنا وسيد قطب وعمر المختار يحيى عياش لأنها سقيت وارتوت بدمائهم من أجل الوطن والفكرة" ص175، وحتى أنه تقحم أسماء ليس لها علاقة بشخصيات الرواية: " ـ فيضحك الشيبخ "حامد البيتاوي" رئيس رابطة علماء فلسطين وتضحك معه جميع الوجوه التي ما زالت تعيش فرحة النصر الصغير على المحتل" ص236.
وتأخذ الرواية إلى شخصيات من خارج فلسطين حينما تحدثت عن مجلة السبيل الأردنية وعن همام سعيد القيادي في حركة الاخوان المسلمين في الأردن: "أخرج معاذ نسخة من صحيفة السبيل الأردنية ... يكتب أحد علماء الأمة "همام سعيد" فاهتز جسد خليل" ص246.
الهفوات والمغالاة في التقديم
إذن نحن أمام رواية تعبئة فكرية، تهتم بالفكرة على حساب الشكل الأدبي واللغة الأدبية المستخدمة فيها، من هنا نجد فيها مجموعة هفوات، منها، عندما يتم تأجيل اتخاذ قرار بخصوص ذهاب "خليل" لعملية استشهادية، يقدمه السارد هذا الشكل: "فيبكي خليل بحرقة: كنت لأطمع أن... ثم توقف عن الكلام قليلا قبل أن يثور مجددا: ماذا أفعل الآن؟ لقد اخبرتك قبل أن أصبح معكم، أنني اريد خيار يحيى عياش، لم أخلق "للميكروفون: والمسيرات، وها وهو يرحل ويتركني دون أن يأخذني معه" ص58، اعتقد أن الشحص المنتمي للحزب/لفصيل عقائدي يخضع لكل ما يصدر له، خاصة إذا علمنا أن أحد الأفكار التي تعطى للعنصر المنتمي: "عليك أن تخضع/تكون بين يدي الأمام كحال الميت بين يدي المُغسل"، وهذا ما يجعل المشهد السابق مبالغا فيه، وأقحم من قبل لجنة أجازة الرواية.
فالانحياز لجهة/لفكرة بعينها يعني تقزيم/تقليل شأن الأخرين، وهذا ما كان في رواية "الطريق إلى شارع يافا": "... أما بندقية جنين، فقد صادرتها الأجهزة الأمنية الفل.. لاحقا" ص112، اعتقد أن عدم كتابة (الفلسطينية) كاملة يعد انتقاص للكيانية الفلسطينية، التي من المفترض أن تكون (حماس) جزء منها، رغم ملاحظاتنا العديدة علي سلوكها ونهجها.
وعندما يريد السارد تقديم الأب، يقدمه بصورة متناقضة: "...أنها أمي، ترقب والدي العجوز، ثم انفعل أكثر، هذه عكازه تخرج من الباب، وإنه أبي، أنظر جيدا، عباءته البنية التي ابتعتها له قبل سنتين من نابلس ـ ثم ضحك ـ أنظر إليه سبعيني ويمشي مسرعا كالشباب، ليتني أستطيع احتضانه ولكن" ص184، فصورة الشيخ السبعيني الذي يمشي مثل الشباب تتناقض مع عكازه التي يحملها ليتكأ عليها، ومثل هذه الصورة ما كانت لتأتي لو أنها صادرة من كاتب/سارد واحد، لكن تدخل (اللجنة) التي ارادت أن تُجمل صورته الأب، فوضعت (مكياج زائد) شوه الأصل والصورة معا.
ولم تقتصر عملة تدخل اللحنة على الأحداث فقط، بل طالت الأماكن أيضا: " لقد دخل مسجد سيد قطب لتأدية صلاة الظهر بعد أن فاتته الجماعة أثناء سفره من نابلس إلى رام الله" ص227، كلنا يعلم أن المسجد الأهم في رام الله/البيرة هو مسجد عبد الناصر، لكن العداء بين الاخوان والنهج الناصري جعل اللجنة تغير اسم المسجد من مسجد عبد الناصر إلى مسجد "سيد قطب، وهذا الأمر يعد انتهاك للمكان/للمسجد، وللشعب اللذي اختار الاسم.
ونجد التدخل اللجنة الساخر من الجماهير/الشعب، عندما تم الحديث عن اقتحام دار الاخوان المسلمين في نابلس: "...كانت مسيرة ضخمة مريدة للرئيس المصري جمال عبد الناصر والذي كان حليفا للاخوان المسلمين في مصر، ثم نقلب عليهم بعد استلامه الحكم واستمر التوتر والاعتقلات والاعدامات طول فترة حكمه حتى جاءت حاصثة الدار في نابلس عندما خرجت مسيرة ضخمة مريدة له للتعبير عن هذا التأيد الجارف توجهت المسيرة نحو الدار قرب البنك العثماني....أخذ المحاصرون للدار بالهرب وهم يصخرون "الإخونجية: نصبوا الرشاشات على النوافذ... كانت عصا "قشاطة الماء" التي لوح بها أبوك من وراء الستارة كفيلة بهروبهم وحماية الدار... خوفي ورعبي لم يكن من الاحتلال والجهلة ولكن أن أفقد هذا الرجل العظيم" ص289و290، نلاحظ أن زوجة الشيخ المجاهد تصف المشاركين في "المسيرة الضخمة بالجهلة" وأيضا تجمعهم مع الاحتلال: "ورعبي لم يكن من الاحتلال والجهلة" وهذا يشير إلى عقم تلك اللجنة التي تصرفت بالعمل الروائي حسب أهوائها وحسب ما يتوافق مع منطلقاتها الفكرية والحزبية، فجعلت الشعب جاهل، وساوت بين الشعب والاحتلال، كل هذا لأن هناك عداء من قبل الحركة لعبد الناصر ولكل من يؤيد عبد الناصر.
أوسلو
الرواية تنتقد أوسلو والسلطة الفلسطينية في أكثر من موضع، خاصة تلك المواقف المتعلقة بالمجاهدين: "...نسى كراس المحاضرات في السيارة وعليه اسمه الشخصي، فانكشف على الفور من جانب قوات الاحتلال التي أبلغت أجهزة أمن السلطة عبر ما يعرف "بالتنسيق الأمني" حتى تساعد باعتقاله، أما أمجد الحناوي فاعتقل بعد يومين في مدينة طولكرمن وحكم عليه ثماني سنوات في مكاكم السلطة الفسطينية في مدينة أريحا" ص70، لكن البعد السياسي الخاص بحماس ظهر بشكل جلي في الرواية، فبعد العملية المزدوجة في "سوق محنى يهودا" تأتي ردة فعل "معاذ/أبو أيمن" بهذا الشكل: "فقلت متداركا بطريقة مختلفة: الله أكبر، ستفشل عملية السلام الآن" ص224، وهذا يشير إلى أن الهدف من العمليات لم يمكن فقط متعلق بتحرير الأسرى، وخاصة الشيخ أحمد ياسين كما جاء في الرواية، بل هناك هدف سياسي يتمثل بإضعاف السلطة.
السرد الروائي
إذا ما توقفنا عند السرد الروائي سنجده متعلق ب "معاذ/أبو أيمن" فكان يفترض أن يكون السارد الوحيد في الرواية، لكن هذا الأمر لم يتم، فنجد تداخل وتشابك بينه وبين السارد الخرجي/العليم، حتى أن القارئ يتوه بينهما، فاللغة واحدة ومشتركة بينهما، كما أن طريقة تناولهما للأحداث متشابهة بحيث لا يمكن أن نفرق بينهما، فعلى سبيل المثل نأخذ ما جاء في اصفحة 197: "لم نعلم ونحن في مهرض الملابس نكسو عشاق الشهادة أن بيتنا خلف مسجد الروضة بقليل يصنع جزءا من الحكاية يكتبها بلون خاص سيبقى سرا حتى كتابة هذه الأسطر.
ينقر القائد على الآلة الكاتبة، يصف أسطر البيان العسكري وما يلبث أن يشطب ما يكتبه معاودا النقر مرة تلو الأخرى، لا تطاوعه البداية فيصك على اسنانه، أهذه مقدمة بيان سيهز العالم؟، فيقف على قدميه يحرث الغرفة جيئة وذهابا، لقد أتفق مع خليل على الخطوط العامة لكنه يعجز عن إخراج ذلك للنور.
لقد كتبت مئات الكلمات والخطب، برعت في صياغة البيانات الانتفاضية واعجز الآن عن.. ثم يضحك على نفسه وهو يتذكر فحوى الإعلان المكلف بكتابته: لكن هيهات هيهات" ص197، في هذا المقطع لا نجد راو محدد، بل عدة رواة، يتداخل فيها السارد الرئيس "أبو أيمن" مع السارد الخارجي/العليم، وهذا الأمر يحسب على الرواية وعلى من قام بالتدخل في صياغتها، فكلنا يعلم أن الأسرى يخرجون أعمالهم الروائية عل دفعات وبطرق عدة، مما يجعل مسؤولية جمعها وتنقيحها على الناشر أو من يقوم مقامه.
وبما أن الكاتب يشير في نهاية الرواية أن هناك عمالا روائيا آخر سيتبع رواية "الطريق إلى شارع يافا": "...ولن أحرق أول فصل من الرواية القادمة، إذا كتب الله لنا الحياة" ص327، فإن هذا يستعدي التنويه إلى ضرورة عدم أقحام اي جهة مهما كانت صفتها في السرد الروائي أو في الأحداث الروائية، أو في الأفكار المطروحة، حتى نكون أمام عمل يليق بالأسرى، فالرواية غير البيان السياسي، واجزم أن كل تدخل سياسي في الأدب يضعفه ويشوهه، فلندع الأدب ياخذ مكانه الأدبي حتى يرقي ونرتقي به.
الرواية من منشورات وزارة الثقافةـ الإدارة العامة للمكتبات والمخطوطات، غزة، دائرة الإعلام العسكري، كتائب الشهيد عز الدين القسام، 2020.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا


.. شكلت لوحات فنية.. عرض مُبهر بالطائرات من دون طيار في كوريا ا




.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو


.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا




.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر